أقلام وأراء

الأربعاء 17 أغسطس 2022 10:55 صباحًا - بتوقيت القدس

هل يعيب القانون قِدَمَهُ؟!‏

بقلم:المحامي إبراهيم شعبان


يقع كثير من الإقتصاديين والسياسيين والإجتماعيين في مقولة خاطئة ، قائلة أن القانون يصبح ‏عقيما إذا ما مرّ عليه زمن، وبخاصة إذا طال هذا الزمن، ويصبح عقبة على طريق التطوير. ‏وعليه يدعون ولا يملون من تكرار الدعوة لتجديد هذه القوانين لمجرد قدمها وليس لعدم ‏صلاحيتها، أو استبدالها بقوانين محدثة مليئ بالثقوب والعيوب، باسم التجديد والتحديث، ‏ونوازع شتى لا تخفى على المدقق، وكأننا في سوق للملابس أو المجوهرات أو المفروشات. ‏ولم يدر الكثيرون أن العيب في التطبيق وفهم النصوص وليس في النصوص بحد ذاتها. ولو ‏جرى البحث عن روح النص بدل مفرداته، لكفى القاضي مؤونة البحث والتقصي، ولما كانت ‏هناك حاجة مصطنعة للتغيير والتبديل غير الضروري.‏
وعندنا تكررت هذه الظاهرة كثيرا وبخاصة بعد قدوم أهل أوسلو، ورغبتهم الجامحة، في عمل ‏إنجازات سريعة جلية واضحة للعيان للمجتمع الفلسطيني. واعتقدوا أن الهدف والوسيلة، هو في ‏تغيير القوانين القائمة. وساعدهم على تكرار هذه المقولة والأخذ بها، وجود الإحتلال العسكري ‏الإسرائيلي لثلاثة عقود من الزمان وإصدارهم أكثر من ألف أمر عسكري حيث تدخلت في كل ‏صغيرة وكبيرة من شئون المواطن الفلسطيني، رغم أن بعضها لم يكن ضررا على مصالحه، ‏كتعويض إصابات العامل بل نفعا له. ‏
ونظرا لحداثتنا في شؤون التشريع وإصدار القوانين وقلة خبرتنا في هذا المجال حيث لم نكن ‏دولة سابقا، عزا البعض مشاكلنا في التطور والتقدم، إلى وجود كثير من التشريعات الأردنية ‏القديمة والتي جاوز عمرها أربعة عقود زمنية، معتقدين بسذاجة أن قدمها يشكل إعاقة لها عن ‏مواكبة ركب التطور، وكأنها فستان أو حلة تلاحق موجة الموضة المتسارعة.‏
إضافة لذلك، حرص المصريون الحاكمون لقطاع غزة أن لا يغيروا في القوانين الإنتدابية ‏البريطانية مثلما حصل أيام الوحدة الأردنية مع الضفة الغربية. بل أبقوا تلك القوانين القديمة ‏مطبقة في أنحاء قطاع غزة، وبالتلي تعززت فكرة قدم القوانين المطبقة في فلسطين شمالا ‏وجنوبا وعدم صلاحيتها للتطوير وجعلها سنغافورة جديدة!‏
وغاب عن ذهن هؤلاء المنظرين غير العارفين بحقيقة القانون، أن الدستور الأمريكي عمره ‏أكثر من قرنين من الزمان، وما زال صالحا ويطبق، ولم يفكر أحد في استبداله أو إلغائه في ‏الولايات المتحدة الأمريكية. وأن الدستور البريطاني هو في جله دستور عرفي وما زال مطبقا ‏بكل تقدير واحترام في بريطانيا. وأن الدستور الفرنسي يقارب سبعين عاما، وأن القانون المدني ‏المطبق في فلسطين " مجلة الأحكام العدلية العثمانية " عمره ما يقارب القرن ونصف، وما زال ‏مطبقا، وكثيرا من الأحكام القضائية المدنية تصدر بموجبه، وأن جميع القوانين الموضوعية في ‏الضفة الغربية بقيت غير ممسوسة من دعاة التغيير والتبديل. وبقيت مقولة التغيير لمجرد ‏التغيير توصف بأنها كلمة حق قصد بها باطل.‏
ويبدو أن بعض السياسيين والإقتصاديين والإجتماعيين الحديثي العهد بتولي السلطة التنفيذية ‏في دولة فلسطين، قد ضاقوا ذرعا بهذه القوانين القديمة البالية فوسموها بالعجز وعدم الحداثة، ‏حيث كان بعضها يضيق عليهم ويقيد صلاحيتهم ويجمد إجراءاتهم وهم المعتادون على حرية ‏العمل وحرية الحركة وحرية الإختيار وحرية الصياغة، بل قل الفوضى العارمة، في جميع هذه ‏الأمور. فرأوا أن العمل المطلوب والفوري هو تغيير واستبدال هذه القوانين المقيدة والمحددة ‏لصلاحيتهم. لكن وجود المجلس التشريعي الأول حدّ من هذه الظاهرة، بل ساهم مساهمة جادة ‏في دفع قوانين هامة إلى المقدمة مثل القانون الأساس، لكن مشكلته أنه ركزّ على القوانين ‏الشكلية الإجرائية، مثل أصول المحاكمات المدنية والجزائية، وأسقط القوانين الموضوعية، مثل ‏قانون العقوبات والمدني والتجاري.‏
