أقلام وأراء

الخميس 14 مارس 2024 10:27 صباحًا - بتوقيت القدس

صناعة نموذج غزة هدف إسرائيل من إطالة أمد الحرب

تلخيص

تبدو المعادلة السائدة لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب والمستقبل الفلسطيني تقوم على إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة، بحيث تحقق إسرائيل من خلال سياسة الأمر الواقع التي تحاول فرضها عبر آلية النزوح التي فرضتها على أكثر من مليون ونصف المليون مواطن من مختلف أنحاء قطاع غزة، والتي تحاول من خلالها فرض واقع معيشي مأساوي وكارثي ينعكس سلبا على حياة النازحين الفاقدين لكافة أشكال الحياة الكريمة، والذين يعيشون في الخيام وتسيطر عليهم حالة من التيه القلق والتوتر والترقب الممزوج بالخوف والألم لإنهاء المعاناة اليومية التي يعيشها كافة النازحين، بحيث تدفعهم في نهاية المطاف للبحث عن فرص للخلاص من هذا الواقع المرير .


وتأتي سياسة التجويع كسلاح إسرائيلي مركزي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة وشمالها، لخلق واقع بائس يفرض على من صمد ورفض النزوح بقوة النيران، أن ينزح بفعل الجوع الذي بات يسيطر على كافة جوانب الحياة في غزة وشمالها، وبالتالي إبقاء خيار التهجير حاضرا في العقل والوجدان الفلسطيني، للتخلص من حالة البؤس التي فرضتها إسرائيل على كافة بنى ومقومات المجتمع الفلسطيني في غزة.


تهدف إسرائيل بشكل واضح من خلال تلك السياسات إلى تحقيق هدفين أساسين: الأول، يتمثل في كي الوعي الجمعي للمجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، بعدم جدوى المقاومة والتكلفة العالية، وبأن مجرد التفكير بمحاولة إلحاق الأذى بإسرائيل سيرتد لعنة وخرابا عليه، وهو ما تسعى إليه إسرائيل بتحويل السابع من أكتوبر لتاريخ ملعون في المخيال الفلسطيني.


أما الهدف الثاني الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه من خلال إطالة أمد الحرب، فيتمثل في عدم قدرة إسرائيل حتى اللحظة على إيجاد البديل المناسب لها في إدارة قطاع غزة، بما يتوافق مع رؤيتها للمستقبل الفلسطيني القائم على تثبيت سياسة الفصل بين كافة بنى ومقومات المجتمع الفلسطيني، فإسرائيل لم تقم بهذه الحرب الشرسة التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني، والتي طالت كثيراً من سمعتها الدولية أمام المجتمع الدولي، من أجل توحيد الأراضي الفلسطينية، وإنهاء حالة الإنقسام السياسي، والتي سعت إسرائيل لتكريسها وتثبيتها على مدار سبعة عشر عاماً مضت، وهو ما يفسر الرفض الإسرائيلي للمقترحات الأمريكية والدولية والاقليمية بضرورة استعادة السلطة الفلسطينية لدورها في إدارة قطاع غزة عقب انتهاء الحرب. كما أنها ترفض بأي شكل -وفقاً للأهداف الإسرائيلية المعلنة منذ اللحظة الأولى لهجمات السابع من أكتوبر- بقاء حركة حماس في الحكم، بعد أن عبأت الرأي العام الإسرائيلي والدولي، بأن قطاع غزة ومقاومته يشكلان تهديداً وجودياً لأمن إسرائيل ومواطنيها عقب هجمات السابع من أكتوبر.


إن إسرائيل الساعية للبحث عن النصر المطلق، كما صرح من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في أكثر من مناسبة، ترى بأن هذا النصر لا يقتصر فقط على إعادة احتلال قطاع غزة، وانهاء حكم حركة حماس فيه والقضاء على جيوب المقاومة فيه، وإنما يجب أن يمتد لخلق واقع سياسي وديمغرافي جديد ومختلف عما كان قائما قبل حرب الإبادة التي تمارسها في قطاع غزة، تريد نصراً لا يفضي بأي حال من الأحوال لتوحيد الأراضي والمؤسسات الفلسطينية في الضفة والقطاع تحت إدارة فلسطينية موحدة، ولا يعيد انتاج تجربة حماس في الحكم أيضا، أو كما صرح نتنياهو من قبل لا حماستان ولا فتحستان.


تسعى إسرائيل كما يبدو إلى خلق واقع جديد، يتمثل في محاولاتها خلق هيئات محلية على غرار فكرة روابط القرى بالضفة الغربية في سبعينات القرن الماضي، ولأن واقع غزة مختلف حيث لا تشكل العشائرية والعائلية ثقلاً مركزيا في أغلب مدن وقرى القطاع الذي يشكل اللاجئون فيه ما يقارب 75% من إجمالي سكانه، فإن إسرائيل تسعى لإطالة أمد الحرب من أجل تثبيت واقع معيشي مأساوي وكارثي، يؤدي في نهاية المطاف لقبول فرض شخصيات محلية، أشبه بهيئات محلية، تستجيب مع رؤية الاحتلال للحفاظ على حالة الانفصال بين الضفة والقطاع، وقطع الطريق أمام أي كيانية سياسية من شأنها أن تؤدي لتوحيد الأراضي الفلسطينية. ولتحقيق ذلك فلا بد من إطالة أمد الحرب، لتهيئة الظروف والمناخ الفلسطيني للقبول بها، إنطلاقا من أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن إنهاء المعاناة المتفاقمة بفعل حالة الجوع والنزوح، باتت بحاجة لأجسام تحت مسميات إنسانية، من شأنها أن تخفف من حجم المعاناة ، وتستجيب للحاجات الإنسانية للمجتمع الفلسطيني في غزة، وهو ما تسعى إليه إسرائيل من خلال الاستثمار في عامل الوقت، خصوصا عقب فشل المحاولة الإسرائيلية للتعاون مع هيئات محلية في منطقة الزيتون قبل نحو أسبوع، في مسألة إدخال المساعدات وتوزيعها، بعد رفض العديد من الشخصيات المحلية هناك التعاطي مع الفكرة، وهو ما دفع إسرائيل لارتكاب مجزرة دوار النابلسي في مدينة غزة، التي راح ضحيتها أكثر من 118 مواطنا كانوا يحاولون الحصول على كيس من الطحين يسد رمق أطفالهم.


