أقلام وأراء
الثّلاثاء 26 نوفمبر 2024 10:41 صباحًا - بتوقيت القدس
لجنة إسناد أم تشكيل جديد يعمّق الانقسام؟
منذ شهر أب الماضي، وبمبادرة مصرية، عقد وفدان من حركتي فتح وحماس عدة اجتماعات تمحورت حول تشكيل لجنة إدارية، سُمّيت بعد ذلك لجنة إسناد مجتمعي، تتولى المسؤولية عن الوضع في قطاع غزة من مختلف جوانبه، بما في ذلك السيطرة على المعابر لفترة مؤقتة إلى حين تمكن السلطة الفلسطينية من العودة إلى قطاع غزة. والمقصود أن تضم هذه اللجنة شخصيات مستقلة، رغم أنها سوف تشكل بموجب مرسوم رئاسي.
تأتي الجهود للاتفاق على هذه اللجنة في ظل الفراغ الناجم عن عدم وجود سلطة في قطاع غزة، لأن حكومة نتنياهو تريد بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على القطاع دون أن تتحمل الأعباء والمسؤوليات المترتبة على إعادة الاحتلال، لكن دون تسميته كذلك. فهي لا تريد عودة السلطة، لأنها تواصل السعي لتكريس فصل الضفة عن القطاع، وهو الإنجاز الكبير الذي حققته طوال السنوات الطويلة السابقة، خصوصا منذ وقوع الانقسام الفلسطيني عام 2007 وحتى الآن، كونها لا تريد وجود سلطة واحدة تعبر عن هوية وطنية فلسطينية واحدة، لأنها تبقي باب إقامة دولة فلسطينية مستقلة مفتوحًا، في الوقت الذي صوت فيه الكنيست الاسرائيلي على قرار يعتبر إقامة دولة فلسطينية خطرًا وجوديًا على إسرائيل، وأعطت التعليمات للحكومة بمنع قيامها، وهناك مطالبات من وزراء، ومشاريع معدة، من أجل القضاء على السلطة على أن تحل مكانها سلطات محلية منفصلة عن بعضها البعض، تتناسب مع المعازل المأهولة بالسكان المنفصلة عن بعضها البعض، والتي يراد أن تقام في المناطق المصنفة (أ ) و(ب)، في حين ستكون المناطق المصنفة (ج) معرضة للضم الرسمي، إما مرة واحدة، أو على الأغلب على دفعات هذا إن لم يتم إفشالها.
في المقابل، ترغب الإدارة الأمريكية الحالية بأن تبقي ما يسمى "حل الدولتين" مفتوحًا، لذلك تريد بقاء السلطة وعودتها إلى قطاع غزة، ولكن بعد إصلاحها وتجديدها حسب توصيف الإدارة الأمريكية. ومن غير المعروف ما هو موقف إدارة دونالد ترامب هل تدفع نحو حل السلطة أم تفضل بقاءها وتطويعها أكثر؟ وهل ستبقي على هدف إقامة دولة فلسطينية المتضمن في صفقة ترامب الذي طرحها في فترة رئاسته الأولى، أم ستدعم برنامج اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل، الذي يرفض إقامة دولة فلسطينية حتى لو كانت كاريكاتورية؟
وكانت مصادر مطلعة أفادت أن إدارة بايدن، وتحديدًا عبر وليام بيريز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وكامالا هاريس، نائبة الرئيس، يقفان وراء الدفع نحو تشكيل اللجنة الإدارية لإدارة قطاع غزة، وزعما أنهما حصلا على ضوء أخضر من طاقم ترامب لمواصلة الجهود المبذولة التي بدأت منذ شهر تموز الماضي لتشكيل لجنة إدارية تستند إلى حماية قوة متعددة الجنسيات، وتشارك فيها قوات أمريكية، على أن تترأسها شخصية ضفاوية عرض عليها الأمر مقابل راتب مغري على أن تكون مؤقتة ومقرها القاهرة. ولا مانع من وضع السلطة في الصورة، ولكن دون أن تكون لها سلطة عليها، ويشمل نطاق عملها إقامة مشاريع في سيناء، وكذلك ميناء ومطار، والسؤال هل توافق مصر على ذلك خصوصاً أن الخطة تتضمن تخصيص مناطق في سيناء لإقامة مشاريع ومناطق صناعية.
