أقلام وأراء
الإثنين 23 ديسمبر 2024 9:59 صباحًا - بتوقيت القدس
العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم
يوم الحادي والعشرين من كانون الأول من العام 1995 كان يوماً مميزا وعظيما لبيت لحم، في هذا اليوم بدأت مرحلة جديدة من حياة بيت لحم خصوصا وفلسطين عموما، حيث شهد دخول السلطة الوطنية الفلسطينية الى مدينة الميلاد وعاصمته، كان تحديا كبيرا لنا على صعيد المراسم الدينية وترتيبات احتفالات عيد الميلاد، فلم يكن امامنا حينها سوى يومين تقريبا للتحضير لعيد الميلاد من الناحية الدينية والروحية والتنظيمية، ولاستقبال الرئيس الخالد ياسر عرفات بكل ما يحمله من تحديات ومعاني ورسائل أيضا. شكل ذلك اليوم بداية لتجسيد حلم فلسطيني طال انتظاره، بعد سنين من التضحيات والتحديات. وها نحن نقوم اليوم بالتحضير لعيد الميلاد بعد ثلاثين عاما متصلة، اتسمت بزيادة التحديات عاما بعد عام، فمن ذروة الفرح والبهجة الروحية والاجتماعية والوطنية، الى قمة الحزن والألم. فهل نسمح بتلاشي الأمل أمام هذا السيل الجارف من دماء الأطفال والدمار والتشريد؟ ترتيبات عيد الميلاد تحمل بعدين، بعد روحي وبعد حقوقي، تماما كدخول السلطة الفلسطينية الذي حمل بعدين أيضا: وطني وحقوقي.
على مدار تلك الأعوام الثلاثين، من التحضير لترتيبات عيد الميلاد، واجهتنا العديد من المشاكل والتحديات، والتي كانت تزداد كل عام لتحمل معها الفرحة الممزوجة بالأمل، الى جانب الحزن الممزوج أيضا بالأمل. فهذه أرض الأمل ولن تكون أرض اليأس. من يتابع محتوى هذه الترتيبات يجد أنها توثق حقوقا تاريخية يجب التعاون للمحافظة عليها، فمن انطلاق موكب غبطة البطريرك من القدس الى مار الياس ليكون بانتظاره هناك مستقبلا ومرحبا رئيس بلدية بيت جالا وكاهن رعيتها ووجهاء المدينة والرعية، على اعتباره الحدود التاريخية لمدينة بيت جالا، ومرافقته الى منطقة قبر راحيل حيث يستقبله كاهن رعية بيت لحم ونائب رئيس بلديتها ومؤسسات الرعية بالإضافة الى رئيس وأعضاء وكاهن رعية بيت ساحور للتأكيد على حفاوة الاستقبال وأن من هناك تبدأ بيت لحم، لينطلق الجميع بمرافقة الشرطة الفلسطينية الى ساحة المهد مرورا بالكشافة والحشود البشرية الهائلة المحلية والعالمية، وجرت العادة منذ سنوات ليست بطويلة ان يترجل البطريرك من مركبته ويسير مشيا على الاقدام حتى ساحة المهد ليستقبله هناك رئيس بلدية بيت لحم والمحافظ وقائد الشرطة وقائد المنطقة، في صورة رمزية تعبيرية وجوهرية تحمل تثبيتا لحقوق مهمة جدا. ويلي ذلك مسير غبطته برفقتهم وخلفهم الوجهاء والأعيان والمؤمنين والحضور الى بلاط الكنيسة حيث يستقبله الرهبان بالصلوات التي تبدأ طقوسها من هناك ومرورا بكنيسة المهد وصولا الى كنيسة القديسة كاترينا. وانطلاقا من الأهمية الكبرى التي يوليها قداسة البابا فرنسيس الى القدس وبيت لحم والأرض المقدسة، أنعم على بطريركها برتبة كاردينال وهي من أعلى الرتب الكنسية والإدارية في الكنيسة الكاثوليكية ليقول للعام أجمع بأن القدس وبيت لحم وفلسطين والأرض المقدسة هي أم الكنائس.
على مدار تلك الأعوام الثلاثين والتي بدأت فيها بيت لحم حياة جديدة في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية والتي تشكل نواة الدولة الفلسطينية التي يصبو اليها الشعب وكل المؤمنين واحرار العالم على طريق تحقيق السلام العادل والشامل، حضر الرئيس ياسر عرفات الى بيت لحم ضمن سيل بشري لم تشهد له المحافظة مثيلا، وبدأ التقليد السنوي بحضوره قداس عيد الميلاد المجيد، وما زالت كلماته في أذني حين كان يقول لي: انت تصلي عيد الميلاد مرة واحدة، أما أنا فأصلي عيد الميلاد ثلاث مرات، في إشارة الى مشاركته في العيد مع الكنائس الثلاث الشقيقة: اللاتينية و الأرثوذكسية والأرمنية. ليواصل الرئيس محمود عباس هذا الطريق قولا وفعلا، ويشارك في صلوات عيد الميلاد ثلاث مرات.
