رمزي الغزوي
في وقت يواجه فيه العالم سلسلة من التحديات الاقتصادية، قرّر دونالد ترامب إطلاق ما سمّاه «يوم الاستقلال الاقتصادي»، مُعلنا عن فرض رسوم جمركية جديدة تحت شعار حماية الاقتصاد الأميركي. غير أن هذه الإجراءات، في واقع الأمر، لا تضر خصومه الخارجيين بقدر ما تُثقل كاهل المواطن الأميركي نفسه، الذي سيدفع الثمن عند كل عملية شراء، من الهواتف الذكية إلى مواد البناء.
تعتمد رؤية ترامب الاقتصادية على مبدأ «أميركا أولاً»، لكنها تتجاهل حقائق العولمة التي تربط الاقتصاد العالمي في شبكة معقدة من المصالح والتبادلات. قد تبدو فكرة إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي وطنية في ظاهرها، لكنها تنطوي على ارتفاع الأسعار، تراجع الجودة، وضعف القدرة التنافسية.
والأخطر أن سياسات ترامب الاقتصادية لا تبدو مدروسة أو مستندة إلى تحليل علمي، بل تنبع من رغبة شخصية في تصفية حسابات مع ماضٍ تجاري لم يرضِ طموحه. فخصومه اليوم هم أنفسهم من كان يشكو منهم في ثمانينيات القرن الماضي، حين عبّـر عن امتعاضه من تدفّق السيارات اليابانية إلى السوق الأميركية. واليوم، يُكرّر الخطاب نفسه، موجّهاً سهام الاتهام إلى الصين والمكسيك وأوروبا.
تعيد هذه السياسات إلى الأذهان ما حدث في ثلاثينيات القرن العشرين، عندما أدّت الإجراءات الحمائية إلى تفاقم الكساد الكبير وساهمت في إشعال فتيل حرب عالمية. واليوم، وفي ظل أزمات متراكمة تبدأ من جائحة كورونا ولا تنتهي عند التضخّم والديون، يبدو أن العالم لا يحتمل أزمة جديدة تُفتعل بدوافع سياسية.
يتعامل ترامب مع الاقتصاد وكأنه عرض تلفزيوني، يوزّع فيه الأوامر ويُطلق خطابات حماسية. لكنه ينسى أن الواقع الاقتصادي لا يُدار من على خشبة مسرح، وأن قراراته تحمل تبعات تمس حياة الناس وأسواقهم بشكل مباشر.
في عالم متشابك ومتداخل، لا مكان للعزلة. والسياسات التي تُبنى على الغضب لا تخلق اقتصادا مستقرا، بل تفتح الباب أمام أزمات لا نعرف إلى أين ستقود.
عن "الدستور" الأردنية
.............
تعتمد رؤية ترامب الاقتصادية على مبدأ «أميركا أولاً»، لكنها تتجاهل حقائق العولمة التي تربط الاقتصاد العالمي في شبكة معقدة من المصالح والتبادلات.
شارك برأيك
حين تتحوّل السياسة إلى عرض اقتصادي