المشكلة بدأت حينما غاب المجلس التشريعي الذي هو سلطة من ثلاث عن الساحة، ذلك أن ‏العملين الوحيدين للمجلس التشريعي هما سن القوانين، والرقابة على أعمال الحكومة ‏ومحاسبتها. وبدأ البعض تسطيح وتبسيط وتسهيل فكرة اللجوء القرار بقانون وكأنها ليست ‏استثناء بل أمرا عاديا. وبدأ الكثيرون بالنيل من القانون الوضعي المطبق تارة باسم مخالفة ‏الدين، وتارة باسم القانون العشائري، وتارة باسم المصالح الخاصة والحداثة والتطور. وللاسف ‏لم تكن هذه القرارات بقوانين " قوانين الضرورة " أو " القوانين المؤقتة " انعكاسا للإتفاقيات ‏الدولية التي صادقت عليها فلسطين، أو استجابة للتطور العلمي الحاصل مثل الكمبيوتر ‏وعملياته وحركاته . ‏
وبدأت السلطة التنفيذية على استحياء باللجوء للمادة 43 من القانون الأساس التي تقرر منح ‏صلاحية التشريع للرئيس في حالة وحيدة وهي عندما يغيب المجلس التشريعي وتحدث حالة ‏توصف بأنها " الضرورة التي لا تحتمل التأخير "، لكنه في ظل طول غياب المجلس ‏التشريعي، وفي ظل تكرار البعض لمقولة للحاجة الماسة لإصدار تشريعات حديثة طيلة غياب ‏السلطة التشريعية عن الوجود وعن الساحة، بل وتزيينها وعدم التفريق ما بين " الضرورة " ‏وبين " الضرورة التي لا تحتمل التأخير "، وهو فرق هائل وكبير. ولو تم التدقيق في هذا الفرق ‏لما رأينا هذا الكم الهائل من القرارات بقانون، ولما احتاج الرئيس إلى العودة عن هذه القوانين ‏وقام بإلغائها بعد الأزمة التي تصدرتها نقابة المحامين، أو تجميد بعضها في مناسبات أخرى ‏والتذرع بذرائع شتى في هذا المجال.‏
من هنا وقعت الطامة التشريعية في ظل غياب المجلس التشريعي، وغابت كل المناقشات الجادة ‏لأي مشروع قانون، وغابت القراءات المتعمقة لأية مفردة أو لفظة قد تغير المعنى برمته سلبا أو ‏إيجابا، بل غدت المصلحة الفلسطينية على كل الصعد، أسرى فكر فرد واحد، يصيب ويخطىء. ‏وقطعا أن التطوير هو هاجس بينما يمكن أن يتم بطريقة أخرى كموضوع التسوية القضائية، لو ‏أعملنا قليلا من الإجتهاد والتعمق في التفسير للألفاظ والمفردات.‏
بعد هذه الأزمة القانونية لهذا الفيض بقوانين الضرورة، والتي أدت إلى شلل عمل المحاكم ‏وشلل المجلس التشريعي القادم ، وانتهاء بإلغاء هذه القرارات بقانون، يتبين أن لا داعي مطلقا ‏لسن قرارات بقانون وفق المادة 43 من القانون الأساس، وأن نكتفي بالقوانين الموجودة مهما ‏كانت الظروف، والتفكير في اللوائح والأنظمة كبديل جزئي. ويقوم القضاء الحصيف بالتفسير ‏المناسب وتطويره وفق روح النص. ‏
وفي النهاية يجب أن تبقى الدعوة لانتخابات تشريعية على راس أولوياتنا، فلا بديل عن ‏المجلس التشريعي وعن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. فالقوانين ‏المدنية والتجارية والإدارية والجزائية لن تكون مثار خلاف بين الفصائل وتقر بالطريقة العادية ‏ذات الأغلبية البسيطة ، أما القوانين السياسية فلا بأس من طلب الثلثين لإقرارها حتى نذلل ‏قبول مجلس تشريعي جديد.‏
القانون عام مجرد يهدف للصالح العام وحماية المصالح الخاصة باختلاف الزمان، مفرداته وعاء ‏المعاني بها ومن خلالها يصل هدف المشرع، وهي مفردات دقيقة غير عائمة وغير غائمة ‏وليست عاطفية أو جمالية أو ذات بلاغة أو كناية شعرية. القانون هو الرافعة الوحيدة الإلزامية ‏للشعب الفلسطيني للحضارة ومشتقاتها، بينما هو عند البعض لباسا يضيق ويتسع وفق رؤية ‏صانعي الموضة وما علموا بأنه لباس الحق والحقيقة فلا تلبسوه ثوبا آخر!!! ‏

دلالات

شارك برأيك

هل يعيب القانون قِدَمَهُ؟!‏

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

من سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟

%0

%0

(مجموع المصوتين 0)