Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الخميس 23 مايو 2024 10:52 صباحًا - بتوقيت القدس

البطيخة: العنصرية والمقاومة

تلخيص

تظهر شريحة البطيخة كرمزية مقاومة في الحراك الطلابي الأميركي، ويفسرها كثير من العرب على أنها ترمز إلى علم فلسطين بألوانه، الأخضر والأحمر والأسود، وهذا صحيح، ولكن هذا لا يفسر انتشار هذه الرمزية بسرعة وقبولها في المجتمع الأميركي؛ فلهذا تاريخ مختلف. فمصادفة التقاء التاريخ الأميركي، خصوصاً تاريخ الأميركيين من أصول أفريقية بألوان علم فلسطين في رمزية البطيخ يحتاج إلى تفسير أكثر عن البطيخة والاستقلال والمقاومة.

فمنذ الحرب الأهلية الأميركية وحركة تحرر الرقيق، والثقافة الشعبية الأميركية تصوِّر السود (رقيقاً كانوا أم أحراراً) على أنهم شعوب متخلفة غير قادرة على التحكم في شهواتها، وكانت رسوم الكاريكاتير تصورهم وهم يأكلون البطيخ بِنَهم، كرمزٍ لانفلات الشهوات وعدم النظافة والتخلف. وانتشرت هذه الصورة النمطية في الأفلام فيما بعد.

ولما رأى السود أنه ليس بمقدورهم القضاء على هذه الصورة النمطية، قرروا احتضان هذا الرمز، وتحويله من رمز احتقار إلى رمز مقاومة، فتخصص السود في زراعة البطيخ وبيعه للبيض، واعتبروا أن زراعة البطيخ فيها رمزية لاستقلالهم الاقتصادي.

صورة الرجل الأسود أو الفتاة السوداء التي تأكل شريحة البطيخ، كرمزية لعدم النظافة والعنصرية، كانت تملأ الصحف، خصوصاً في الولايات الجنوبية.

تشويه صورة السود في الثقافة العامة هي التي جعلت الرجل الأبيض، خصوصاً في الجنوب، يرى الإنسان الأسود على أنه أقل من إنسان، وأقرب إلى الحيوانات، وكانت هذه الصور طاغية في الصحف و«البوست كاردس»، تصوير الرجل الأسود كحيوان بشري، وهذا أقرب إلى ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي عن الفلسطينيين مؤخراً لينزع عنهم الإنسانية لتبرير قتلهم. هذا ما كان يحدث مع السود الأميركيين في الفترة من عام 1866 حتى ظهور الحركة المدنية 1960. كانت الصحافة البيضاء تصورهم كحيوانات غارقة في أكل البطيخ، وكان إخراج السود من إطار الإنسانية، في رمزية البطيخ، هو الذي ساعد في تعليق الرجل الأسود على الشجر، وضربه ضرباً مبرحاً في حفلة جماعية حتى الموت، فيما كان يُعرَف بظاهرة لينشنغ (lynching).

هذا التاريخ السيئ للبطيخة في الذاكرة الجمعية للسود والبيض معاً هو الذي جعل رمزية البطيخة، كألوان علم فلسطين، غير قابلة للمقاومة، وساعدها على الانتشار، فالسود تعاطفوا مع الرمزية، وأدركوا معانيها بسرعة كرمزية للظلم، كما أن البيض لم يستطيعوا التحدث عنها، لأنها تذكّرهم بماضيهم العنصري، فالحديث العلني عن البطيخة بالنسبة للسود يشبه معاداة السامية تجاه اليهود، ولذلك ترددت الصحف الكبرى والمحطات التلفزيونية في الحديث عن المقاومة عن طريق البطيخة، لأن ذلك سيضعهم في خانة العنصرية، وفي مواجهة السود بشكل مباشر. إذن، مثَّل تاريخ السود فراملَ تكبح جماح البيض في أي محاولة للتقليل من شأن البطيخة كرمز للمقاومة.

أحياناً، تكون هناك مصادفات تاريخية تجعل من رمز ما محصناً ضد التشويه، وذلك لتقاطعه مع تاريخ شعوب أُخرى، وشريحة البطيخ التي تمثل ألوان العلم الفلسطيني التقت بتاريخ الأميركان السود، فحصَّنها ضد قدرات اللوبي الصهيوني الهائلة في الصحافة الأميركية والإعلام عموماً.

هذا لا ينفي قدرة الشباب الفلسطيني على العمل التنظيمي، وذكاءهم في اختيار الرمزية التي تضافرت مع تاريخ السود، لتجعل الرمزية تنتشر كانتشار النار في الهشيم، داخل المجتمع الأميركي عموماً، والمجتمع الطلابي خصوصاً.

شريحة البطيخ، كصورة ذهنية وعنصرية ضد السود في المخيلة الأميركية، واحتضان السود البطيخ كرمز لمقاومة العنصرية ضدهم ورمزية لاستقلالهم الاقتصادي، هي التي جعلت ألوان علم فلسطين تنتشر بهذه السرعة في المجتمع الأميركي، انتشاراً محصَّناً، لأن التقليل من أهمية هذه الرمزية أو التعرُّض لها، نوع من العنصرية ضد قطاع عريض ومؤثر من المجتمع الأميركي، وليس بمقدور أي جهة إعلامية أن تتحمل تكلفة ذلك.

(عن الشرق الأوسط)

-----------
أحياناً تكون هناك مصادفات تاريخية تجعل من رمزٍ ما محصناً ضد التشويه، وذلك لتقاطعه مع تاريخ شعوب أُخرى، وشريحة البطيخ التي تمثل ألوان العلم الفلسطيني التقت بتاريخ الأميركان السود، فحصَّنها ضد قدرات اللوبي الصهيوني الهائلة في الصحافة الأميركية والإعلام عموماً.

دلالات

شارك برأيك

البطيخة: العنصرية والمقاومة

المزيد في أقلام وأراء

حرب ترامب الاقتصادية

حمادة فراعنة

العالم على كف "رئيس"

منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!

محمد جودة

عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل

حديث القدس

المشهد الراهن والمصير الوطني

جمال زقوت

الخيار العسكري الإسرائيلي القادم

راسم عبيدات

ترامب في خدمة القضية الفلسطينية!!

د. إبراهيم نعيرات

ما المنتظر من لقاء نتنياهو وترامب؟

هاني المصري

زكريا الزبيدي تحت التهديد... قدّ من جبال فلسطين

حمدي فراج

هل وصلت الرسالة إلى حماس؟

حمادة فراعنة

مجدداً.. طمون تحت الحصار

مصطفى بشارات

بين الابتكار وحكمة التوظيف .. الذكاء الاصطناعي يعمق المفارقات !

د. طلال شهوان - رئيس جامعة بيرزيت

الطريق إلى شرق أوسط متحول: كيف نحافظ على السلام في غزة مع مواجهة إيران

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

عيد الربيع يصبح تراثاً ثقافياً غير مادي للإنسانية

جنيباليا.. مأساة القرن

حديث القدس

لقاء نتنياهو- ترمب ومصير مقترح التطهير العرقي ووقف الإبادة

أحمد عيسى

"الأمريكي القبيح" واستعمار المريخ

د. أحمد رفيق عوض

رافعة لفلسطين ودعماً لمصر والأردن

حمادة فراعنة

"ترمب" والتهجير الخبيث!

بكر أبو بكر

تحويل الضفة إلى غيتوهات

بهاء رحال

أسعار العملات

الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

يورو / شيكل

بيع 3.77

شراء 3.76

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 557)