نابلس – "القدس" دوت كوم - فرح أبو صاع / مدار للصحافة والاعلام – في أزقة مخيم عسكر القديم، شمال شرق مدينة نابلس، تلحظ أطفالاً يلهون بألعابهم البسيطة، أو يركل أحدهم كرة قدم مهترئة، ثم يصفق بيديه فرحًا بتسجيله هدفًا اخترق حجرين متباعدين، لم يفلح (حارس المرمى) وهو طفل آخر من نفس الجيل بصده.

إنه مشهد من واقع الحال المزري، وأحلام الطفولة المحبوسة بين جدران المخيم الذي يشبه سجنًا يضيق كل يوم أكثر فأكثر على ساكنيه الذين تزداد أعدادهم باضطراد، فيما تراوح الجدران مكانها.

"مخيم عسكر هو واحد من مخيمات اللجوء، وشاهد على الجرح الفلسطيني الذي لم يندمل، ولا يمكن له أن يندمل إلا بعودة سكانه إلى ديارهم وأراضيهم التي اقتلعوا منها عنوة خلال نكبة الـ 48".. يقول رئيس اللجنة الشعبية لخدمات المخيم ماجد أبو كشك، ويؤكده كثيرون من أهالي المخيم على اختلاف أعمارهم.

وبحسب  وثائق المركز الوطني  الفلسطيني، فإن مخيم عسكر يقسم مخيم عسكر إلى جزأين: الأول ويسمى مخيم عسكر القديم، وقد أنشأته وكالة الغوث الدولية في عام 1952، والجزء الثاني يطلق عليه اسم "مخيم عسكر الجديد"، ويبعد عنه إلى الشرق حوالي 900م، وقد أنشأته وكالة الغوث الدولية عام 1964، وتبلغ مساحة المخيم حوالي 209 دونمات: منها 110 دونمات مساحة مخيم عسكر القديم، و99 دونمًا مساحة مخيم عسكر الجديد.

وبلغ عدد سكان مخيم عسكر (القديم) 7265 نسمة مخيم عسكر (الجديد) 5298 نسمة حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني منتصف العام 2023.

ويوضح أبو كشك بأن أصول عائلات المخيم تعود ‘لى عشرات المدن والقرى والتجمعات الفلسطينية في الداخل ومنها يافا واللد وحيفا ويازور والطيرة وسلمة والسارية والمجدل وصرفند وكفر برة وأم خالد وكفر سابا وبيت دجن والشيخ مؤنس وبئر السبع، والبصة وغيرها.

وكغيره من المخيمات الفلسطينية، يعاني مخيم عسكر من مشاكل كثيرة، كالاكتظاظ وارتفاع نسبة البطالة، وتآكل البنية التحتية، وعدم كفاية المدارس والعيادات الصحية.

وقال أبو كشك بأنه وعلى سبيل المثال، يوجد في المخيم أربع مدارس فقط، وهي لا تلبي الأعداد المتزايدة في حجم الطلبة، وهناك في الصف الواحد تجد أحيانا 50 طالبًا أو طالبة، إذ أن وكالة الغوث الدولية المسؤولة عن التعليم في المخيم لا تقوم بتشعيب الصفوف إلا إذا زاد الصف عن 50 طالبًا، مشيرًا إلى أن الوكالة لم تعد كذلك تثبت المعلمين بشكل رسمي وانما توظفهم بنظام العقود المؤقتة.

وأضاف بأن مستوى التعليم كان في فترة من الفترات عال جدًا، ولكن في الفترة الأخيرة أصبح لديهم تراجع، بسبب تقليص وكالة الغوث العمل داخل نطاق التعليم.

وبخصوص الوضع الصحي في المخيم، يشير إلى أنه يوجد لديهم عيادة صحية واحدة تابعة لوكالة الغوث، وهي تفتح أبوابها من الساعة الثامنة صباحة وحتى الثانية ظهرًا، وهذا لا يفي باحتياجات أهالي المخيم، وتبقى الحاجة ماسة لتحسين هذا الوضع.

وإلى جانب لجنة الخدمات، يوجد في المخيم عدة مؤسسات وجمعيات أخرى تسعى جاهدة لتخفيف العبء عن كاهل الأهالي، كالمركز النسوي، ومركز الفنون والتراث، ومدرسة الأمهات، وجمعية اللد الخيرية.

وأشار رئيس لجة الخدمات إلى أن المخيم يخلو من قاعدة بيانات، لذلك تسعى اللجنة لتوفير مثل هذه القاعدة والتي توفر معلومات وأرقام تفصيلية، كأعداد الخريجين والموظفين واالعاطلين عن العمل.. الخ.

ونوه إلى أن لجنة الخدمات وضعت نصب أعينها تنفيذ خطة استراتيجية مدتها عدة سنوات، بحيث تكون كل لجان الخدمات القادمة ملزمة بالعمل في اطارها، وتقسم هذه الخطة لخطط فرعية، كل واحدة مدتها سنتان، فيما يتم العمل لانجاز دراسات لمشاريع بالتعاون مع جامعة النجاح الوطنية، تكون مدرة للدخل وذات طابع خدماتي بنفس الوقت.

وقال أبو كشك بأن العمل جار لتنفيذ عدد من المشاريع الضرورية، كمشروع الطاقة الشمسية، ومسرح الطفل الثقافي، ومصعد كهربائي لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتاسيس كفتيريا داخل مركز الشباب.

وذكر أن مخيم عسكر كان من أوائل المخيمات التي استفادت من مشروع تحسين المخيمات (بالسيب) الذي تنفذه دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية بتمويل من الوكالة اليابانية للتهاون الدولي (جايكا)، وتم في هذا الاطار إعادة تأهيل حديقة الشهيد ياسر عرفات الموجودة في المخيم ومواءمتها لاستخدامات ذوي الاحتياجات الخاصة على طريق إعادة دمج هذه الشريحة المهمة مع المجتمع المحلي، وكذلك مشروع  تجهيز مركز تدريب مهني داخل المركز النسوي.

وعلى الرغم من المشاكل والمعيقات وقساوة الحياة وضنك العيش في المخيم، فإن أهالي مخيم عسكر وكغيرهم من سكان المخيمات الفلسطينية الأخرى سواء داخل الوطن أو خارجه، يؤكدون أن المخيم هو عنوان القضية ورمز الصمود، وأن الأمل بالعودة إلى ديارهم لا يخفت مهما طال الزمن.