أقلام وأراء
الخميس 28 نوفمبر 2024 9:23 صباحًا - بتوقيت القدس
أي شرق نريد؟
(أسئلة الكاتب عبد الله جناحي تعقيباً على مقال الدكتور إياد البرغوثي الذي نشر في القدس)
مقال يطرح على الثالوث العربي، الأول: أنظمة عربية، والثاني: حركات وأحزاب وطنية قطرية، والثالث: المثقفون، سواء النخبويون منهم أو المثقفون العضويون على نمط تنظيرات الإيطالي أنطونيو غرامشي والمغربي محمد عابد الجابري.
السؤال الأول المطروح على هذا الثالوث العربي: ما هو مشروع كل طرف من هذا الثالوث بشأن مستقبل الوطن العربي؟ فالصهاينة والغرب لديهم مشروعهم للـ"الشرق الأوسط الجديد" حيث يعني جغرافيا جديدة، وديموغرافيا جديدة، وعلاقات دولية جديدة، وسياسات جديدة، ومسَلمات جديدة، وثقافة سائدة جديدة، ومناهج تعليمية جديدة. إنه إعادة ترتيب للمنطقة يكون فيها الكيان الصهيوني هو الوحيد المؤهل للتوسع.
السؤال الثاني أمام اثنين من هذا الثالوث العربي- حركات التحرر الوطني القطري، والمثقفون، ونستثني الأنظمة العربية لأنها حسمت خيارها في دعم المشروع الصهيوني الغربي للمنطقة. وهذا السؤال هو: هل هناك جدية لدى هذين الطرفين في مراجعة فكرية وسياسية، والعودة التنظيمية للهويات العربية الجامعة، ومفهوم الأمن القومي المشترك. أي تخطئة قرارات فصل الساحات العربية، والتنظير "للدولة القطرية" وأولويتها وانعزالها، وإلى "تتفيه" أي عمل وحدوي يفكر في "لملمة" عناصر القوة. بمعنى آخر العودة إلى وحدة الساحات العربية تنظيمياً وحزبياً وفكرياً وسياسياً، أي العودة إلى فكرة "حركة القوميين العرب" قبل الانفصالات التنظيمية التي حدثت لفروع الحركة، حيث تم الاستقلال التنظيمي لكل دولة من الدول العربية؟.
أي العودة إلى المقولة العروبية (يا أبناء الوطن العربي، اتحدوا)، وذلك على منوال الشعار الأممي الأثير في مرحلته الأولى (يا عمال العالم وفلاحيه، اتحدوا).
السؤال الثالث للثنائي المذكور في السؤال السابق من الثالوث العربي هو: الموقف من الدين الإسلامي في العمل السياسي الوطني والعربي؟ ففي هذه المرحلة- ولعل قبلها بعقود- كانت "الخدمة" الكبيرة التي قدمتها مجموعة من المثقفين الحداثيين للمشروع الغربي الصهيوني والشرق الأوسط الجديد -دون قصد على الأغلب وبشكل غير مباشر-، إذ في خضم قيام هؤلاء بعملهم "الثوري" ضد الثقافة "الرجعية" التي يصنفون "الدين" كأحد أهم عناصرها، اقتربوا أكثر من مؤسسة "الدولة" (الرهينة والمرتهنة) والتي كانت ضمن مشروعهم التحديثي في تحطيمها وبناء دولة مدنية حداثية، وساهموا في تفكيك المجتمع من خلال" تعففهم" في التعاطي مع "الإسلام" الذي اعتبروه "حاضنة" للتخلف، فسهّلوا تقديمه إلى الإمبريالية والصهيونية لاستخدامه ضد "الأمة" على شكل تنظيم داعش أحياناً ومشروع إبراهيمي أحياناً أخرى. فهل هناك مراجعة نقدية لهذه المسألة المهمة من جانب كافة القوى السياسية الحداثية بكل تصنيفاتها بهدف التصالح مع الأبعاد الثورية والمقاومة في حركات الإسلام السياسي. ومن جانب مقابل، قيام القوى السياسية الإسلامية بكل تنوعاتها المذهبية، بمراجعات نقدية عقائدياً وسياسياً بهدف التصالح مع مقومات الحداثة الفكرية والسياسية، وصولاً لبناء "الكتلة التاريخية" بالمفهومين الغرامشي والجابري.-لحظتها تذكرت كتابي المعنون بـ (الكتلة التاريخية من غرامشي إلى الجابري، وملاءمتها للبحرين). الذي أصدرته في فترة تاريخية، كانت مفصلية للبحرين، حيث كان من المفترض خلق كتلة تاريخية واحدة لتحقيق التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي المدني الديمقراطي الحقيقي المنشود، وهي فرصة ضاعت لأسباب ذاتية تتعلق بأطرافٍ من القوى السياسية!.
