Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 11 أبريل 2025 10:34 صباحًا - بتوقيت القدس

غزة بين مرارة الغربة وجفاء الانتماء

كتب جاري الرجل العصامي أبو إبراهيم وبقلب موجوع وصدق الانتماء منشورًا على صفحته قال فيه: "ماتت فينا الثورة، ماتت فينا النخوة، وأصبح الوطن عالة على أبنائه وسبوبة لقياداته". تأملت في كلماته، وكنت على وشك المغادرة، لكنني آثرت أن أقرأ ما بين السطور. أعدت القراءة مرات ومرات، محاولًا استيعاب ما وراء هذه الكلمات الموجزة، التي تعكس إحساسًا عميقًا بالإحباط والخذلان. ففي أوقات اشتداد الأزمات والتغيرات الكبرى، يشعر كثيرون بأن الثورة قد ماتت، وأن النخوة تراجعت، فيصبح الوطن – في نظر البعض الكثير – عالة على أبنائه، وسبوبة لمن يتولون قيادته. هذا الشعور وإن كان مفهومًا نتيجة التراكمات المستمرة، إلا أنه يعكس أزمة أعمق، تتجاوز مجرد الأوضاع السياسية أو الاقتصادية، لتصل إلى جوهر العلاقة بين المواطن والدولة.


 فالوطن لا يصبح عبئًا إلا عندما تتراجع الرؤية لدى القيادة، ويفقد المواطن ثقته في مستقبل بلاده، فيشعر بالغربة داخل حدوده. وعندما تضيع المسؤولية المشتركة، ويتحول الولاء والانتماء إلى مجرد شعارات بلا محتوى، فيصبح الوطن في مهب الريح، عالقًا بين أمل ضائع وواقع مأزوم.


إن استعادة الوطن لا تكون بمجرد الشعارات أو النقد، بل تبدأ بإعادة بناء الثقة وتعزيز العدالة، وترسيخ الإحساس بالمسؤولية المشتركة بين الجميع، حيث التوازن والتكامل، فالقيادة الفاعلة ليست مجرد سلطة تنفيذية تدير شؤون الدولة، بل هي قدرة على رسم مسار واضح للمستقبل، وتحفيز المجتمع على المضي قدمًا بروح من الشراكة والمسؤولية. وعندما تفقد القيادة هذه الرؤية، تتحول الإدارة إلى مجرد ردود أفعال بدلًا من سياسات استباقية، ويتجمد الوطن في حالة من الركود، حيث يبقى الواقع على حاله دون تغيير ملموس في واقع الناس. فالقيادة الناجحة هي التي تدرك أن نجاحها لا يُقاس فقط بالقدرة على فرض السيطرة، بل بمدى قدرتها على كسب ثقة المواطنين من خلال مجموعة من القواعد الشفافة ضمن معايير الحوكمة الرشيدة، والاستراتيجيات المدروسة، والإدارة التي تستند إلى الكفاءة لا إلى الولاءات. فعندما يشعر المواطن أنه جزء من معادلة النجاح وليس مجرد متلقٍّ للقرارات، يستعيد الوطن حيويته، ويتحول من ساحة صراع إلى بيت يحتضن الجميع.


فالثقة لا تُمنح تلقائيًا، بل تُبنى من خلال التجارب اليومية التي يعيشها الأفراد في ظل الدولة. وعندما يشعر المواطن أن صوته لا قيمة له، وأن حقوقه مهدورة، وأن القوانين تُطبَّق بانتقائية، فإنه يفقد الثقة في النظام، ويبدأ في الانسحاب من دوره الفاعل في المجتمع. وهذا الانسحاب قد لا يكون دائمًا بالمغادرة الجسدية عبر الهجرة، بل قد يكون باللامبالاة، والتراجع عن المشاركة، وترك الأمور تتدهور دون محاولة الإصلاح. لذا فالمسؤولية مشتركة: بين الدولة والمواطن. فالوطن ليس مجرد أرض أو حكومة، بل هو عقد اجتماعي بين الدولة والمواطن، حيث يكون لكل طرف مسؤولياته. فالدولة مسؤولة عن توفير بيئة عادلة ومنصفة، والمواطن مسؤول عن المشاركة في تطوير مجتمعه. لا يمكن لطرف أن يحمل العبء وحده؛ فكما يُطلب من الحكومة أن تكون أكثر شفافية وكفاءة، يُطلب من المواطن أن يكون أكثر وعيًا ومبادرة. المشكلة تبدأ عندما يتوقع كل طرف أن يقوم الآخر بكل شيء، فتنهار العلاقة، ويزداد الإحباط.


