أقلام وأراء
الأربعاء 22 مايو 2024 9:03 صباحًا - بتوقيت القدس
وأخيرا نطق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية
تلخيص
بعد أن اجتهدت فاطمة بن سودا المدعية العامة السابقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، في إعداد وتوثيق الملف الفلسطيني، وحصلت على قرار من المحكمة التمهيدية (الإبتدائية ) بأن دولة فلسطين التي انضمت لميثاق روما، مشمولة باختصاص المحكمة. وبناء عليه، كانت تخطط لتوجيه بعض من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لمجرمي الحرب الإسرائيليين، إلا أن انتهاء فترة وظيفتها البالغة تسع سنوات، كانت قد شارفت على الإنتهاء، وبالتالي كان لا بد لها أن تترك المنصب وتعود إلى موطنها غامبيا وعائلتها في عام 2022، بعد أن تلقت تهديدات صريحة ووقحة من وزير خارجية ترامب آنذاك السيد بومبيو.
بعدها وفي ذات العام، أي قبل عامين، تم اختيار السيد كريم خان البريطاني الجنسية الباكستاني الأصل بأغلبية 72 صوتا، كمدع عام جديد ثالث للمحكمة الجنائية الدولية ولفترة مماثلة. وكان التوقع الفلسطيني، أن يكمل السيد كريم خان عمل ومهمة المدعية العامة السابقة في أقرب فرصة وبخاصة بعد أن مهدت له كل الأرضية للعمل القانوني المطلوب. ولكن السيد كريم خان لم يقم بما تمليه عليه المادة 45 من ميثاق روما من القيام بمهامه بنزاهة وأمانة. وتراخى عن توجيه أي اتهام لمجرمي الحرب الإسرائيليين طيلة عامين كاملين، لم يحرك فيهما قلمه ولم يزر الضحايا الفلسطينيين ولا مناطقهم، كما فعل مع غيرهم، وبالتالي خان قسمه وتعهده، إلى أن جاء يوم العشرين من شهر أيار من عام 2024، حيث أزبد وأرعد، ونطق بما نطق.
قرر السيد كريم خان أن يوجه تهما عدة، أنواعها من جريمة الحرب، استنادا للمعطيات التي بين يديه، لكل من بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وغالانت وزير الأمن الإسرائيلي فقط، ولم يذكر رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية وقائد الطيران والفرق الإسرائيلية بأي كلمة أو أي نوع من الإتهام. وهذا أمر غريب ومستهجن وبخاصة أن مصدري الأوامر للجنود الإسرائيليين هم هؤلاء. وفي حركة مسرحية وحتى لا يتهم السيد خان بعدم الموضوعية وبازدواجية المعايير وقلة الشفافية، قرر اتهاما مماثلا لكل من السنوار ومحمد ضيف وإسماعيل هنية من قيادة حماس، استنادا لتقارير مفبركة وإشاعات مغرضة ثبت بطلانها وزيفها وفق الـ "واشنطن بوست" والبيت الأبيض الأمريكي. وطلب من المحكمة التمهيدية المصادقة على قراره عملا بصلاحيتها بموجب المادتين 57، 58.
ويجب التنويه هنا إلى أن فلسطين انضمت لميثاق روما عام 2015، أما الكيان فلم ينضم إليه ولم يصادق عليه. كما أن ديوان المحكمة الجنائية الدولية يعج بالشكاوى ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين وخروقاتهم الخطيرة والجسيمة لميثاق روما والقانون الدولي الإنساني، بينما الكيان لا يعترف بالمحكمة ولا يقدم لها شكاوى ضد الفلسطينيين، وبالتالي لا تختص المحكمة بذلك.