لكن متغيرات طرأت بعد ذلك، فبعد أن عرض الأمر على الرئيس محمود عباس أعطى الضوء الأخضر للمضي قدمًا في البداية، ثم طالب الشخصية الضفاوية بوقف الجهود المبذولة بهذا الخصوص، وذلك بعد لقاء فلسطيني أمريكي في القدس تمحور حولها. ويبدو أن رفض، أو تحفظ، السلطة يرجع إلى أن مشاركتها شكلية دون سلطة فعلية على اللجنة الإدارية الحكومية، وموافقة حماس عليها أشبه باصدار شهادة وفاة لها.
ولا يعرف حتى هذه اللحظة هل انتهى الأمر عند هذا الحد، أم أحيل إلى شخصية أخرى ضفاوية أو غير ضفاوية، أم جمد حتى إشعار آخر لمعاودة البحث به في وقت لاحق؟!
وحتى تكتمل الصورة، لا بد أن نذكر أن وفدي حركتي فتح وحماس توافقا على فكرة اللجنة الإدارية، التي تباحثا بشأنها بالتوازي مع مساعي الإدارة الأمريكية، في محاولة لقطع الطريق عليها، أو للتأثير على دورها ومرجعيتها في محاولة للتحكم بها، وإن بشكل غير مباشر.
غير أن وفدي الفصيلين اختلفا حول مرجعية اللجنة هل للحكومة أم للفصائل وموازنتها هل تتبع السلطة أم مستقلة والموقف من موظفي سلطة الأمر الواقع في غزة، خصوصاً الشرطة، حيث يوجد قبول من حيث المبدأ لاستمرار الموظفين في الوظائف المدنية والشرطة، على أن يتم تعيين مسؤولين عنها من شخصيات أخرى لا علاقة لها بفتح وحماس أو غيرهما من الفصائل. ويبدو أن تأجيل البت في موضوع اللجنة يعود إلى العراقيل التي تواجهها وانتظار معرفة موقف حكومة نتنياهو منها، والأهم موقف الرئيس الأمريكي المنتخب، وإلى أي حد سيكون جديدًا ومختلفًا، أم سيعيد انتاج ترامب القديم بشكل أسوأ، ويمكن أن يؤثر على الموقف كله، خصوصًا في ظل الدعوات المتزايدة لمعاقبة السلطة على المشاركة في الجهود التي أدت إلى إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرتي الاعتقال بحق نتنياهو وغالاتت.
وكان التوافق الفتحاوي الحمساوي على فكرة اللجنة الإدارية محل اعتراض فصائلي ومجتمعي كبير، لأن تشكيلها يفتح المجال لتكريس الانقسام بين الضفة والقطاع، ويخلق جسمًا حكوميًا جديدًا، بمضمون أمني، ويستجيب لرفض الاحتلال لعباس وحماس في آن واحد، كما يردد نتنياهو باستمرار. كما أن تشكيلها وشروعها بالعمل دون وقف العدوان وانسحاب القوات المحتلة، يعني أنها ستعمل تحت الاحتلال، ما يعطيه شرعيةً فلسطينيةً وعربيةً وإقليميةً ودوليةً، في ظل وجود مخططات لبقاء سيطرة الاحتلال على مساحات واسعة من قطاع غزة، مع اتضاح وجود نوايا إسرائيلية لاستيطان مناطق في القطاع ولاقتطاع مساحات كبيرة في شمال قطاع غزة، وعلى الشريط الفاصل بين القطاع والداخل، ومحور الشهداء "نتساريم"، ومحور صلاح الدين "فيلادلفي" وتغطية السيطرة الاسرائيلية بادارة محلية فلسطينية مدعومة عربياً وإقليمياً ودولياً.
وإلى جانب ما سبق، يقفز تشكيل لجنة إدارية أو مجتمعية عمّا تم الاتفاق عليه في "إعلان بكين"، الذي وقعت عليه جميع الفصائل الفلسطينية، ونصّ على تشكيل حكومة وفاق وطني من شخصيات مستقلة لها مرجعية وطنية التي لو شكلت لقطعت الطريق على مختلف سيناريوهات اليوم التالي المعادية، ومن خلال تفعيل وانتظام عمل الإطار القيادي الموّحد بشكل مؤقت إلى حين إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، عن طريق تشكيل مجلس وطني جديد عبر الانتخابات حيثما يمكن، وبالتوافق الوطني وفق معايير وطنية وموضوعية حيثما يتعذر إجراء الانتخابات.
