أقلام وأراء
الأحد 19 يناير 2025 7:11 صباحًا - بتوقيت القدس
مقياس النصر والهزيمة في المعارك غير المتكافئة.. طوفان الأقصى نموذجاً
حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها في قطاع غزة انقسم الناس في بلادنا بين من يرى بأن غزة انتصرت وفرضت على أعدائها ليس القبول فقط بوقف إطلاق النار، بل بالقبول أيضاً بصفقة طال انتظارها لمبادلة أسرى إسرائيليين محتجزين في غزة منذ السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣ بآلاف من الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم أسرى من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، وقادة بارزون في الحركة الوطنية كمروان البرغوثي وأحمد سعدات، وبين من يرى بأن ما حصل ليس انتصاراً بقدر ما هو مغامرة جنونية أدت إلى استشهاد وجرح أكثر من ١٥٠ ألف فلسطيني وتدمير اقتصاد القطاع وجعله مكاناً غير صالح للعيش.
ولكن وقبل أن نرى أياً من وجهتي النظر هي الصحيحة، لا بد من الإشارة إلى حقيقة مهمة وهي أن من يراجع تجارب الشعوب يدرك بدون عناء أن الحروب التي انتصرت فيها الدول التقدمية وحركات التحرر الوطني على قوى العدوان والهيمنة والتوسع لم تكن النتائج فيها تحسب بكم الخسائر البشرية والمادية وحجم الدمار الذي وقع في العدوان بل بالنتائج السياسية، وهل قربتنا تلك المعركة العسكرية من تحقيق أهدافنا من الحرية وتقرير المصير وإقامة الدولة أم أبعدتنا عن تلك الأهداف؟
وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد فجر الشعب الجزائري الشقيق العديد من الثورات ضد الاستعمار الفرنسي لبلاده على مدار ١٣٠ عاماً، خسر خلالها ملايين الشهداء ولكنه في النهاية حرر أرضه، وانتصر كما خسر الاتحاد السوفياتي السابق أكثر من ٢٠ مليون مواطن ومقاتل في حربه الوطنية العظمى ضد ألمانيا النازية، وكذا خسر الفيتناميون ملايين الأشخاص في حربهم ضد الغزو الفرنسي ثم الأمريكي لبلادهم.
وما جرى في معركة طوفان الأقصى التي دارت رحاها منذ السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣ بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والجيش الإسرائيلي المدعوم أمريكياً وأطلسياً وعربياً لا يشذ عن هذه القاعدة بل يعززها ويعطيها المزيد من المصداقية.
فمعركة طوفان الأقصى حسب التسمية الفلسطينية ومعرفة الاستقلال الثانية، كما اعتبرتها إسرائيل كانت معركة غير متكافئة أو غير متناظرة حسب لغة العسكر، ومع ذلك فإن الطرف القوي لم يستطع فيها تحقيق الانتصار على الطرف الضعيف وهو المقاومة الفلسطينية المحاصرة جواً وبحراً وبراً، لأنها أعدت نفسها جيداً للحرب من ناحية، وامتلكت سلاح العقيدة من ناحية ثانية، وامتلكت سلاح الإرادة من ناحية ثالثة.
بكلمات أخرى فإن غزة انتصرت لأنها أولاً: صمدت صموداً أسطورياً، وثانياً: لأن الأهداف التي حددها المستوى السياسي الإسرائيلي للمستوى العسكري لم تكن واضحه ولا قابلة للتحقق. وثالثا لأن الخسائر البشرية التي مني بها الجيش الإسرائيلي لا سيما في معارك شمالي غزة لم تعد تطاق إسرائيلياً، الأمر الذي دفع إدارة ترامب تحديداً للتدخل من أجل وقف الحرب، لكي لا يؤدي استمرارها إلى تفكك الدولة برمتها.
وعود على بدء فإن إسرائيل خسرت لأنها فشلت في تحقيق أهم الأهداف غير المعلنة لحربها على قطاع غزة، وهو ترحيل سكانه إلى مصر وتوطينهم في سيناء.
