أقلام وأراء
السّبت 16 نوفمبر 2024 10:14 صباحًا - بتوقيت القدس
الهندسة الاجتماعية: تلاعب بالعقول وحماية البيانات
الهندسة الاجتماعية هي أحد أكثر الأساليب ابتكارا في عالم الاحتيال، وأكثرها خطورة على الأفراد والمؤسسات، ولا يتعلق الأمر هنا باختراق الأنظمة التقنية أو الحواسيب، بل يتعلق بخداع العقول البشرية، وهو ما يجعل هذا النوع من الهجوم أكثر فعالية وأقل وضوحًا، ففي عالم أصبح فيه كل شيء مرتبطا بالإنترنت، وحيث تزداد قيمة البيانات عامة والمعلومات الشخصية بالتحديد بشكل غير مسبوق، تصبح الهندسة الاجتماعية أسلوبا حيويا للتمكن من الحصول على تلك المعلومات دون الحاجة إلى أي أدوات تقنية معقدة.
تبدأ الهندسة الاجتماعية عادة بمناورة نفسية بسيطة تهدف إلى بناء علاقة ثقة بين المهاجم والضحية، وقد يكون المهاجم على هيئة فتاة جميلة او موظفا في شركة معروفة أو جهة تواصل من أحد المؤسسات المصرفية أو حتى شخصا يدّعي أنه من جهة حكومية تدعم الأفراد مثلا.
على الرغم من أن الأساليب المستخدمة قد تبدو بسيطة، فإن نتائجها يمكن أن تكون كارثية، فمن أساليب الهندسة الاجتماعية الأكثر شيوعا نجد التصيد الاحتيالي، وهو واحد من أكثر الطرق فعالية، ففي هذا النوع من الهجوم، يرسل المهاجم رسالة تبدو من مصدر موثوق، مثل بنك أو شركة معروفة، ليطلب من الضحية تحديث معلوماته الشخصية أو المالية، قد تحتوي الرسالة على رابط مزيف يؤدي إلى موقع يبدو حقيقيا، لكن في الواقع هو فخ للإيقاع بالضحية.
أما في أسلوب الاستغلال العاطفي، فيعتمد المهاجم على إثارة مشاعر الضحية لتحفيز رد فعل سريع وغير مدروس، فقد يتظاهر المهاجم بمشكلة طارئة، مثل حادث لجهة قريبة من الضحية، ليحثه على تقديم بيانات أو مساعدة دون أن يتوقف للحظة للتفكير في الموقف، بينما في أسلوب "التخفي عبر المكالمات الهاتفية"، يُستغل الاتصال المباشر عبر الهاتف، حيث يتظاهر المهاجم بأنه من جهة رسمية، مثل موظف في شركة خدمات، ويطلب من الضحية تقديم بيانات شخصية، مثل أرقام الحسابات أو كلمة المرور.
هذه الأساليب تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها في واقع الأمر تعتمد على التلاعب بالعواطف، واستغلال الثقة أو الجهل، وعندما يتعلق الأمر بفلسطين، يصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فبلادنا، التي تمر بتحديات متعددة على مستويات كثيرة، تجد نفسها عرضة لهذه الأنواع من الهجمات التي تستهدف فئات مختلفة من المجتمع. في ظل القضايا السياسية والاقتصادية التي تعيشها فلسطين، قد يصبح المواطنون عرضة للاستغلال بسهولة أكبر.
الهندسة الاجتماعية لا تقتصر فقط على سرقة البيانات الشخصية، وهي أداة تستهدف بنية الأفراد النفسية والاجتماعية، وتتسلل إلى تفاصيل حياتهم اليومية، ففي فلسطين، حيث يتعرض الكثير من الأفراد للمشاكل الاقتصادية أو السياسية، يمكن للمهاجم أن يلعب على هذه التحديات، مما يساهم في زيادة فعالية الهجمات، علاوة على ذلك، فإن الوعي الجماعي بأهمية الحماية الرقمية لا يزال بحاجة إلى تعزيز، فالكثير من الأفراد لا يدركون الخطر الكبير الذي تشكله هذه الأساليب على حياتهم الخاصة وعلى مؤسساتهم.
لكن في نفس الوقت، فإن إدراك المجتمع لهذه التهديدات يمكن أن يشكل تحولا كبيرا في قدرة الأفراد والمؤسسات على التصدي لهذه الهجمات، وفي فلسطين، ومع تزايد استخدام الإنترنت، يصبح الوعي الرقمي أداة أساسية في التصدي للهندسة الاجتماعية، فالتوعية يمكن أن تكون الدرع الأول في مواجهة هذه الهجمات، من خلال تعليم الأفراد كيفية التحقق من هوية المتصل أو الرسالة، وكيفية التعامل مع المواقف التي تبدو مشبوهة.
