فلسطين

الجمعة 22 أبريل 2022 11:50 مساءً - بتوقيت القدس

في منازل شهداء جنين.. ممنوع تقديم التعازي وتستقبل التهاني

جنين – "القدس" دوت كوم - علي سمودي - "مبروك عليك الشهادة..  تمناها ونالها ونياله ..ربي تقبله مع النبيين والشهداء"، هذه العبارات  التي رددها الأصدقاء وكل من عرف الشهيد لطفي إبراهيم لطفي اللبدي، مهنئين والده بارتقائه شهيدًا كما تمنى، وهو نفس الموقف الذي يتكرر وأصبح حاضرًا في كل مناسبة يرتقي فيها شهيد بمحافظة جنين التي ارتفع فيها عدد الشهداء منذ بداية العام ل 13، غالبيتهم من مخيم جنين.


نفس المشهد والموقف تكرر مع الشهداء أحمد السعدي، ومحمد زكارنة، ورعد خازم، ومن سبقهم، فكل من عرفهم عن قرب، شهد أمام مراسل "القدس" دوت كوم، أن "الشهادة كانت أسمى أمانيهم"، وهو ما أكده المواطن فتحي زيدان خازم، في حديثه عن بكره الشهيد "رعد"، منفذ عملية تل أبيب، "فرغم استعدادنا وحث والدته المتواصل وتوفير شقة مستقلة له، رفض عروض الزواج، ولم نكن نعلم أنه اختار طريق الشهادة، لكنه لطالما تحدث عنها وتمناها بإرادته، وكلنا فخر بابننا".


وفي ظل اتساع العدوان الإسرائيلي على محافظة جنين، وتسارع الأحداث وتكرر سقوط الشهداء والجرحى منذ بداية شهر رمضان، تحولت بيوت التعازي لمحطة لاستقبال المهنئين، ورفضت أسر الشهداء، وشطبت من قاموسها مصطلح بيت  عزاء، فالشهداء كما قال خازم "أحياء عند ربهم يرزقون، وسنحزن كوننا بشر ومؤمنين لفراقهم وإنا على فراقهم لمحزونون، لكن سنفرح لأن الله اصطفافهم لهذه المرتبة والمقام، إنهم في ظلال عرش الرحمن".


وأضاف: "لا يوجد مكانة أكرم وأسمى من منزلة الشهيد، وكلنا فخر واعتزاز، أن رب العالمين اصطفى رعد شهيدًا وهو صائمًا في شهر رمضان المبارك".


من جهته المواطن الخمسيني حسين زكارنة، رغم حزنه ودموعه الغزيرة، تحدث بفخر واعتزاز عن فلذة كبده محمد 17 عامًا، الذي ارتقى شهيدًا صبيحة 11-4-2022، بعد فشل جهود الأطباء في مشفى الرازي انقاذ حياته، وقال: "نصلي لرب العالمين ليتقبله شهيدًا، صحيح أنهم قتلوه بدم بارد ودون ذنب أو سبب، لكنه كان دومًا يتمنى الشهادة ويحلم بها، ويوصي والدته، اذا استشهدت لا تبكي أو تحزني".


رصاص الاحتلال الذي أصاب محمد في الحوض وأدى لاستشهاده، أبكى كل من عرفه وخاصة والده الذي لم يتمكن من السيطرة على نفسه عندما وقف أمام ثلاجة الموتى في مشفى الشهيد خليل سليمان الحكومي في جنين بانتظار تشييع الجثمان، وقال: "كيف لا أبكيه وهو شاب خلوق وصادق ومخلص ومعطاء ووفي، تحمل  المسؤولية وعمل وكافح وكان معي يدًا بيد، لقد قصموا ظهري وقطعوا يداي وخنقوني، لماذا قتلوه بدم بارد؟، أين العدالة وحقوق الانسان، وأي قانون في العالم يجيز هذه الجرائم والمجازر .. إنهم يقتلون كل عائلة شهيد".


"محمد" لم يكن مطلوبًا أو مسلحًا أو يشكل خطرًا على الاحتلال عندما اقتحم جنين في ذاك التاريخ، وأصابه برصاص قاتلة، تقول والدته: "منذ فترة يعمل  ابني على بسطة في المنطقة الصناعية، يتعب ويشقى وحريص على رضانا ومحبتنا، بحياته ما زعل حدا منا، الكل بحبه وبحترمه، وعمري ما شفته إلا رجل بكل معنى الكلمة .. دايمًا كنت أسمعه يحكي عن الشهادة والشهداء، وبيسمع أغانيهم وبيعلق صورهم، بس عمري ما فكرت إنه راح يجي يوم ويستشهد بسرعة ..  بدون سبب غدروه وحرمونا منه، وخلوا بيتنا مظلم وحزين".


