أقلام وأراء

الأحد 03 مارس 2024 11:56 صباحًا - بتوقيت القدس

غزة توجه ضربة قوية لاسطورة الرجل الابيض ..

لا غرابة في الدعم المطلق الذي تتلقاه دولة الكيان من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الاميركية، والتاريخ حافل بالشهادات التي ما زالت ماثلة على العنصرية الاميركية والأوروبية في التعاطي مع الآخر، ولعل نشأة أميركا وكيف قامت على أنقاض سكان أصليين أطلق عليهم الهنود الحمر بعد إبادتهم، وباتت الأقوى في العالم وتتحكم بمصائر البشرية ومقدراتها، دليل دامغ على سياستها الخارجية القائمة على الاحتلال والإحلال وتهجير السكان الأصليين.


وكم من مجزرة ارتكبتها قوات الاستعمار بحق شعوب كانت آمنة في أوطانها بسبب العرق أو الدين أو الجنس، وتعرضت للغزو، والشواهد كثيرة، بدءاً من مذبحة الهنود الأصليين طويلة الأمد والتي بدأت فصولها بعد اكتشاف البحارة الإسبان للقارة الأميركية في القرن السادس عشر، وتم تنفيذها بشكل رئيسي من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية وخاصة إسبانيا والبرتغال وفرنسا والمملكة المتحدة، من أجل السيطرة على أجزاء مختلفة من القارة الأميركية وبغرض الاستحواذ على ممتلكات الهنود الأميركيين الأصليين، وفي وقت لاحق، وخاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لعب الأميركيون دورا رئيسا في مذبحة هنود أميركا الشمالية من خلال الهجرة القسرية والحروب التي تلت ذلك، حيث بدأت الحروب الأميركية بالهجوم الأول على الهنود في جيمستاون عام 1662، والذي أعقبته الحرب مع الهنود الحمر في ألجونكوينز في عامي 1635 و1636 وحرب عامي 1675 و 1676 ، والتي أسفرت عن تدمير نصف مدن ماساتشوستس، واستمرت الحروب الأمريكية الأخرى والهجوم على الهنود حتى عام 1900 قتل خلالها الأميركيون حوالي 100 مليون من الهنود الأميركيين الأصليين، والحروب التي شنتها والمجازر التي ارتكبتها او شاركت بها الولايات المتحدة وحلفاءها خارج أراضيها ومحاولة احتلال مناطق أخرى كاليابان والمانيا وفيتنام وكوريا وأفغانستان والعراق وسوريا وغيرها من المناطق في أرجاء العالم، وكم من الضحايا خلفت وراءها ما بين قتيل وجريح وأغلبهم من المدنيين العزل والنساء والأطفال والمسنين، والتنكيل بمن نجا من الموت بأعجوبة، تحت شعار نشر الديموقراطية القائمة على الدماء، ولم يجر الحديث عن أي شكل من المحاسبة أو المحاكمة على هذه الجرائم .


ويغيب عن الوعي المجزرة البشعة والإبادة الجماعية، التي جرت برعاية اميركية بريطانية عام 1968، والخدعة التي انطلت على سكان أرخبيل تشاجوس في المحيط الهندي، والوعودات التي تلقوها بمساعدات إنسانية وغيرها من الامتيازات، فيما كان الموت بانتظارهم، وذلك لإنشاء قاعدة عسكرية اميركية تكون مفتاحا استراتيجيا للتدخل الاميركي السريع في أفريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وغرب آسيا، حسب ما كشف عنه الصحافي الاسترالي الاستقصائي جون بيلجر في كتابه "الحرية في المرة القادمة".

ولعل الحرب في البوسنة والهرسك والتي أعتبرت حينها مذبحة القرن، واستهداف الآمنين العزل بمجازر وحرب إبادة بشتى الأشكال من اغتصاب وتجويع وتهجير وقتل نوعي طال علماء دين وأئمة مساجد ومثقفين وأكاديميين ورجال اقتصاد، شنها الصرب على سكان البوسنة كونهم مسلمين، وسط تلكؤ دولي في نجدة البوسنيين.


