أقلام وأراء
الأحد 26 يناير 2025 9:04 صباحًا - بتوقيت القدس
مفاوضات صفقة تبادل الأسرى هل هي مستدامة؟
صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الأخيرة تمثل محطة إنسانية هامة في تاريخ القضية، وفي ظل جريمة الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث أنها تُعيد الأنظار لملف الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية. إنها لحظة استثنائية تعيد الأمل لأسر كثيرة، وتعكس أهمية الكرامة الإنسانية وسط واقع مليء بالمآسي والانتهاكات. كما تعيد ملف الأسرى لأعلى سلم الأولويات الوطنية.
لكن رغم أهمية الصفقة من منظور إنساني، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن لهذه الخطوة أن تسهم في إيجاد حل مستدام، أو أن تضمن عدم قيام دولة الاحتلال باجتياح غزة، تماماً كما فعلت خمس مرات خلال الأعوام السابقة؟
مفاوضات تبادل الأسرى، بطبيعتها، تُدار في إطار إنساني بحت، وقد تتضمن أبعادًا أمنية محدودة، لكنها غالبًا ما تكون منفصلة عن السياق السياسي الأشمل، الذي يهدد استدامة أية تهدئة أو تقدم في مسار السلام.
التجربة التاريخية تُظهر أمثلة مشابهة، أبرزها صفقات حزب الله اللبناني مع إسرائيل، حيث لعبت أطراف وسيطة مثل ألمانيا دورًا حاسمًا في إدارة المفاوضات. مثل هذه الصفقات تعتمد على "الدبلوماسية القسرية"، وتبتعد عن الملفات السياسية الكبرى، مما يجعلها حلولًا مؤقتة لا تتعامل مع جذور المشكلة.
الصفقة الأخيرة تأتي في ظل سياق سياسي خطير. من الواضح أن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل استغلت هذه اللحظة للحصول على تحفيزات وضمانات تُمكّنها من تسريع مشاريع الضم والاستيطان، إضافة للاجتياحات وخنق المواطنين، تحت الذريعة الدائمة، "القضاء على الإرهاب"، تُستخدم لتبرير سياسات عقاب جماعي تصل إلى مستوى جريمة حرب، حيث يُعاقب شعب بأكمله على ذنب لم يرتكبه. هذه السياسات لا تهدف فقط إلى التضييق على الفلسطينيين في حياتهم اليومية، بل تعمل على خنقهم اقتصاديًا واجتماعيًا، وصولًا إلى التهجير القسري. منذ الإعلان عن دخول الاتفاق حيز التنفيذ، فرض جيش الاحتلال إغلاقاً محكماً على كافة المدن والقرى الفلسطينية، وبدأت حكومة اليمين المتطرف عملية عسكرية استهدفت المخيمات والمدن والبنية التحتية والمستشفيات والشوارع تحت ذرائع القضاء على الإرهاب! هذا ما حذرنا منه منذ بدء جريمة الإبادة. جذر عدم الاستقرار لا يتمحور في إيران أو أذرعها، الجذر هو الاحتلال العسكري الإسرائيلي. التطورات القانونية في محكمة العدل الدولية تعيدنا لأهمية التذكير بأن دولة الاحتلال تحاكم في النظام الدولي لتورطها بجريمة إبادة ضد الشعب الفلسطيني، كما ان رئيس الوزراء مطلوب للعدالة كمجرم حرب. هذه الحقائق هي انعكاس لحساسية الواقع الذي نشهده في ظل الأبارتهايد والحكم العسكري الذي ينفذ الاعدامات الميدانية والاعتقالات اليومية، والآن يترجم خطط الضم والاستيطان علنياً. ومن ناحية الجغرافيا السياسية لم يترك أية بقعة متواصلة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
في هذا السياق، كان من الضروري أن تتضمن الصفقة الأخيرة بنودًا تضمن وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية بشكل شامل، ليس فقط في قطاع غزة، بل في كافة الأراضي الفلسطينية. ما نشهده اليوم من إغلاقات وحواجز وعمليات عسكرية في الضفة الغربية هو نتيجة مباشرة لغياب مثل هذه البنود، مما يعكس محدودية التأثير الإيجابي للصفقة على حياة الفلسطينيين ككل.