السؤال الرابع الأهم أمام الثنائي- وبعض أطراف الحكم- من الثالوث العربي هو: هل حقاً هناك قوة واحدة في منطقتنا فقط لها مشروعها الخاص لشرق أوسط جديد؟. كما يوضحه مقال البرغوثي. مع اتفاقي بأن الثالوث العربي لا يمتلك مشروعه الخاص. فأين يضع قدمه هذا الثالوث؟ هل مع المشروع الصهيوني الغربي للشرق الأوسط الجديد، كما يحدث راهناً من قبل أغلبية الأنظمة العربية، وشريحة من المثقفين "النخبويين"؟، أم مع إيران كقوة شرق أوسطية؟، فالباحث يؤكد بأننا لا نحتاج إلى كثير من العناء للإقرار بأن إيران (وحلفاءها) هي القوة "الأساسية" التي تقف أمام النسخة الإمبريالية الصهيونية من مشروع الشرق الأوسط الجديد، ليس فقط لأن لديها تصوراً مختلفاً حول مستقبل المنطقة، بل لأنها الوحيدة التي تملك مشروعاً متكاملاً مضاداً له. المشروع الإيراني مبني على مسألتين: الأولى، حتمية تحرير فلسطين على اعتبار أن الكيان الصهيوني "غدة سرطانية" غريبة في المنطقة. والثانية، ضرورة انسحاب كل القوات والأساطيل والقواعد الأجنبية من المنطقة وتركها لأصحابها لتحديد شكل وجودهم وعلاقاتهم البينية.
المشروع الإيراني يعتبر الكيان الصهيوني والقواعد الأجنبية تهديداً مباشراً للأمن القومي الإيراني. لذلك ينبغي أن نفهم أن تخلي إيران، أو بشكل أدق تخلي (الثورة الإسلامية في إيران) عن فلسطين هو تخليها عن مشروعها هي قبل أن يكون موقفاً عقائدياً أو أخلاقياً تضامناً مع الشعب الفلسطيني. لذلك يمكن الحكم على المشروع الإيراني أنه مشروع شرقي تحرري، شرقي بمعنى أنه ليس مصمماً للتموضع ضمن مصالح أي من القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة، هو مشروع ذاتي إيراني تماماً. وهو مشروع تحرري بمعنى أن أهدافه المعلنة تتلخص في "تطهير" المنطقة (الشرق) أو (غرب آسيا) من كل القوى الأجنبية المتواجدة فيه والمتحكمة بمصيره.
هذا هو ببساطة، والأمر لا يحتاج للذهاب كثيرا في "زواريب" الايديولوجيا و"مؤامرات" التاريخ. مع حق النقد الصارم وتقديم التحفظات لأي انحرافات إيرانية طائفية أو مذهبية تؤدي إلى تشويه مشروع الشرق الأوسط التحرري من هيمنة القوى الغربية ومستقبل الكيان الصهيوني في المنطقة. مع عدم وضع المشروع الإيراني في خانة التساوي مع المشروع الصهيوني، بل بتقديره كمشروع تحرري للمنطقة والعمل على "تطويره" من خلال التفاعل والحوار بين كل الأطراف التي من مصلحتها التحرر من هيمنة الغرب.
