مع بدء الهدنة، سيقف بنيامين نتنياهو متفاخراً أمام العالم بما يعتبره "إنجازات" حكومته: إعدام 50 ألف فلسطيني، تدمير 90% من مباني قطاع غزة، تجويع السكان لـ15 شهراً، اعتقال وتعذيب عشرات الآلاف من القطاع والضفة، تشديد الحصار والحواجز، اغتيال القيادات الفلسطينية، احتجاز أموال السلطة، وتوسيع الاستيطان بشكل غير مسبوق.
يعتقد نتنياهو أن هذه الجرائم الجماعية ضد المدنيين ستُنسي الإسرائيليين تداعيات العملية العسكرية في 7 أكتوبر وما تلاها، بل ويرى فيها رسالة ردع لكل من يفكر بتكرار هذه التجربة.
في سياق هذه الجرائم، يسعى نتنياهو ووزير دفاعه السابق، المطلوبان للعدالة الدولية، إلى استغلال الدعم الأمريكي للإفلات من العقاب، سواء بإلغاء أوامر الاعتقال الدولية أو تقويض صلاحيات محكمة العدل الدولية والجنايات الدولية.
لكن هذه المحاولات، مهما كانت مدعومة، لا يجب أن تمر دون مواجهة. مسؤوليتنا كأحرار في العالم أن نعمل على ملاحقة مجرمي الحرب، خاصة أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
ويقع على عاتق منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مسؤولية مباشرة ومستمرة للعمل على محاسبة الاحتلال. الخلافات بين غزة والضفة لا يمكن أن تكون مبرراً للتقاعس في أداء هذه المهمة الوطنية. يجب ألا تتكرر فضيحة التنازل عن التحقيق في جرائم الاحتلال كما حدث مع تقرير غولدستون في عدوان 2008-2009.
ما حققته جنوب أفريقيا وعدد من الدول الأخرى مؤخراً من خلال إصدار قرارات باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه يُعتبر خطوة جادة وملهمة يجب البناء عليها لتقديم المجرمين للعدالة وتعويض الضحايا.
التظاهرات والمسيرات العالمية المستمرة منذ 7 أكتوبر تعكس تضامناً واسعاً مع الشعب الفلسطيني، ويجب أن تتوجه الآن نحو المطالبة الصريحة بمحاكمة مجرمي الحرب. رفع شعار "محاكمة مرتكبي جرائم الإبادة" بشكل يومي يمكن أن يكون المحرك الأساسي للعدالة، ويحدد ما إذا كان نتنياهو سيتمكن من الإفلات بجرائمه أم أن العالم الحر سينتصر لغزة ولفلسطين.
وعلى منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية العمل بشكل يومي بالتعاون مع الدول الداعمة مثل جنوب أفريقيا لإبراز الجرائم الموثقة، والشهادات، والروايات التي ستخرج من غزة لتعزيز القضية الفلسطينية في المحاكم الدولية.
المطلوب أن تكون قضية "محاسبة مجرمي الإبادة" هي الشغل الشاغل للجميع: في التظاهرات والندوات وزيارات الوفود والسفارات والجاليات والاتصالات والجامعات. يجب أن تتحول هذه القضية إلى قضية رأي عام دولي، وقضية الحرية في العالم.
العدالة ليست مطلباً مؤقتاً، بل هي طريق يجب أن نواصل السير فيه دون توقف، حتى لا تضيع حقوق الضحايا تحت غبار السياسة الدولية.
شارك برأيك
بعد الهدنة.. يجب محاسبة مجرمي الإبادة