فمن أجل تحقيق هذا الهدف فقد جرى تدمير قطاع غزة بشكل ممنهج من مدارس وجامعات وبنى تحتية ودور عبادة، بهدف جعله مكاناً غير قابل للحياة الآدمية، ولكن هذا الهدف فشل لأن الفلسطينيين، ورغم كل الخسائر البشرية التي وقعت، لهم ظلوا متشبثين بأرضهم ويرفضون الرحيل عنها.
ففي الذاكرة الجمعية للفلسطينيين، لا سيما في قطاع غزة تاريخ حافل مع إفشاء مشاريع التوطين منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي، حيث قاوموا آنذاك مشروع جونستون لتوطينهم في سيناء وقدموا شهداء على مذبح النضال من أجل إفشاله ونجحوا في ذلك.
واستطراداً، فعندما تحين ساعة الحقيقة فإن الإسرائيليين سوف يسألون نتنياهو بعد أن تضع الحرب أوزارها أين النصر المطلق الذي وعدتنا بتحقيقه؟ ولماذا لم تقض على حركة حماس كما وعدت؟ ولماذا لم تبعدها عن حكم القطاع؟ ولماذا لم تقم ببناء مستوطنات جديدة؟ ولماذا لم تحرر "المختطفين" بالقوة؟
البعض قد يتطوع لتقديم طوق نجاة لنتنياهو من خلال القول بأن نتنياهو لم يتراجع قيد أنملة عن أهداف الحرب، وكل ما في الأمر أنه امتثل لأمر من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بضرورة وقف الحرب على غزة، لأن الأخير يريد أن يرى هدوءاً في الشرق الأوسط قبل عودته إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني الجاري، لكي يتفرغ لحربه الاقتصادية مع الصين ولتسوية الصراع بين روسيا وأكرانيا ولضم كندا، وحل قضية الهجرة من المكسيك...إلخ.
ولكن هل هذا هو السبب الحقيقي لقبول نتنياهو مغامراً بانفراط عقد حكومته الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل؟
في اعتقادي ليس ترامب هو الذي فرض هذا الاتفاق لسببين الأول: لأن الحاكم الفعلي لأمريكا ليس رئيسها القابع في البيت الأبيض بل الدولة العميقة المؤيدة بالمطلق وبدون تحفظ لإسرائيل، والثاني: لأن ترامب كان قد هدد أهل غزة بمحوها عن وجه الأرض إن لم يجر إطلاق سراح المختطفين الاسرائيليين قبل عودته إلى البيت الأبيض في العشرين من الجاري
إذن، فإن ما أجبر نتنياهو على تغيير موقفه بزاوية ١٨٠ درجة، والتفاوض مع حماس، وعقد صفقة تبادل أسرى معها، والتخلي عن أهداف الحرب التي وضعها بنفسه هو الخسائر البشرية الكبيرة التي مني بها جيشه في تلك الحرب، وتحديداً في شمال قطاع غزة.
وهذا ما عبر عنه الكاتب الإسرائيلي يئير أسولين الذي كتب في صحيفة هآرتس قبل أربعة أيام بالحرف الواحد "حتى إذا قمنا باحتلال كامل الشرق الأوسط، وحتى إذا استسلم لنا الجميع فلن ننتصر في غزة".
كما ذهب الجنرال الإسرائيلي البارز إسرائيل زئيف قائد سلاح المشاة والمظليين الأسبق في مقالة له نشرت بتاريخ السابع من الشهر الجاري إلى حد تشبيه ما جرى للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة بما جرى للجيش الأمريكي في فيتنام الذي خرج مهزوماً من فيتنام عام ١٩٧٥، ومعه ٦٠ ألف قتيل بعد أن ظن أن ممارسة القوة الغاشمة وسياسة الأرض المحروسة ستوفر له نصراً، وإذا بها تؤدي إلى هزيمة مدوية.
باختصار وبدون مبالغة، فقد كانت حرباً عالمية شنت على غزة، وانتصرت فيها غزة ليس على إسرائيل فحسب بل على تحالف أمريكي وغربي ودولي وقف إلى جانبها، وساندها بالمعلومات الاستخبارية، لا بل حتى بالمشاركة الفعلية في المعارك.
