مع عودة النازحين اللبنانيين إلى قراهم وبلداتهم التي غادروها قسرا جراء العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان، فإن مرحلة استنشاق أوكسجين العودة، رغم الدمار الهائل تمنح اللبنانيين بصيص أمل ليتجهوا نحو إعمار سريع في محاولة لبث عوامل الاستقرار واستعادة الهدوء والسكينة بعد قلق متواصل.
وفي الوقت الذي هنأت فيه قيادات المقاومة الفلسطينية الأشقاء في لبنان على صمودهم وتكاتفهم وتضامنهم من أجل دحر العدوان وإبعاده عن الأرض والسيادة اللبنانية، فان الوجع الأكبر يبقى قطاع غزة، حيث العدوان الإسرائيلي المتواصل بشراسة وبما يتضمنه من مذابح ومجازر، إضافة لحرب التجويع القاتلة.
بعد أكثر من ٤٢٠ يوماً من المذابح والتجويع والقتل والحصار الشديد والقصف العنيف في قطاع غزة، تبقى غزة هي الوجع الأكبر، ففيها كل قصص الألم التي لا تتسع الصفحات لسردها ونشرها، وهذا الوجع لا ينتهي إذا ما انتهى العدوان، بل سيبدأ مجدداً بعد نهاية العدوان، وذلك نظراً للحجم الهائل من المباني والمنشآت التي دمرها الاحتلال.
يتجدد الوجع حتماً عندما يعود نازحو القطاع، إلى ما كانت تسمى منازلهم المدمرة تماماً، فهي لم تعد قائمة، وإذا أرادوا العودة لذكريات وحنين، فإن الخيمة المؤقتة لن تسعفهم، فهي علاج لفترة زمنية فقط، ولن تسهم بحل كل مشاكلهم أمام البرد والمطر والرياح والرطوبة شتاءً وحرارة الشمس اللاهبة صيفاً، وبالتالي فإن البيت التاريخي لكل مواطن غزي يبقى هو حكاية الأمل واستذكار أيام سابقة مضت، لكن الأحلام تنهار عندما تختلط حجارة البيوت بغبار الطرق وتندمج مع أشلاء الشهداء.
وجع غزة في كيفية استعادة طعم الحياة، إن كان ذلك ممكناً بعد سنوات طويلة من الإعمار والتأهيل ومحاولة استعادة بناء المعالم التاريخية من مساجد وكنائس ومدارس وكليات وجامعات ومراكز وأندية ومقرات ثقافية واجتماعية وملاعب.
ترنو غزة إلى وقف العدوان الجائر بحقها، وتعلق آمالاً كبيرة على دعوات قيادات المقاومة إلى تحرك المجتمع الدولي عاجلاً لإنقاذ شعبنا فيها من حرب الإبادة والتجويع، واستمرار ضغط المنظمات الدولية والإنسانية لادخال المساعدات إلى القطاع.
تلوح في الافق مبادرات جديدة بقيادة تركيا وقطر ومصر مع إمكانية وصول وفد امني مصري خلال الايام القادمة إلى تل ابيب للاجتماع مع مسؤولين إسرائيليين لمناقشة وتحريك ملف صفقة التبادل، وكل ذلك وسط استمرار المجازر بشكل يومي.
غزة وجع بدأ ولن ينتهي، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق أو تبادل أسرى، فالشهداء من النساء والأطفال والرجال وجع، والمنشآت والمنازل المدمرة وجع، والطرقات والشوارع التي لم تعد صالحة للاستخدام وجع، والخيام ومراكز الإيواء وجع، والمستشفيات والمراكز الصحية التي أخرجها الاحتلال عن الخدمة وجع، والمرضى والجرحى والمعاقون والمصابون وجع، والمعتقلون وجع، والمفقودون والجثامين المحاصرة تحت الأنقاض وجع، والعائلات الممسوحة من السجلات المدنية وجع، ونقص الطعام والماء والدواء والكهرباء وجع، والتهجير والطرد وجع.
إنه وجع إلا ما لا نهاية.. كان الله في عون غزة.
شارك برأيك
غزة تبقى الوجع الأكبر