وكم من الجرائم ارتكبتها بريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا بحق شعوب العالم لدى احتلال أراضيهم واستعبادهم واغتصاب نسائهم وبيع أطفالهم في ما يسمى بــ "أسواق العبيد" ونهب مواردهم، تحت مسمى محاربة الجهل ونشر الوعي والعلم، ولم تتم محاكمة أي من هذه الدول الاستعمارية، أو حتى تقديم اعتذار للشعوب المكلومة والتي ما زال بعض منها يعاني من ويلاتها خاصة في افريقيا.


وأتت الحرب الروسية على أوكرانيا لتكشف وجه هذا المستعمر على حقيقته وتعريه، حيث هب لتقديم ما بوسعه من المال والعتاد وتعالت نداءات التطوع لنجدة الأوكرانيين ومساعدتهم في التصدي للغزو الروسي، وها هو العدوان الهمجي الوحشي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وخاصة قطاع غزة، والمستمر منذ خمسة شهور قد أسقطت ورقة التوت واتضح الغث من السمين وكشف الجميع من عجم وعرب متصهينين على حقيقتهم، فلا يكفي ما تعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي في القرن الماضي، لتأتي دولة الكيان بمساعدة الدول الاستعمارية وتمعن في ظلمها الذي ورثته عن أسيادها، الذين كانوا خلف قيامها وزرعها في قلب الجسد العربي، كجزء من مشروع استعماري ممتد منذ قرون، وتسريع وتيرة إجراءاتها التهويدية وسرقة وتزوير الرواية والثقافة الفلسطينية، على مسمع ومرآى من مجتمع دولي داس على كل الشعارات المتعلقة بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، بسياسات عنصرية قديمة متجددة، تتنافى وكافة القوانين والمواثيق والأعراف السماوية والكونية والإنسانية.


العالم بات ينظر إلى المقاوم الفلسطيني بأنه إرهابي، فيما المقاوم في أوكرانيا بطل قومي، ومساعدة المقاومة نوع من انواع الإرهاب، فيما مساعدة الأوكرانيين حق مشروع للدفاع عن النفس، وانتقاد الدعوة لمحاسبة ومقاطعة دولة الكيان احتجاجا على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني يعتبر تشجيعا للإرهاب، فيما غض الطرف عن جرائم الصرب ومد يد العون للأوكرانيين واجب إنساني.


في واقع الحال، ما جرى من مجازر في العالم لأطماع استعمارية بحتة، ها هي تتكرّر في فلسطين، حيث ذات الأساليب من إبادة جماعية وتجويع واستئصال من الجذور وبسط السيطرة سواء الكاملة أو الجزئية، تندرج ضمن دائرة أسطورة الرجل الابيض واستعلائه، وما الدعم المطلق لدولة الكيان إلا تجسيد لتلك الأسطورة العنصرية، لذا يجهد في العمل على سحق كل من يحاول أن يقاوم نموذجه، ويتصدى لكل من يطالب بحقه ويشيطنه، ويسعى لمحوه، وهو فكر عنصري مبنى على الاعتقاد بأن الأفراد من العِرق والأصل الأبيض هم أسياد على كل البشر من الأعراق الأخرى، ويدفعه إلى العمل على سيطرة البِيض على كل مناحي الحياة في مجتمعه ومن ثم الامتداد الى المجتمعات الأخرى للسيطرة على مقدراتها تحت ذريعة انها لا تستحقها كونها مجتمعات "دونية".


ولن يتوقف الصراع ما دام الأبيض يصر على التعاطي باحتقار، وسيبقى الصخب سيد الموقف حتى يستفيق الأبيض من عنجهيته ويعود إلى رشده وتسود العدالة المغيبة، ولكن ما بقي الابيض يشعر بنشوة النصر ويتباهى بقوة يعتقد انها لا تقهر، ونجح في زرعها بعقول المقهورين، ما دفعهم للجوء الى وسائل اخرى عبر خرائط طرق رسموها لمسار عيشهم، مبنية على انهزامية نفسية أساسها استحالة هزيمة الأبيض، خاصة وان كانت قد سبقها هزائم متلاحقة، ووقف على رأس الأمة قادة ارتضوا لانفسهم العبودية، حفاظا على عروشهم المهزوزة، وقمع شعوبهم لجعل جل اهتمامهم البحث فقط عن لقمة عيش مغمسة بالاحتقار.

