أقلام وأراء

الخميس 29 ديسمبر 2022 10:43 صباحًا - بتوقيت القدس

الاحتلال اغتال المكان وأخفق في محو الذاكرة الفلسطينية

بقلم:فتحي أحمد

هنا باقون كأننا عشرون مستحيل في اللد، والرملة، والجليل هنا على صدوركم، كالجدار في حلوقكم كقطعة الزجاج كالصبار في عيونكم، هذه الكلمات مقدمة قصيدة هنا باقون للشاعر الفلسطيني توفيق زياد، قصيدة التحدي والتي تعبر عن مدى التصاق الشعب الفلسطيني بأرضه مهما حاول الاحتلال من التضيق عليه والنبش في تاريخه وتزويره. لعل أحد أهم تجليات الذاكرة الثقافية الجمعية الفلسطينية هي أسماء الأماكن الفلسطينية، والتي تتجسد فيها تجربة الإنسان على أرض فلسطين وذاكرته عبر التاريخ، وارتباطه بهذه الأرض، تلك الأسماء التي احتفظ بها الإنسان الفلسطيني، عبر نحو أربعة الآف سنة من التاريخ، وتظهر استمراريتها التاريخية بأسمائها العربية الفلسطينية حتى اليوم، وهذا ما يعطيها هويتها التاريخية.


التحول المكاني بعد النكبة أدى إلى تحطيم كبير في بنية العمران بجميع اشكاله المدنية والحضارية في فلسطين ، وقتل سكانها وتهجيرهم، لكنه لم يمحق ثقافته المتأصلة فيه، وهي عبارة عن منظومة ثقافية متكاملة يصعب اختراقها، لهذا عجز الاحتلال عن طمسها رغم كل محاولاته، فرغم ما حل في ذاكرة الشعب الفلسطيني من قهر وترحيل وتدمير وأخرها إعادة تسمية المفترقات الطرق والشوارع في الضفة، ما زال متمسكا بأسماء قراه ومدنه حتى الرمق الأخير، في المقابل تعمل سلطات الاحتلال جاهدة على تغيير معالم مدينة القدس المحتلة وغيرها من المدن الفلسطينية في خطوة لتهويدها وإنهاء الوجود الفلسطيني في كل فلسطين التاريخية.


تغيير الأسماء بناء على نصوص توراتية
منذ عام 1967 يعد مشروع طمس الأسماء العربية واستبدال العبرية بها وسيلة يسعى الاحتلال من خلالها لتمرير الروايات التوراتية والمخططات التهويدية، لقد عملت الحكومة الإسرائيلية منذ أكثر من 120 عاماً (1878م) على محو أسماء القرى والمدن الفلسطينية وعربنتها وأصبح ذلك رسمياً في سنة 1922م، حين شكت الوكالة اليهودية لجنة أسماء لإطلاقها على المستوطنات الجديدة والقرى القديمة ومنذ ذلك التاريخ حتى 1948م، تم تغيير أسماء 216 موقعاً. وفي أول ثلاث سنوات للنكبة قررت لجنة حكومية تغيير أسماء 194 موقعاً آخر. وفي السنتين التاليتين (1951-1953م) وبعد أن أُلحقت اللجنة بديوان رئيس الوزراء وانضم إليها 24 من كبار علماء التاريخ والتوراة، تم تغيير 560 اسماً، وما زالت المحاولات سارية حتى اليوم.


السرقة ديدن الاحتلال
تعتبر سياسة التهويد، وتغيير أسماء المدن والبلدات والقرى الفلسطينية رغبة صهيونية في تشكيل كيان ذو صبغة يهودية مستقاه من الفكر التوراتي ، وفرض تسميات على أنها تاريخية، لذلك تجد الصهاينة لم يقوموا بتغيير الأسماء للمدن الكبيرة بالكلية، بل سعوا إلى تسميتها بنفس الاسم ولكن باللغة العبرية، مثال مدنية بئر السبع سميت صهيونياً " بير شيفع “ومدينة الخضيرة المحتلة أطلق عليها الصهاينة اسم "جديرة" وكذلك قرية الجت في جنوب فلسطين أطلق عليها الصهاينة "كريات جات"، ولعل هذا الإصرار على ترجمة أسماء المدن العربية المحتلة إلى أسماء عبرية هو من ضمن خطة صهيونية مرسومة بناء على ضغط يميني متطرف، الذي اصبح اليوم هو المتحكم في كل مفاصل دولة الاحتلال وإفرازات الانتخابات الأخيرة هي تحول الكيان من علماني ووسط إلى يمين يسعى لتدمير كل شيء ومحاولته في فرض قبضة حديدية على الشعب الفلسطيني عرابها بن غفير و سموتريتش ، فسياسة تهويد الحجر والشجر فاشلة في ظل وجود قوة الحق.