وهنا يا أبو إبراهيم أدركت أن الوطن لا يصبح عالة إلا عندما تتخلى القيادة عن دورها في التخطيط والبناء، وتغرق في دوامة الجباية والفساد. وعندما يفقد المواطن ثقته في إمكانية التغيير، وعندما يضيع مفهوم المسؤولية المشتركة بين الطرفين. فالأزمة ليست في الوطن ذاته، بل في كيفية إدارته، وفي طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطن. وهنا يا أبو إبراهيم تتحول قيادته إلى عبء. فالوطن ليس مجرد بقعة جغرافية، بل عقد اجتماعي تقوم أركانه على العدالة والاحترام المتبادل. والوطن لا ينهض بقيادة معزولة عن شعبها وبشعور المواطن أنه رقم في معادلة الجباية ورقم في تحقيق المكاسب. والحل، يا أبو إبراهيم، لا يكون في التذمر وإلقاء اللوم أو الاكتفاء بالسخط، بل في إعادة النظر بعمق في هذه العلاقة، بحيث تقوم على الاحترام المتبادل، والعدالة، والمشاركة الحقيقية. فلا وطن ينهض بقيادة منفصلة عن شعبها، ولا مواطن يشعر بالانتماء لوطن لا يحتضنه. عندها فقط، يا أبو إبراهيم، يمكن للوطن أن يستعيد قوته، ويستعيد المواطن إحساسه بالانتماء الحقيقي، فيكون الجميع شركاء في النهضة والبناء، لا متفرجين وشهوداً على الانهيار.

دلالات

شارك برأيك

غزة بين مرارة الغربة وجفاء الانتماء

المزيد في أقلام وأراء

تحديات الاقتصاد الأردني

جواد العناني

سيناريوهات تعيين نائب للرئيس الفلسطيني.. بين الضغوط الخارجية والمصلحة الوطنية

بسام زكارنة

أهلنا في غزّة أبطال لكنهم ليسوا سوبرمان

داود كتّاب

في غزة.. الناس لا يبحثون عن "التحرير" بل عن "تذكرة نجاة"

محمد جودة

خَمِيسُ السِرِّ المُقَدَّسِ

بهاء رحال

المفاوضات الإيرانية- الأمريكية معقدة وتسودها حالة من انعدام الثقة

راسم عبيدات

لا يمكن أن يستمر الحال في غزة على هذا النحو.. "فلا نتنياهو ولا السياسيين الألمان...

المجر والاحتلال.. تحالف سياسي أم انحياز أيديولوجي ؟

أمين الحاج

منطق "الاستثناء".. انتهاك للحريات

في الذكرى الـ37 لاستشهاد القائد الرمز خليل الوزير "أبو جهاد"

مخطط خطير ومعادٍ

هل بتسليم السلاح تَسْـلم الأرواح؟

أمين الحاج

المنهاج الخفي في الدراسات الاجتماعية.. كيف تُصنع العقول في الظل؟

د. سارة محمد الشماس... باحثة وكاتبة في التراث والعلوم التربوية

تنكيس الأقلام!

ابراهيم ملحم

بوادر مصالحة تركية كردية تاريخية في الأُفق

كريستين حنا نصر

لا لسلطة متجددة بالمفهوم الإسروأمريكي... وللشعب الفلسطيني تعني دولة مستقلة

فوزي علي السمهوري

حين يُسوِّق العالم الأمل في المريخ ويتغاضى عن إبادة فلسطين

فادي أبو بكر

أين أخلاق العالم؟ عام ونصف من الجوع والموت!

إسماعيل مسلماني

تدمير المدمر وقصف المقصوف

بهاء رحال

معركة غزة لم تحسم بالانتصار أو الهزيمة

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الخميس 17 أبريل 2025 1:14 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.69

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.2

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 4.19

شراء 4.18

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 1077)