لا شك أن تعزيز الثقافة الأمنية في فلسطين بات ضرورة لا غنى عنها، فهذا لا يتطلب فقط تحديث التكنولوجيا المستخدمة لحماية البيانات، بل أيضًا تدريب الأفراد على كيفية حماية أنفسهم من الوقوع في فخ الهندسة الاجتماعية. إن تدريب الموظفين على عدم تقديم معلومات شخصية أو الدخول في حوارات مع جهات غير معروفة، يصبح أمرًا حيويا ويتطلب العمل على مستوى المؤسسات والجامعات والجمعيات والأمن لتقديم برامج توعوية تهدف إلى نشر الوعي الأمني بين الجميع.
الهندسة الاجتماعية لا تعتمد على اختراق الأنظمة، بل على اختراق العقل البشري، لذلك، فإن الدفاع ضد هذه الهجمات يتطلب فهمًا عميقًا للنفوس البشرية، وتعزيز الوعي النفسي والاجتماعي. إذا تمكنت المجتمعات من توعية أفرادها بهذا الخطر، يمكنهم تقليل فرص الوقوع في فخ الهندسة الاجتماعية، وحماية أنفسهم من التلاعب.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
حرب ترامب الاقتصادية
حمادة فراعنة
العالم على كف "رئيس"
منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!
محمد جودة
عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل
حديث القدس
المشهد الراهن والمصير الوطني
جمال زقوت
الخيار العسكري الإسرائيلي القادم
راسم عبيدات
ترامب في خدمة القضية الفلسطينية!!
د. إبراهيم نعيرات
ما المنتظر من لقاء نتنياهو وترامب؟
هاني المصري
زكريا الزبيدي تحت التهديد... قدّ من جبال فلسطين
حمدي فراج
هل وصلت الرسالة إلى حماس؟
حمادة فراعنة
مجدداً.. طمون تحت الحصار
مصطفى بشارات
بين الابتكار وحكمة التوظيف .. الذكاء الاصطناعي يعمق المفارقات !
د. طلال شهوان - رئيس جامعة بيرزيت
الطريق إلى شرق أوسط متحول: كيف نحافظ على السلام في غزة مع مواجهة إيران
ترجمة بواسطة القدس دوت كوم
عيد الربيع يصبح تراثاً ثقافياً غير مادي للإنسانية
جنيباليا.. مأساة القرن
حديث القدس
لقاء نتنياهو- ترمب ومصير مقترح التطهير العرقي ووقف الإبادة
أحمد عيسى
"الأمريكي القبيح" واستعمار المريخ
د. أحمد رفيق عوض
رافعة لفلسطين ودعماً لمصر والأردن
حمادة فراعنة
"ترمب" والتهجير الخبيث!
بكر أبو بكر
تحويل الضفة إلى غيتوهات
بهاء رحال
الأكثر تعليقاً
من أين جاؤوا بنظرية "الضعيف إذا لم يُهزم فهو منتصر" ؟
الرئيس يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لوقف العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
استنساخ جباليا في جنين.. قوس النار هل يتمدد لمناطق أوسع؟
العالم على كف "رئيس"
انتشال جثامين 19 شهيدا غرب مدينة غزة
اللواء ناصر البوريني يستقبل سفير المملكة الأردنية الهاشمية في فلسطين
الأكثر قراءة
إعلام عبري: نتنياهو يناقش خطط عودة الجيش الإسرائيلي إلى غزة
الشرطة الإسرائيلية تعتقل 432 عاملا فلسطينيا داخل أراضي 1948
ترامب: لا ضمانات لدي أن الهدنة بين إسرائيل وحماس ستصمد
مستعمرون يقتحمون مبنى "الأونروا" في حي الشيخ جراح
ترامب يبحث الثلاثاء مع نتنياهو سيناريوهات التهجير لغزة واحتمال العودة للحرب
مارتن أولينر يدعو إلى دعم خطة ترامب للتهجير.. "سكان غزة لا يستحقون الرحمة"
استراتجية أم تكتيك؟ تصريحات أبو مرزوق تلقي حجراً في المياه المتدفقة
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 559)
شارك برأيك
الهندسة الاجتماعية: تلاعب بالعقول وحماية البيانات