أتاحت الشبكةُ العنكبوتيةُ، التي اكتملَ نسيجُها في الفضاء الرحب في تسعينيّات القرن الماضي، فرصةً للحوار وتلاقُح الأفكار، لم تكن متاحةً في القرون الدارسة.
فعبر التعليقات، واللايكات، والدس لايكات، والمعارضات، والانتقادات، والتهجّمات، وسوق الاتهامات، تتشكّل مواقف، وترتسم سياسات، وتتمظهرُ انحيازاتٌ هنا وهناك، على ضفاف الاصطفافات والأجندات.
في المشهد اليوميّ المتدفّق حتى الإغراق والانغلاق، يختلطُ حابلُ الحقيقة بنابلِ التفاهة الـمُنغلقة في الفقاعة، ويتساوى المتدخلون كأسنان المشط، صغاراً وكباراً، متعلّمين وأميّين، مفكّرين ومنغلقين، في بدعة النقر بأصابعهم على الكيبورد، محتجبين خلف ستائر ثقيلةٍ من العتمة في "مغائرهم الوثيرة"، يقولون ويهرفون بما لا يعرفون، ويهتفون، ويُخوّنون، ويُمجّدون، ويتساجلون، ويتلاومون، ويتناحرون بألسنةٍ حِدادٍ، يُصنّفون الناس وفق كاتالوجاتٍ خاصةٍ بهم، فذلك لا يُكلّفهم شيئاً طالما أنهم يُعبرّون عن أفكارهم وانحيازاتهم، حتى لو قطعوا بسيوف كلماتهم واتهاماتهم رؤوسَ خصومهم، وأسالوا أرواحهم. كلّ ذلك لا يهمهم، فما يهمهم فقط هو الانتشاءُ بلحظة النقر والبراعة في استدراج الخصم، دون أدنى التفاتةٍ لحرية الآخرين في الاختلاف في الرأي.
إنها "الفقاعة" الـمُلوّثةُ بالأفكار، غيرُ المتصالحة مع مَن يعارضها أو يُشككُ في صوابيتها، والتي يجب تذويبُها بمطاعيم المعرفة وقبول الـمُختلف عنها، كما الـمُؤتلف معها، حفاظاً على قوة العقل اليقِظ المحميّ من العبث والارتجال والافتقاد إلى الخيال.
يروي الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قصةً لافتةً في سياق السجال بين المختلفين في الآراء، فيقول: "إنّ أحد النواب الأقل قدرةً وكفاءةً قال بغضبٍ لزميلٍ له يكبره عمراً وتجربةً ومعرفةً وثقافةً: (هذا هو رأيك أنت فقط، وأنا لي رأيٌ مختلف)، فردّ عليه زميله النائب قائلاً: (سيدي، من حقك أن يكون لك رأيُك الخاص، ولكن ليس من حقك أن تكون لك حقائقُك الخاصة)".
شارك برأيك
درسٌ في الإصغاء واحترام الآراء