التاريخ يشهد
حتى يتجنب الصهاينة الجدل التاريخي، حول الأسماء التي تؤكد الدراسات التاريخية، بأنها التسميات الأصيلة والعميقة في جذور التاريخ، ولا يمكن نفيها من قبل أي طرف، فسعى الكيان الصهيوني إلى اعتمادها ولكن باللغة العبرية، لذا تجد تقارب بين الأسماء باللغتين العربية والعبرية لازال اللاجئ في مخيمات الشتات، عندما تسأله من أين أنت، يجيبك من يافا، من حيفا، من اللد، من الرملة، من أسدود، من بيسان.


محاولات فاشلة في ظل ذاكرة فلسطينية صلبة
لقد خسرت إسرائيل معركتها في مواجهة ذاكرة الأجيال فمات الكبار الذين أورثوا صغارهم وطناً لا يمكن أن ينسى، اسمه فلسطين من البحر إلى النهر بكل مكوناته التاريخية والجغرافية.


تسعى حكومة الاحتلال في هذه الأيام لتغيير أسماء شوارع وتقاطعات طرق في الضفة الغربية لأسماء عبرية تحمل كبار حاخاماتها ورموزها على المستوى السياسي والعسكري، فهذا التزييف المكاني لا يعطي دولة الكيان صبغة شرعية بأنها صاحبة الحق، في الوقت الذي نواجه الكيان بمدخراتنا التاريخية والجغرافية فالتاريخ لا يقطع ابداً بمحاولات قلب الحقائق وتغيير الحقائق التاريخية على الأرض، فالتاريخ العبري بمجمله كان في الضفة الغربية ضيق ومضة لا تذكر مع تاريخ اهل البلاد الاصلين أصحاب الجذور الضاربة في أعماق الأرض. 


تعتبر أسماء الأماكن ثابتة في مخيلة وعقول أصحاب الأرض، ولا تتبدل كثيرا من خلال الحقب الزمنية المتعاقبة، فالحالة الفلسطينية مثالا بعد النكبة الصامدة على ثوابتها وارثها التاريخي والجغرافي، رغم ما تم من تدمير كل شيء على وجه الأرض الفلسطينية وتهجير أصحابها عجزت إسرائيل بكل مكوناتها الدبلوماسية والعسكرية من حرف البوصلة، الخلاصة مع انها نجحت في بناء دولتها لكنها أخفقت كثيراً في احتلال العقل الفلسطيني.


لقد استقى الكيان هذا النهج في اغتصاب المكان من الحكم الاستعماري القديم والذي عادة ما يقوم بتبني أسماء الأماكن الموجودة، ولكنه يسعى لتغيير أسماء الأماكن الخاصة بسيطرته العسكرية والإدارية، أو في حالة تأسيس مستعمرات له يعطيها أسماء جديدة، لكن يبقى أصحاب الحق محافظين على أسماء قراهم ومدنهم رغم محاولات التشوية وطمس الحقائق، فهي مطبوعة في الوجدان والذاكرة الفلسطينية وتورث من جيل لجيل أخر.

دلالات

شارك برأيك

الاحتلال اغتال المكان وأخفق في محو الذاكرة الفلسطينية

المزيد في أقلام وأراء

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024م

كريستين حنا نصر

نزع الشرعية عن دور "الأونروا" سابقة خطيرة

حديث القدس

هل بدأ العد العكسي للعدوان؟

هاني المصري

إسرائيل وليس نتنياهو فقط.. من مأزق إلى مأزق

حمدي فراج

غزة والانتخابات الأمريكية

مجدي الشوملي

الهدنة المحتملة بين استمرار الحرب والحصاد السياسي

مروان اميل طوباسي

خيار الصمود والانتصار

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الأربعاء 30 أكتوبر 2024 10:18 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.72

شراء 3.7

دينار / شيكل

بيع 5.25

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 4.0

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%19

%81

(مجموع المصوتين 521)