العرب.. بين مشروعين
أصبح واضحا أن العرب، الرسميين وغير الرسميين، لا يملكون أي مشروع ولا حتى أي تصور خاص لمستقبل المنطقة (الشرق)، وهم أساساً وبناءً على ما تقدم، ليسوا في وضع يتيح لهم التفكير في أي مشروع كهذا لا الآن ولا في المستقبل المنظور. إننا أمام مشروعين لإعادة صياغة مستقبل المنطقة لا ثالث لهما؛ مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي الصهيوني، يقابله المشروع الإيراني. ونحن كذلك أمام عرب رسميين يمتثلون دون تردد للانخراط في المشروع الأول رغم إدراك بعضهم لخطورته المباشرة عليهم وعلى أنظمتهم. ونخب (مثقفون بالأساس) بعضها غير مبال بحجة أنه لا يرى فرقاً بين المشروعين، وبعضها يدعو الله للحفاظ على القديم (الموجود).
والخلاصة: إن لم تتوحد شعوب الشرق لتصنع "شرقها" على مقاسها، فإن الكيان الصهيوني جاهز ليصنع له، ولهم "الشرق الأوسط الجديد" والقابل للتجديد دائماً على المقاس الصهيوني.
هذه هي الأسئلة الأهم التي راودتني بعد قراءتي لمقال الدكتور إياد البرغوثي في صحيفة القدس الفلسطينية. ونحتاج إلى عصف ذهني عربي عند تفكيك كل سؤال من الأسئلة الأربعة المذكورة أعلاه.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
حرب ترامب الاقتصادية
حمادة فراعنة
العالم على كف "رئيس"
منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!
محمد جودة
عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل
حديث القدس
المشهد الراهن والمصير الوطني
جمال زقوت
الخيار العسكري الإسرائيلي القادم
راسم عبيدات
ترامب في خدمة القضية الفلسطينية!!
د. إبراهيم نعيرات
ما المنتظر من لقاء نتنياهو وترامب؟
هاني المصري
زكريا الزبيدي تحت التهديد... قدّ من جبال فلسطين
حمدي فراج
هل وصلت الرسالة إلى حماس؟
حمادة فراعنة
مجدداً.. طمون تحت الحصار
مصطفى بشارات
بين الابتكار وحكمة التوظيف .. الذكاء الاصطناعي يعمق المفارقات !
د. طلال شهوان - رئيس جامعة بيرزيت
الطريق إلى شرق أوسط متحول: كيف نحافظ على السلام في غزة مع مواجهة إيران
ترجمة بواسطة القدس دوت كوم
عيد الربيع يصبح تراثاً ثقافياً غير مادي للإنسانية
جنيباليا.. مأساة القرن
حديث القدس
لقاء نتنياهو- ترمب ومصير مقترح التطهير العرقي ووقف الإبادة
أحمد عيسى
"الأمريكي القبيح" واستعمار المريخ
د. أحمد رفيق عوض
رافعة لفلسطين ودعماً لمصر والأردن
حمادة فراعنة
"ترمب" والتهجير الخبيث!
بكر أبو بكر
تحويل الضفة إلى غيتوهات
بهاء رحال
الأكثر تعليقاً
من أين جاؤوا بنظرية "الضعيف إذا لم يُهزم فهو منتصر" ؟
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
الرئيس يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لوقف العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية
ما المنتظر من لقاء نتنياهو وترامب؟
العالم على كف "رئيس"
اقتحامات واعتقالات في الضفة الغربية
المشهد الراهن والمصير الوطني
الأكثر قراءة
إعلام عبري: نتنياهو يناقش خطط عودة الجيش الإسرائيلي إلى غزة
الشرطة الإسرائيلية تعتقل 432 عاملا فلسطينيا داخل أراضي 1948
ترامب: لا ضمانات لدي أن الهدنة بين إسرائيل وحماس ستصمد
مستعمرون يقتحمون مبنى "الأونروا" في حي الشيخ جراح
ترامب يبحث الثلاثاء مع نتنياهو سيناريوهات التهجير لغزة واحتمال العودة للحرب
مارتن أولينر يدعو إلى دعم خطة ترامب للتهجير.. "سكان غزة لا يستحقون الرحمة"
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 559)
شارك برأيك
أي شرق نريد؟