هناك رأي يبدو له قدر من الوجاهة، يقول إن الوضع الخاص لقطاع غزة يقتضي اهتمامًا خاصًا ومركّزًا، ما يتطلب ترتيبًا جديدًا يستجيب لمتغيرات الأوضاع والاحتياجات الناشئة في قطاع غزة. وهذا الأمر يمكن تفهمه، وحتى العمل به، لنزع أية ذرائع يمكن أن تعيق الإغاثة وإعادة البناء والإعمار، خصوصًا أن وقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال لهما الأولوية وتحقيقهما دون عملية إنقاذ شاملة تتضمن إغاثة عاجلة وإعادة بناء وعمار سريعة لن يحول دون خطر الهجرة بل سيؤدي لها؛ فكيف يمكن البقاء في قطاع غزة وهو لم يعد منطقةً قابلةً للحياة إذا لم تكن هناك عملية إعمار كبيرة،؟! ولكن أي ترتيب لإدارة شؤون القطاع يجب أن يتم في سياق يستعيد وحدة النظام السياسي الفلسطيني، ووحدة الضفة والقطاع، وبعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني تحت سقف المرجعية الوطنية العليا وفق "إعلان بكين"، بحيث يمكن أن تشكّل لجنةً أو لجان لمعالجة آثار الكارثة التي حلت بشعبنا في قطاع غزة، دون إيجاد إطار حكومي جديد منفصل عن الحكومة القائمة، وعلى جثة سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة.
لا تزال الفرصة متاحة، وإن تأخر اغتنامها طويلًا، لإطلاق حوار شامل تنخرط فيه مختلف ألوان الطيف السياسي والمجتمعي، من فصائل وشخصيات مستقلة وممثلين عن المرأة والشباب والقطاع الخاص، من أجل التوافق على هياكل إدارة الحكم بشكل موحّد في الضفة والقطاع، مع إعطاء الأولوية لوقف العدوان والإبادة وانسحاب قوات الاحتلال وعودة النازحين قسرًا والإغاثة والإعمار والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى جدية.
وهو ما يفتح الطريق للتوصل إلى رؤية فلسطينية شاملة وموحدة تستند إلى إستراتيجية للعمل الوطني قادرة على مجابهة التحديات الكبرى التي يواجهها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
وتستمر الحرب على غزة!
حديث القدس
هل ستسود العدالة في فلسطين حقاً؟!
جمال زقوت
"العداء للسَاميّة "واحتكار "صورة الضحيّة" نحن العرب ساميّون بامتياز فلماذا نُتّهم بالعداء للسامية؟
المتوكل طه
يا رب أوقف شتاءك على غزة
بهاء رحال
احتدام الصراع الدولي
حمادة فراعنة
الشتاء.. فصل من المعاناة في غزة
حديث القدس
أي شرق نريد؟
إياد البرغوثي
مجرما حرب
بهاء رحال
ما الذي يعنيه قرار الجنائية الدولية بحق قادة دولة الاحتلال؟
راسم عبيدات
بانتظار الجهد العربي والإسلامي
أحمد رفيق عوض
خطوة على طريق الانتصار
حمادة فراعنة
التربية والتراث.. قوة الانتماء في مواجهة التحديات
د. سارة محمد الشماس
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد
كريستين حنا نصر
إسرائيل ترفع وتيرة قتل الفلسطينيين
حديث القدس
توفير الحماية العاجلة والفورية لأطفال فلسطين
سري القدوة
حقائق حول انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية وصولاً لمذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات
سموتريتش
بهاء رحال
مبادرة حمساوية
حمادة فراعنة
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
الأكثر تعليقاً
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
أي شرق نريد؟
الإمارات تكشف هوية المشتبه بهم بقتل الحاخام كوغان
ترمب يرشح طبيبة من أصل عربي لمنصب جراح عام الولايات المتحدة
"الجنائية" تتحرك أخيراً ضد الجُناة.. قِيَم العدالة في "ميزان العدالة"
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
الأكثر قراءة
الفيتو في مجلس الأمن.. أمريكا حارسة مرمى شباكه ممزقة!
الفيتو في مجلس الأمن... أمريكا حارسة مرمى شباكه ممزقة!
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
نتنياهو و"الليكود" يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد
أي شرق نريد؟
ترامب يعين العنصري ضد العرب والمسلمين سيباستان غوركا مسؤولا عن مكافحة الإرهاب
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 109)
شارك برأيك
لجنة إسناد أم تشكيل جديد يعمّق الانقسام؟