ربما تتراجع صيغة سائدة أن (أمريكا تضغط على إسرائيل من أجل الصفقة)، بعد تقديم المقترح الأمريكي الجديد للصفقة. حتى أن مراسلاً لإحدى الفضائيات رفع النبرة كثيراً حين اعتبر أن (أمريكا تمارس ضغطاً هائلاً على إسرائيل)، وذلك رغم كل الحشود العسكرية لأمريكا وحلفائها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا، من بوارج وحاملات طائرات، ومخازن انفتحت، وأموال تدفقت ثمناً للعتاد.
لم يكن غريباً أن تعلن حماس، باسم قوى المقاومة، رفضها للمقترح الأمريكي، ففي تفاصيله المسرّبة، وكما أعلنت حماس، يوجد كل ما يريده نتنياهو من شروط، وأعلنها مراراً كشروط لتعطيل أي اتفاق، وهو مقترح يبتعد كثيراً عما أعلنه بايدن في 2 أيار وتبناه مجلس الأمن. فيما يتعلق بوقف العدوان والانسحاب، من محوري فيلادلفيا ونتساريم، وأعداد الأسرى وأسمائهم والمكان الذي يقصدونه بعد التحرر، وعودة النارحين من الجنوب للشمال، كل هذه القضايا تبنى فيها المقترح موقف نتنياهو، والأهم يريد إغراق المفاوضات بتفاصيل التفاصيل بعيداً عن المسائل الجوهرية: الانسحاب الكامل، ووقف العدوان، وصفقة مشرفة للتبادل، والإعمار وإدخال غير محدد للمعونات، وإعادة الإعمار ورفع الحصار. المقترح بصيغته الحالية، وهذا بالتأكيد يعرفه الأمريكان، لا يمكن القبول به مطلقاً من قبل المقاومة، والأهم أنه لن يقنع إيران وحزب الله بمقايضته برد رمزي ومحسوب، وقد سبق وأعلن الطرفان قبولهما بما تقبل به المقاومة من حيث المبدأ، وبالتالي فهو مقترح يفتح بوابة الحرب في المنطقة على مصراعيها.
لم يكن غريباً أيضاً تزامن عدة تطورات معاً في الأيام الأخيرة. من جهة تزامَنَ تقديم المقترح مع زيارة ثلاثية من وزراء خارجية الدول المشاركة في العدوان، أمريكا وفرنسا وبريطانيا، ومخطئ مَنْ يعتقد أن هذا الحشد الدبلوماسي جاء فقط ليعلن عن دعمه لدولة الإبادة، ودفاعاً عنها أمام أي رد من قوى المحور، فإعلان كهذا لا حاجة له لتلك الزيارة، ويمكن تأكيده ببيان رسمي، وهذا يفعلونه يومياً. إن هذا التزامن، وعلى قاعدة تقديرهم برفض المقاومة للمقترح، هو بمثابته رسالة لنتياهو بأن خطة توجيه ضربة قاسمة للمحور لفرض مقترحنا/ مقترحك هي على الطاولة. ليس لدى حلف الأطلسي، وعلى رأسه الإمبريالية الأمريكية أية ترددات بخصوص ضربة للمحور إذا توفرت ظروفها، والأهم التقدير بنجاحها لصالح دولة الإبادة ولمشروع الهيمنة الإمبريالي على المنطقة، في جوهره دمج نهائي لدولة الإبادة فيها.
إن افتراضاً قطعياً ومحسوماً بأن أمريكا لا تريد الحرب ليس واقعياً تماماً، شأنه شأن افتراض أن أمريكا (تمارس ضغطاً على إسرائيل). هي لا تريدها إذا اعتقدت أنها وتابعها الضعيف، دولة الإبادة، يمكن أن يخسراها، لأن نتائجها غير مضمونة تماماً، ولكن إن استعصى كسر إرادة المقاومة، ولجم المحور عن الرد الجدي والقاسي، بصفقة مشرفة وحسب شروط المقاومة، أي إذا شعروا باقتراب المحور من تحصيل تلك الصفقة، فإن الشروع بضربة سريعة وموجعة للمحور ستكون مطروحة تماماً على الطاولة، مع ضرورة ضمان نجاحها، وكل تلك الحشود هي من أجل هذا التطور. أما مراعاة الوضع الأمريكي الداخلي على أعتاب الانتخابات فيمكن أخذه بالحسبان بأن يكون العدوان على المحور، وفقاً للحسابات والترتيبات العسكرية، شاملاً وسريعاً وموجعاً وحاسماً. هذا التزامن يدفع باتجاه الحرب دون مواربة.
أما التزامن الثاني فهو التصاعد في المواجهة العسكرية على محور غزة والجنوب اللبناني. من الصحيح القول أن المفاوضات تجري تحت النار، شأن أية مفاوضات بين طرفين متحاربين عسكرياً. في الشمال تضرب دولة الإبادة مواقع مدنية ويستشهد مدنيون سوريون ولبنانيون، فيرد حزب الله بقصف صفد ومستوطنات جديدة وقواعد عسكرية، ويوقع قتلى وجرحى تعلن عنهم دولة الإبادة. في القطاع مجازر يومية متصاعدة في رفح وخانيونس وغزة، وهل في جعبة دولة الإبادة إلا المجازر والإبادة؟ فيما المقاومة ترد بعمليات نوعية في محور نتساريم وتل السلطان ورفح وخانيونس، والأهم أنها تُظهر قدرة عالية على إعادة تجديد قواها وعلى التخطيط والتنفيذ. لسان حال نتنياهو وعصابته كما دائماً (إن لم تتنازلوا في المفاوضات، فستتحملون عبء المجزرة تلو المجزرة)، والرهان - كما كان دائماً، وفشل حتى اللحظة، ومتوقع أن لا ينجح- هو تأليب الحاضنة الشعبية ضد المقاومة وقواها. إنهم يجعلون من دماء الأطفال والنساء ورقة تفاوض. إن هذا التصعيد الإسرائيلي وبالتزامن مع الحشود العسكرية الأطلسية وإعلان المقترح الأمريكي لا يمكن فهمه إلا في إطار التحضير لحرب أطلسية إسرائيلية ضد المحور.
وعليه لم يبقَ للتفاوض سوى وظيفة واحدة: غطاء للعدوان والإبادة في القطاع، وتأجيل متواصل لرد محور المقاومة. ولكن إلى متى يمكن للمحور الانتظار، والسماح بذلك، خاصة أن الحشد الأطلسي كحشد عدواني ليس خافياً على أطراف المحور وحساباته؟
إن هذا التصعيد الإسرائيلي وبالتزامن مع الحشود العسكرية الأطلسية وإعلان المقترح الأمريكي لا يمكن فهمه إلا في إطار التحضير لحرب أطلسية إسرائيلية ضد المحور.
شارك برأيك
مفاوضات تحت النار والمقترح الأميركي يدفع باتجاه الحرب