يروي والد الشهيد، أنه خلال تواجده على بسطته، اقتحم الاحتلال المنطقة الصناعية وبرفقتهم الوحدات الخاصة التي أطلقت النار على مركبة محلية كان يستقلها عبد الرحمن شقيق الشهيد رعد الذي نجا ووالدته وشقيقته من الموت بأعجوبة، لكن رصاصهم أصاب محمد أثناء تواجده على بسطته، ويقول: "فجاة وقع أرضًا مضرجًا بالدماء، وحمله شاب ونقله على مشفى الرازي، وأصيب بنزيف حاد، وتمكن الإطباء من انقاذه في المرحلة الأولى، بعدما تم تزويده بكميات كبيرة من الدم .. تبين أن الرصاص دمدم متفجر اخترق الحوض وضرب الأمعاء والكلية، وكافح الأطباء لانقاذه، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة، وزففناه شهيدًا للقدس وفلسطين، وكل يوم أشعر بفخر واعتزاز لما أسمعه من رفاقه عن قصص بطولاته وشجاعته والجرأة في التصدي وتحدي الاحتلال الذي يجب محاكمته في المحافل الدولية، وكل صمت على جرائم الاحتلال ظلم لشعبنا".


 بالدموع والزغاريد، ودع الشهيد محمد زكارنة الذي عثر على صورة له وقد وضع عصبة سرايا القدس على جبهته وهو يشير بأصبعه للتشهد في إشارة لحبه للجهاد والمقاومة وطلبه للشهادة كما قال رفاقه، بينما ما زالت عائلة الشهيد رعد مشردة بفعل استهداف الاحتلال لها وملاحقتها، وقد رد والد منفذ عملية تل أبيب على تهديدات المخابرات له، مؤكدًا أنه لن يسلم نفسه للاحتلال الذي يطارده وأسرته منذ استشهاد ابنه بعد تنفيذ عمليته.


وفي منشور نشره على صفحته على الفيس بوك، قال: "فقدت فلذة كبدي، ويبحثون عن باقي أفراد أسرتي، وأسال الله أن يؤويهم إلى ركنه الشديد فلا يصلون إلينا  .. عوضني الًله بالآلاف من شباب المسلمين اعتبروني والدًا لهم خففوا عني مصابي وألمي واحتضنني مخيم الأبطال ومصنع الرجال، ولن أسلم نفسي".


 فتحي زيدان "زخام"، العقيد المتقاعد والذي تلقى اتصالات وتهديدات من جهاز وضباط الشاباك، قال "يسألني أعدائي وبعض أبناء جلدتي أن أسلم نفسي، ولن أفعل حتى استلم جثمان ابني واحتضنه وأقبله وأوارى جثمانه الطاهر الثرى".


وبصرخات الوجع غادر الشهيد لطفي اللبدي منزل عائلته في اليامون، وألقت والدته بنفسها فوق جثمانه، تقبله وتعانقه وتودعه وهي تردد: "حبيب قلبي .. الله يرضى عليك ..  ملائكة السماء والأرض ترضى عليك .. ربنا ينتقم ممن قتلوك .. حكيت له بدي اجوزك وأفرح فيك، قال لي ما بدي .. بدي الجنة .. خذوني معه .. وما توخدوه مني".


بعد أيام من صراع الأطباء مع رصاص الاحتلال الذي أصابه بالوجه، ارتقى لطفي شهيدًا في مشفى ابن سينا، فانفجرت موجة من الغضب في بلدته ولدى عائلته وخاصة رفاقه الذين رغم صدمتهم، عانقوا والده وقدموا له التهاني باستشهاده وهم يبغلونه، أنه كان يحب فلسطين أكثر من روحه ويتمنى الشهادة، وأوصاهم بزفه عريسًا إذا روى بدمه ثرى اليامون.


ويقول رفيقه محمد: "كان طيب وصاحب قلب كبير وهاديء ويحب الناس ومخلص ووفي، لكنه كان غاضب دومًا على الاحتلال، وفي قلبه ثورة لا تخمد، ويتقدم الصفوف عندما يقتحم الاحتلال البلدة" .


قبل استشهاده بأسبوع، اختار لطفي صوره، وسلمها لوالدته وأوصاها بأن يكون بوستره عند استشهاده، وعندما شاهد الاحتلال يقتحم اليامون، لم يتأخر عن المواجهة، ورشق الدوريات بالحجارة، فردوا عليه بالرصاص الذي اخترق وجهه من الأمام وخرج من الخلف  وهو يقاومهم، وقالت والدته سهير سمودي: "الحمد لله رغم الفاجعة والوجع، مبروك عليه الشهادة والله يصبرنا، ممنوع الحداد والحزن والدموع، ومش راح استقبل المعزين، في عرس لطفي، ونتقبل التهاني، فهذا شهيد القدس وفلسطين".

شارك برأيك

في منازل شهداء جنين.. ممنوع تقديم التعازي وتستقبل التهاني

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

السّبت 02 نوفمبر 2024 12:08 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.75

شراء 3.73

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 4.05

دينار / شيكل

بيع 5.29

شراء 5.27

من سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية؟

%47

%53

(مجموع المصوتين 17)