وفي الختام، فإنني أستطيع القول: إن ما حصل هو انتصار استراتيجي مدوٍ ستكون له تداعيات وجودية خطيرة على الكيان الإسرائيلي والمشروع الصهيوني برمته، وعلى كل الدول العربية التي تآمرت على غزة وخذلتها.
دلالات
حازم قبل حوالي 15 ساعة
رائع و جميل
المزيد في أقلام وأراء
١٩-١-٢٠٢٥ يومٌ للتاريخ
حديث القدس
كرامة الفرح الفلسطيني
حمادة فراعنة
حقائق لا نختلف عليها في هذه الحرب
أحمد رفيق عوض
الشعوب لا تهزم.. معركة تنتهي وأخرى تبدأ
أمين الحاج
اتفاق الدوحة... ماذا بعد ؟
فوزي علي السمهوري
الحل بالسياسة وليس بالحروب والحلول العسكرية والأمنية
راسم عبيدات
معوِّقات مرحلة الانتقال السياسي السلس في سوريا بقيادة أحمد الشرع
كريستين حنا نصر
الاستعداد لاستقبال الأسرى المحررين: الرعاية النفسية واجب وطني وإنساني
بقلم: د. سماح جبر، استشارية الطب النفسي
وداعاً كارتر أهلاً ترامب
د. دلال صائب عريقات
بعد الهدنة.. يجب محاسبة مجرمي الإبادة
مجدي الشوملي
الإنجاز الحمساوي
حمادة فراعنة
لحظة ما بعد العدوان
عزام عبد الكريم رشدي الشوا
رأفت صالحة يجسد رسالة الهيئة وروح غزة التي لا تنكسر
د. عمار الدويك
الأمل الأخير للأسرى الأمنيين من فلسطينيي 48
إبراهيم عبدالله صرصور
دروس "الطوفان" وارتداداته(3) انكشاف "الدولة" العربية
د. اياد البرغوثي
ليس بعد الليل إلا فجر مجدٍ يتسامى!
ابراهيم ملحم
"الوظائف الأسرع نموًا بحلول 2030: مستقبل المجالات الأكثر طلبًا"
بقلم : صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
كيف نحمي أطفالنا من إدمان الذكاء الاصطناعي؟
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
التحدي الأكبر خلال الهدنة: استعادة مكانة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية سياسية، ومنع الاحتلال من العودة لتنفيذ مخططاته في الابادة والتهجير
وليد العوض
رحلة الجسر تُكلِّف عائلة مقدسيّة ألف دولار
داود كُتّاب
الأكثر تعليقاً
قائمة بأسماء الأسرى المشمولين بصفقة التبادل
دروس "الطوفان" وارتداداته(3) انكشاف "الدولة" العربية
"هآرتس" تكشف تفاصيل عن الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم ضمن الصفقة
كيف نحمي أطفالنا من إدمان الذكاء الاصطناعي؟
أبو عبيدة: شعبنا قدم من أجل حريته تضحيات غير مسبوقة خلال 471 يوما
خلال 15 شهراً من الإبادة.. حسابات الربح والخسارة
بن غفير: نترقب عودة المزيد من المحتجزين بالقوة
الأكثر قراءة
هيئة البث العبرية: حماس قدمت هدايا تذكارية للأسيرات الإسرائيليات
الصحة العالمية: إعادة بناء النظام الصحي في غزة تتطلب 10 مليارات دولار
دروس "الطوفان" وارتداداته(3) انكشاف "الدولة" العربية
مصادر: إطلاق 1740 أسيرا خلال المرحلة الأولى للصفقة
مصادر لـ “القدس”: الإفراج عن خمس قيادات بينهم مروان البرغوثي خلال المرحلة الثانية
"هآرتس" تكشف تفاصيل عن الأسرى الفلسطينيين المُفرج عنهم ضمن الصفقة
قائمة بأسماء الأسرى المشمولين بصفقة التبادل
أسعار العملات
الأحد 19 يناير 2025 8:46 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.59
شراء 3.58
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.71
شراء 3.7
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%56
%44
(مجموع المصوتين 457)
شارك برأيك
مقياس النصر والهزيمة في المعارك غير المتكافئة.. طوفان الأقصى نموذجاً