إن أهمية الصفقة الإنسانية في تحرير الأسرى لا تعني التغاضي عن الحاجة إلى إطار سياسي أوسع يضمن استدامة مثل هذه الاتفاقات. استغلال إسرائيل للملفات الإنسانية كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية يجعل من الضروري فتح نقاش دولي جاد حول المساءلة القانونية ومواجهة مشاريع الضم والاستيطان.
صفقات تبادل الأسرى تقدم بصيص أمل في لحظات قاتمة، لكنها وحدها ليست كافية. الطريق إلى العدالة والسلام يبدأ بمعالجة جذور الصراع المتمثل في الاحتلال ووقف السياسات العدوانية التي تهدد وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
نتمنى أن تستدام الصفقة. الباب مفتوح للمفاوضين وبدخول دونالد ترامب للمشهد وحديثه المتكرر عن السلام بأن يفرض للمرحلة القادمة تصوراً استراتيجياً لا يقلل من أهمية المسار السياسي لضمانة الاستدامة، واذا ما تضمنت إطار سياسياً شمولياً ودامجاً، وركزت على المسار الاقتصادي/ الأمني سنعود لجولات من الهجمات الإسرائيلية المتكررة لجيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
رسالة إلى ترمب .. لن يرحل الشعب
حديث القدس
تأملات حداثية في معجزتي الإسراء والمعراج
مسعود ريان
يتعاملون مع مسألة التهجير كأنها عمل خيري
د. أحمد رفيق عوض
الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين
حمادة فراعنة
الضفة الغربية بين "السور الواقي" و"السور الحديدي"
أحمد عيسى
عندما "تُحرَّم" الأرض على أهلها ؟
عطية الجبارين
الصفقة اليوسفية بعد أن حصحص الحق
وليد الهودلي
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
عريب الرنتاوي
وللحرية باب
بهاء رحال
قدسية الأسرة في القدس.. بين التحديات والحلول
د. فريال رياض التميمي
"الأيديولوجيا تسقط من جيبي": قراءة في ديوان "في البيت وما حوله" لعبود الجابري
نداء يونس
بين يدَي الذكرى العطرة
إبراهيم ملحم
السجن ما بسكّر على حدا..!
ابراهيم ملحم
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
كتب: عريب الرنتاوي، مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية
٢٥-١-٢٥ يوم للتاريخ
حديث القدس
بوابات وحواجز قهر وإذلال وامتهان كرامة
راسم عبيدات
الحرب على الضفة هي الأسوأ منذ النكسة
د. عقل صلاح
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
إياد أبو روك
مأزق نتنياهو وهزيمته
حمادة فراعنة
تربية الأمل!
ابراهيم ملحم
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته (4) ..سوريا... "فرحة" اللحظة و"قلق" السياق
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
الاحتلال يمنع عائلة أبو حميد من السفر عبر معبر الكرامة للقاء أبنائها المبعدين إلى مصر
حكومة نتنياهو توعز للجيش الإسرائيلي بألّا ينسحب من القطاع الشرقي بجنوب لبنان
خلافات حادة بين عائلات المحتجزين بغزة وبن غفير خلال جلسة بالكنيست
آلاف النازحين يبدأون بالعودة إلى شمال قطاع غزة عبر شارع الرشيد
من «خطة سيناء» لـ«صفقة القرن»... محطات تاريخية في محاولات «تهجير الفلسطينيين»
الأكثر قراءة
مغازلة أبو مرزوق لواشنطن استراتيجية أم تكتيك؟
قدورة فارس: الفلسطينيون المبعدون سيبقون بالقاهرة لترتيب وجهتهم
الأشقاء نصر ومحمد وشريف أبو حميد يتنسمون الحرية وتم إبعادهم خارج فلسطين
وزارة الداخلية بغزة توضح بشأن عودة النازحين إلى الشمال غداً
قائمة الأسرى الذين ستُفرج عنهم "إسرائيل" اليوم ضمن صفقة التبادل
الهلال الأحمر الفلسطيني ينفي شائعات استبدال الأونروا في القدس الشرقية
إعلام مصري: الأسرى الفلسطينيون الـ70 المبعدون يتجهون إلى القاهرة
أسعار العملات
الأربعاء 22 يناير 2025 9:11 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.54
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 505)
شارك برأيك
مفاوضات صفقة تبادل الأسرى هل هي مستدامة؟