مجزرة النابلسي لم تكن مجرد خطأ غير مقصود إسرائيلياً، بقدر ما هو توظيف لقوة النار في تمرير الرؤية الإسرائيلية التي باتت واضحة المعالم في خلق تلك الأجسام المحلية، ودفع كافة الأطراف في مرحلة لاحقة ربما، للمطالبة بتشكليها، لمواجهة شبح الجوع الذي بات يخيم على كافة السكان في غزة وشمالها، ومن ثم سحب التجربة على باقي محافظات القطاع لاحقاً.


تجدر الإشارة هنا إلى أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، عمدت خلال الفترة الماضية وفي ضوء حالة الفوضى التي تسيطر على كافة أنحاء القطاع إلى اعتماد آلية المخاتير في توزيع المساعدات على المواطنين، من خلال التعاون مع المخاتير والوجهاء في تسجيل أسماء المواطنين للحصول على المساعدات الغذائية، الأمر الذي يعني خلق أدوار جديدة تحت مسميات إنسانية، وفرض وقائع لاستحداث أجسام عشائرية قادرة على الاستجابة لتخفيف معاناة المواطنين. وتحت هذه الاستجابة ومع مرور الوقت يمكن لإسرائيل أن تخلق أدواراً محددة ومقبولة لتلك الأجسام، لتكون بديلاً عن السلطة والأحزاب ومؤسسات المجتمع التي فشلت جميعها في القدرة على التصدي لواقع التفكيك الذي تسعى إسرائيل لفرضه بقوة النار على المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة.


ربما يرى الكثيرون بأن هذه المحاولة الإسرائيلية فاشلة قبل أن تبدأ، ويسوق فشل تجربة روابط القرى في الضفة الغربية كدليل على ذلك، إلا أن الواقع المأساوي واختلاف الظرف وطبيعة الواقع ما بين المحاولتين، يجعل ما فشلت إسرائيل في فرضه في تلك الفترة، قابل للنجاح بقوة النار والتجويع والنزوح والتهجير والواقع البائس، والغياب الواضح للموقف الفلسطيني الموحد والقادر على المواجهة والتصدي، وهو ما تراهن عليه إسرائيل كعامل مساعد في تمرير مخططها من إطالة أمد الحرب.


يشكل غياب الموقف والرؤية الموحدة الجامعة للقوى والأحزاب الفلسطينية، واحد من الرهانات الإسرائيلية على نجاح تمرير مخططها الهادف إلي تصفية القضية وإنهاء أي كيانية سياسية فلسطينية قادرة على توحيد الكل الفلسطيني، فإسرائيل التي حرصت على إدامة حالة الإنقسام وغدتها على مدار سنوات مضت، تدرك هذا الغياب وتحاول الاستثمار فيه، في هذه المعركة المصيرية والمفصلية من وجهة نظرها، لإنهاء الصداع الإسرائيلي المزمن، عبر خلق وتكريس كيانات فلسطينية محلية منفصلة وغير متواصلة، يسهل عليها التحكم بها والسيطرة عليها، وفي نفس الوقت لا تؤدي بأي حال من الأحوال لولادة دولة فلسطينية متصلة ومتماسكة، والبداية هي قطاع غزة. وإذا نجحت إسرائيل في صناعة النموذج بغزة، سيكون من السهل تمريره في كافة مدن وقرى الضفة الغربية، الأمر الذي من شأنه أن ينهي وللأبد أي أمل في ولادة كيانية سياسية للشعب الفلسطيني، ويحطم كافة الأحلام المشروعة للشعب الفلسطيني، وهذا رهان إسرائيل الآن.


نجاح الرهان الإسرائيلي من عدمه، مرتبط أساسا بالقدرة الفلسطينية على الفعل وتجاوز حالة الانتظار التي اتسمت بها السياسة الفلسطينية خلال السنوات الماضية، وأولى خطوات الفعل الفلسطيني تستند إلى ضرورة إنهاء الإنقسام السياسي، وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني من خلال مصالحة فلسطينية حقيقة، تستند إلى ضرورة أخذ زمام المبادرة أمام العالم، وهذا يمكن من خلال إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الإطار الجامع للكل الفلسطيني بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتبني موقف ورؤية فلسطينية موحدة، بعيداً عن محاولات الاستفراد التي اتسم بها القرار الفلسطيني على مدار سنوات الإنقسام. رؤية تنبثق من الإيمان بوحدة المصير المشترك للكل الفلسطيني، ضمن تعددية فلسطينية واسعة لكافة ألوان الطيف الفلسطيني، وتعددية لا تقصي أحدا، وتنهي حالة الاستفراد بالقرار الفلسطيني، كما تنهي ربط القرار الفلسطيني بسياسة المحاور التي تهيمن منذ زمن على المشهد الفلسطيني. تعددية تقوم في أساسها وجوهرها على التمسك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في نيل حريته واستقلاله الوطني، وتنتصر لها.

دلالات

شارك برأيك

صناعة نموذج غزة هدف إسرائيل من إطالة أمد الحرب

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

من سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟

%50

%50

(مجموع المصوتين 2)