إثر توجيه كريم خان اتهامه، لم تبق جهة إسرائيلية سواء من الإئتلاف الحكومي أم من المعارضة، دون أن تنتقد قرار خان، وكلهم جميعا تحدثوا بتعليقات سياسية وبكلمات وأوصاف لاذعة، ولم ينبس أحد منهم بكلمة قانونية عن توجيه تهمة جنائية لقيادتهم. فالبعض وصفه بالعمى الأخلاقي، وآخرون وصفوه بالنفاق، والبعض أشاد بالأخلاق المشهود بها للجيش الإسرائيلي على مستوى العالم لنفي اختصاص المحكمة لأن اختصاصها تكميلي، وكذلك تعجبوا من المساواة التي قدمها كريم خان بين القيادة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية المتمثلة بحماس. ولم ينس كل هؤلاء الشرذمة ابتداء من سموتريتش وانتهاء بالفاشل انتخابيا ساعر، بأن يكيلوا كل التهم والسباب لكل من يخالفهم.
ولم تلبث أن خرجت الإدارة الأمريكية بدءا من رئيسها جو بايدن، وانتهاء بوزير خارجيتها اليهودي الصهيوني بلينكين، بتصريحات غاية في الإنسانية والمشاعر الفياضة مؤيدة للحليف الإسرائيلي، بأن قرار كريم خان يقوض المساعي الإنسانية لتحرير الأسرى ووقف الأعمال العدائية في المنطقة، وذلك استمرارا لنهجهم أمام محكمة العدل الدولية في جريمة الإبادة والدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا. علما أن الإدارة الأمريكية ليست طرفا في ميثاق روما وهي بالتالي خارجة عن الإجماع الدولي، حيث انضمت إليها وصدقت على ميثاقها أكثر من 124 دولة من دول العالم.
وقد وقع بيل كلينتون ميثاق روما عام 1998 حينما كان رئيسا في أيامه الأخيرة. ولكن بوش والمحافظين الجدد سحبوا هذا التوقيع، وبعدها لم يصادقوا ولم ينضموا للميثاق. ويجب أن لا يستغرب القارئ سبب كون الشيطان الأكبر الذي يزعم أنه داعية الحرية والإنسانية الأول، حيث يجب أن تكون قياداتها، متهمة بموجب الفهم الدقيق لميثاق روما بجرائم حرب وضد الإنسانية في جرائمها في أبو غريب وفي افغانستان وفي غوانتنامو.
وشكرا لله أن أمريكا ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية، ولا تساهم في تمويلها كما تساهم في تمويل منظمة الأمم المتحدة، بل تعقد اتفاقات ثنائية من خلف ميثاقها لعدم تنفيذ أحكامها، ولولا ذلك لمارست ضغطا، وهي تمارس ومارست في السابق، تهديدا ووعيدا أرعنا، ومجلس كونجرسها يفعل ذلك، عليها وعلى قضاتها وموظفيها.
يجب أن يكون واضحا، أن الكيان ليس طرفا بميثاق روما لعام 1998، الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 حينما صادقت أكثر من ستين دولة على الميثاق، وبلغت الآن 124 دولة. وللعلم أيضا، فإن معظم الدول العربية ما عدا تونس والأردن وجزر القمر وفلسطين، وللأسف الشديد ليست طرفا في الميثاق، ولا في المحكمة الجنائية الدولية، فلا تبتهجوا، ولا تقنطوا. ذلك أن معظم الدول العربية حكومات دكتاتورية بوليسية ولا تعترف بحقوق الإنسان من ناحية واقعية فعلية، أما على الورق فهي تعج بالنصوص الدستورية التي تقر الحقوق والحريات العامة، وقامت بالمصادقة على مواثيق حقوق الإنسان المتعددة. وهي لا ترغب بإسقاط الحصانة عن الرؤساء والأجهزة الأمنية.
الحقيقة "أن الجرائم الخطيرة متمثلة بجرائم الحرب وضد الإنسانية والإبادة والعدوان، التي تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم، وهي جرائم تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب، ويجب مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال أمام المحكمة الجنائية الدولية، من خلال تدابير تتخذ لوضع حد لإفلات مرتكبي هذا الجرائم من العقاب ومنع هذه الجرائم ماضيا ومستقبلا وحاضرا. وشكل هذا الأمر حلما وأملا لكل حر وعاشق للإنسانية ضد الطغاة والمستبدين سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وتحقق في صورته الأولية بميثاق روما عام 1998.