وما دام العرب يقفون موقف المتفرج على واقع حالهم البائس، وعلى ما تمارسه دولة الكيان ومن يدعمها بحق القدس وفلسطين، وكياناتهم الممزقة بفعل الاستعمار، من دون شك في قادم الأيام سيطالب المواطن العربي بأن يدفع مسبقاً ثمن الرصاصة التي ستطلق على رأسه.


ومن هنا يمكن القول ان المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس وعملية طوفان الأقصى النوعية التي قامت بها في السابع من تشرين اول ( اكتوبر) الماضي، والتي أفقدت دولة الكيان وعيها وطمست غطرستها وأذلت جيشها ومؤسساتها الأمنية وأفقدتها قوة الردع والتفوق العسكري، وجهت ضربة قوية لأسطورة الرجل الابيض ودفعته الى البحث عن معادلات عسكرية وسياسية جديدة في المنطقة، وأصبحت بصمودها الأسطوري المستمر منذ نحو خمسة شهور عقبة كأداء أمام المخططات الخبيثة المبيتة التي لا تستهدف الشعب العربي الفلسطيني وحسب، إنما الأمة العربية برمتها والتي يداهمها خطر الرجل الابيض المتغطرس من كل اتجاه، ويستهدف أمجادها وتاريخها وثقافتها وهويتها، ما لم تستفق من غفلتها، كما أنها جاءت لتقرع الجرس وتحذر، وتعيد النبض الى القلب العربي ليزأر من جديد، ويعيد للأمة كرامتها.

دلالات

شارك برأيك

غزة توجه ضربة قوية لاسطورة الرجل الابيض ..

المزيد في أقلام وأراء

نتانياهو وفيتو صفقة التبادل

حديث القدس

هل ما زالت ألمانيا تكره الحروب؟

وليد نصار

مكاسب استراتيجية للفلسطينيين

حمادة فراعنة

دورنا في مواجهة المعادلات الجديدة في ظل عجز أمريكا وأزمة إسرائيل

مروان أميل طوباسي

حماس وطوفان الأقصى.. والإكراهات الجيوسياسية

ماجد إبراهيم

رفح ثغر الشعب و حبل الصرة مع الأمة

حمدي فراج

رفح بين الصفقة والحرب

حديث القدس

رحيل الطبيب والوجيه الفاضل د. جواد رشدي سنقرط

معتصم الاشهب

الاسرى الفلسطينيون في مواجهة “مخططات هندسة القهر” الإسرائيلية

اسعد عبد الرحمن

هل سيجتاح نتنياهو رفح؟

المحامي أحمد العبيدي

الدولة العميقة في أمريكا تقرر مواصلة الحروب

راسم عبيدات

رفح في مرمى العاصفة

حديث القدس

الدعم الأميركي والعقوبات على «نيتساح يهودا»

إميل أمين

مسارات الحرب في مرحلتها الثالثة

معين الطاهر

وحدة الضفتين أنموذج للفكر الوحدوي الهاشمي

كريستين حنا نصر

لماذا يقف الأردن مع فلسطين

حمادة فراعنة

"عقوبات" أمريكية مع 26 مليار دعم.. تبرئة للمجرمين وتمويه الشراكة بالإبادة

وسام رفيدي

"التخطيط للمستقبل مع قائد السعدي : استراتيجيات التغلب على الأزمات المالية للشركات الناشئة"

قائد السعدي

عالم صامت امام عدوان إسرائيل على كل معالم الحياة البشرية ..!!

حديث القدس

كأن هذه الامة استمرأت الهزائم و لم تعد تحب الانتصار

حمدي فراج

أسعار العملات

السّبت 27 أبريل 2024 8:23 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.81

شراء 3.79

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 4.05

دينار / شيكل

بيع 5.41

شراء 5.39

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%73

%22

%5

(مجموع المصوتين 167)

القدس حالة الطقس