عقود أربعة وسنين أربع مرت على رحيل القائد الفلسطيني سماحة الشيخ الجعبري، ذاك الزعيم الذي نجح في المزج ما بين الوطنية والعروبة والإسلام، فهو إسلامي العقيدة عربي الهوى فلسطيني الهوية، كان الوطن –في الداخل والضفة الغربية والقدس وغزة- ووحدته الوطنية هاجسه، والوحدة العربية أسمى أمانيه، ومن هنا جاءت الفكرة الأولى والبذرة الأولى والخطوة الأولى في تحقيق هذا الحلم الواقع من خلال إعلان أول وحدة عربية في العصر الحديث وحدة ضفتي نهر الأردن الوحدة الأردنية الفلسطينية عام 1950.
تأتي الذكرى هذا العام وفلسطين تعاني ما تعانيه، وغزة الجريحة الصامدة تقاوم عدواً شرساً مارس ويمارس كل الأساليب، مستخدما كل الأدوات والوسائل لاقتلاع هذا الشعب من أرضه. نعم غزة التي مثلت للخليل عموماً ولسماحة الشيخ الجعبري على وجه الخصوص رئة فلسطين ومتنفسها، وضلع الدولة الفلسطينية العتيدة التي طال انتظارها وتعقدت خطوات الوصول اليها، ولكن ما زالت بجعبة الشعب الفلسطيني مخزونة من أساليب نضالية مبتكرة عجزت عنها شعوب الأرض: من هبات وانتفاضات وكفاح ومقاومة متدرجة من السلمية إلى الشعبية إلى الكفاح المسلح. ومع هذا الواقع الذي يمتزج فيه الألم بالأمل ما زال صدى كلمات الشيخ الجعبري يتردد أفكاراً تحمل في ثناياها مشروعاً وطنياً متكاملاً، من بناء المؤسسات الوطنية والجامعات، والبداية انطلقت من الخليل وتحديداً جامعة الخليل، درة الجامعات وأم الجامعات الفلسطينية، التي أراد لها الشيخ الجعبري أن تكون للوطن كله جامعة عربية فلسطينية أصلها هنا وفروعها في كل فلسطين. جامعة فلسطينية واحدة لكل الفلسطينيين، في الضفة وغزة والداخل تضم الفلسطينيين من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، جامعة موحدة لا ترتكز على الجغرافيا المناطقية، وإنما هدفها وغايتها وعنوانها فلسطين كل فلسطين.
ضرب الشيخ الجعبري أروع الأمثلة في الصمود والتمسك بالأرض والدفاع عنها، لذلك نراه يرفض الخروج -قبل وأثناء وبعد الاحتلال الاسرائيلي- على الرغم من كل الامتيازات المادية والمعنوية والوظيفية التي قدمت له، وهذه الخطوة التي سجلت وتسجل له هي من أهم العوامل التي ساهمت في صمود الشعب الفلسطيني، لا سيما في مدينتي الخليل والقدس.
السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي وبناء المؤسسات والوحدة الوطنية والدولة الفلسطينية هي من أهم ملامح النضوج السياسي عند الشيخ الجعبري، فقد ترك بصمة واضحة في كل المواقع الريادية والقيادية التي تولاها من رئاسته لجمعية الشبان المسلمين في الخليل إلى مشاركته في المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس والذي تمخّض عنه إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية إلى رئاسته لأكبر بلديات فلسطين بل ورئيساً للمؤتمرات الوطنية للبلديات في فلسطين، ووزيراَ للعدل والزراعة والتربية والتعليم ووصياً على العرش الملكي الأردني.
بعد مرور كل هذه الأعوام مازالت اللحظة ماثلة أمامنا، وما زال مشهد الجنازة المهيبة التي قل نظيرها في فلسطين، ومشاهد مشاعر الآلاف وأحاسيسهم وهم يحملون جثمانه الطاهر، وعيونهم تلقي نظرة الوداع الأخيرة على شخصية تركت ولا تزال تترك أكبر الأثر، في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا. شخصية ملكت من الجرأة والحنكة والرؤى الفكرية والاجتماعية والسياسية، رؤى صاغها ودافع عنها بكل جرأة واقتدار وها هي الأيام تثبت صدقها ومصداقيتها.
-------------------------
ضرب الشيخ الجعبري أروع الأمثلة في الصمود والتمسك بالأرض والدفاع عنها، لذلك نراه يرفض الخروج -قبل وأثناء وبعد الاحتلال الاسرائيلي- على الرغم من كل الامتيازات المادية والمعنوية والوظيفية التي قدمت له
شارك برأيك
الذكرى الرابعة والأربعين لوفاة سماحة الشيخ محمد علي الجعبري