لكن هذه الصورة الوردية للمحكمة الجنائية الدولية، بدأت تبهت وتتلاشى بعد ممارستها الأولى تحت رعاية مدعيها العام الأول الأرجنتيني "لويس مورينو أوكامبو"، حيث كانت ممارسته انتقائية، وتجاهل جرائم الشمال بما يشمل الكيان، واتجه نحو الجنوب حيث القذافي والبشير وغيرهم من قيادات الجنوب. وبالتالي تسرب الشك لعمل المحكمة ولمدعيها العام وبخاصة أيام كريم خان.
كنت قد كتبت سابقا تعليقا على جرم الإبادة أمام محكمة العدل الدولية وهي محكمة مختلفة تماما، عن المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن كليهما مقره في لاهاي في هولندا، أن العدالة الدولية البطيئة أشد أنواع الظلم. وها أنا أكرر ذات العبارة اليوم بمناسبة توجيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية اتهامه لنتياهو وغالانت فقط. فماذا حصل ليقوم خان وينطق بما نطق، وتوجيه اتهام لكلا الجانبين، لمعادلة صورية في ذهنه، بعد مرور نحو ثمانية اشهر على القتل الإسرائيلي، والتدمير للمدارس والجامعات والمستشفيات والكنائس والجوامع والمستوصفات والشوارع والبنى التحتية في قطاع غزة.
رغم أن خطوة كريم خان خطوة ابتدائية، ولا أقلل من قيمتها وشأنها وأهميتها آملين أن تغدو نهجا وليس شطحة، إلا أنه يجب التوضيح بأنه يجب عرضها على المحكمة التمهيدية حتى تصدر قرارا بإحضار وجلب كل من نتنياهو وغالانت لفناء المحكمة، وقد لا تصدر مثل هذا القرار خلال ستين يوما، حينها يكون عدد شهداء فلسطين قد بلغ الأربعين ألفا، وحتى ذلك الوقت، لم تتحرك المحكمة الجنائية الدولية، ولا محكمة العدل الدولية، ولم تفيقا من إجراءاتهما الطويلة المتثاقلة. وبعد صدور القرار سننتظر أن يسافر أي منهما لأي دولة طرف في ميثاق روما حتى تقبض عليه وتسلمه للمحكمة الجنائية، لأنه من المستحيل أن يسلم أحدهما نفسه للمحكمة كما تقضي النصوص. وبعد ذلك تبدأ إجراءات المحاكمة التي قد تستغرق سنوات، وينتهي الأمر بوفاة المتهم كما توفي سولوبادان ميلسلوفيتش الصربي في السجن، لأنه لا وجود لعقوبة الإعدام في ميثاق روما.
تحرك المدعي العام كريم خان رغم تأخره وازدواجيته وبؤسه وأسانيده غير الدقيقة، يشكل خطوة بسيطة جزئية، في تحقيق العدالة الدولية الجنائية التي طال انتظارها، شريطة استمراره وعدم توقفه. لذا يجب القول بأن البهجة والسرور لخطوته أمر مبالغ فيه، فهذا شخص يصدق فيه المثل القائل من مأمنه يؤتى الحذر!
الصورة الوردية للمحكمة الجنائية الدولية، بدأت تبهت وتتلاشى بعد ممارستها الأولى تحت رعاية مدعيها العام الأول الأرجنتيني "لويس مورينو أوكامبو"، حيث كانت ممارسته انتقائية، وتجاهل جرائم الشمال بما يشمل الكيان، واتجه نحو الجنوب حيث القذافي والبشير وغيرهم من قيادات الجنوب. وبالتالي تسرب الشك لعمل المحكمة ولمدعيها العام وبخاصة أيام كريم خان.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أطفال فلسطينيون تعرضوا للإعدام الميداني
الأكثر قراءة
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 80)
شارك برأيك
وأخيرا نطق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية