في خطاب الإفلاس الأخلاقي لكلٍّ من مقدم الخطاب نتنياهو والمستمعين له من أعضاء الكونغرس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي الموافق 24-7-2024، أعاد نتنياهو إنتاج استراتيجية إعلان الحرب على "الإرهاب" التي تبناها الرئيس الأمريكي بوش في العام 2001 كرد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إذ اعتبر نتنياهو أن حرب الإبادة التي يشنها على الفلسطينيين في غزة هي الرد على هجمات السابع من أكتوبر.
وعلى الرغم من إعلان بوش الحرب على الإرهاب، فإن كل من قرأ إعلانه أدرك أن العدو الحقيقي المستهدف من هذه الحرب هو (الإسلام المتشدد) الذي كان وفقاً لتقدير الرئيس بوش هو الأساس الفكري الذي انطلقت منه القاعدة، وفعل الأمر نفسه نتنياهو في خطابه الأخير عندما أعلن بعد مرور عشرة أشهر تقريباً على بدء حرب الإبادة ضد الفلسطينيين أنها حرب على الراديكالية، وأن نزع الراديكالية من فلسطين/غزة هي غاية الحرب العليا وأحد مؤشرات قياس النجاح في تحقيق (نصره المطلق).
احتاجت أمريكا أكثر من خمس سنوات كي تدرك أن الانتصار على "الإرهاب" غاية لا تدرك، وأن أمريكا قد وقعت في فخ الإرهاب كما جادل جورج فريدمان في كتابه (الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير)، إذ وظفت كل مواردها تقريباً في حرب لا طائل لها على حساب تخصيص هذه الموارد لمواجهة تهديدات أُخرى كتلك المتضمنة في الطموح الروسي والصيني، الأمر الذي دفع الرئيس أوباما في العام 2008 إلى إسقاط مصطلح الحرب على الإرهاب والشروع في مصالحة مع العالم الإسلامي، كما تجلى في لقاءاته مع ممثلين عن الجالية الإسلامية الأمريكية، وخطابيه في جامعات إسطنبول والقاهرة، والأهم في الانسحاب المخزي للقوات الأمريكية من أفغانستان، ثم عودة حركة طالبان التي كان القضاء عليها واستئصالها من غايات الحرب لحكم أفغانسان.
في الواقع عمقت تطبيقات استراتيجية الحرب على الإرهاب من اضطراب بوش الاستراتيجي، عندما اتسعت حربه على "الإرهاب" لتشمل العراق والإطاحة بنظام صدام حسين الذي لم يكن صديقاً للقاعدة، والأهم أنه كان علمانياً وليس إسلاموياً، وكذلك يفعل نتنياهو بتصنيفه للسلطة الفلسطينية المحسوبة على حركة فتح بقوله (لا لحماستان ولا لفتحستان)، ما يعني أن مفهوم الراديكالية لا يقف عند حدود الإسلام المتشدد فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل الوطنية الفلسطينية برمتها.
اللافت هنا أنه بعد ثبوت هزيمة استراتيجية الحرب الأمريكية على "الإرهاب"، يعود نتنياهو لتبنيها، ولكن تحت عنوان الحرب على الراديكالية هذه المرة، الأمر الذي يشير من جهة إلى أن نتنياهو وحكومته ليس بواردهم الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية بوقف الحرب قريباً، أو أن حربه ستقف عند حدود غزة فقط، ويشير من جهة أخرى إلى أن مصير استراتيجيته لن يكون بعيداً عن مصير استراتيجية بوش الابن، حتى وإن كان نتنياهو وحكومته يراهنون على أن الإبراهيمية هي العلاج للتشدد الإسلامي والوطنية الفلسطينية.
نتنياهو وحكومته ليس بواردهم الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية بوقف الحرب قريباً، أو أن حربه ستقف عند حدود غزة فقط..
شارك برأيك
خطاب نتنياهو أمام الكونغرس إعادة إنتاج لاستراتيجية بوش الابن المهزومة