كلمات ولفتات قد يجدها البعض بسيطة، ولكنها على العكس من ذلك، عميقة ومهمة جدا على الصعيد المسيحي والوطني والعالمي. مع الأسف وفي العام الثلاثين لتلك الانطلاقة نجد بيت لحم محاصرة تئن تحت وطأة العبء الاقتصادي، وغياب السياحة. تئن حزنا على ما يجري في غزة من قتل وتشريد، تئن على ما يجري في الضفة والقدس من قتل وحصار ومعاناة في كل مجالات الحياة. ميلاد هذا العام هو الأكثر حزنا من بين تلك الأعوام الثلاثين. فالشوارع خاوية، والقلوب منطفئة، والعقول شاردة، والآمال متلاشية، والحقوق ضائعة، وحياة الإنسان الفلسطيني غائبة عن أجندة صناع القرار والمؤثرين في هذا العالم. عام يشهد تحديا هو الأخطر في تاريخ هذه الأرض، فقد أصبحت قوى كثيرة تعيث فسادا محاولة النيل من الحقوق، وزرع المكائد والفتن، وبذر بذار الفرقة، وكأن بالشعب الفلسطيني ينقصه ذلك.
شهد العام 1995 بداية تجسيد الحلم والحق الفلسطيني، هذا التجسيد الذي كان له ان يمنح السلام للمنطقة وجميع سكانها، ولكن تلك الخطوة لم ترق لأعداء السلام، الذين عملوا بجهد وكيد كبيرين لتدمير ذلك، لنصل اليوم، وفي العام الثلاثين، الى مرحلة يكاد فيها الحلم والحق ان يتلاشيا. مع ذلك، وبيد واحدة وببركات ميلاد أمير السلام، لنحول التضحيات والتحديات الى نقطة انطلاق جديدة نحو مستقبل أفضل، لنكن حذرين، لنكن ودعاء كالحمائم ولكن حكماء كالحيات، فالخطر كبير، والحق الذي يضيع، يصعب ارجاعه، يجب الحفاظ على ما تم تحقيقه وعدم اضاعته.
العام 2025 هو عام اليوبيل، حيث سيقوم البابا فرنسيس بفتح الباب الخاص بسنة اليوبيل في حاضرة الفاتيكان بمناسبة عيد الميلاد، معلناً انطلاق سنة اليوبيل، باعثا الرجاء والسلام والمحبة الى العالم المتخم بالحروب والقتل والدمار. لتقف الحرب، ليتوقف القتل، ليعود الناس الى بيوتهم والأطفال الى من تبقى من والديهم، فهذه ابسط حقوق البشر. ليعد الى بيت لحم والقدس حجاجها وحجيجها، مصلين داعمين ومساندين، لكي يبقى في الحياة أمل، حمله ميلاد أمير السلام الى هذه الأرض قبل ألفين وخمسة وعشرين عاماً.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
في ربع الساعة الأخير للإدارة الموشكة على الرحيل!
حديث القدس
بلورة استراتيجيات للتعامل مع الشخصيّة المزاجية – القنبلة الموقوتة
د. غسان عبدالله
من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟ الحلقة الثانية
زياد ابحيص
احتفالات الميلاد.. تغيب للسنة الثانية عن أرض الميلاد
راسم عبيدات
جحيم الإبادة في شمال القطاع
بهاء رحال
قيادات قيد التحقيق لدى المستعمرة
حمادة فراعنة
تصريحات بابا الفاتيكان وجيك سوليفان
د. أحمد رفيق عوض
يمكننا تحقيق حل الدولتين ولكن ذلك يتطلب تغيير طريقة تفكيرنا وقيادة الشعبين
جرشون باسكين وسامر سنجلاوي
عندما تصبح جثامين الشهداء هياكل عظمية
حديث القدس
الرضيعة عائشة القصاص تجمد جسدها حد الموت
بهاء رحال
ترامب.. الرئيس القوي
د. ناجي صادق شراب
نحن لا نتضامن مع جنين.. نحن لسنا إلا جنين نفسها!
د. رمزي عودة
الأمن العربي في خطر.. البداية فلسطين والدول المحيطة
فوزي علي السمهوري
الاستيطان والاحتلال والفكر البراغماتي
د. دلال صائب عريقات
دولة الزينكو...
حسام أبو النصر
الذكاء الاصطناعي: أداة ربات البيوت الفلسطينيات في إدارة المنزل وتدريس الأبناء
بقلم : صدقي ابوضهير " باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
من أنا؟ الذكاء الاصطناعي يجيب!
عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
أنفاسٌ مكتومةٌ تحت الركام!
ابراهيم ملحم
أكبر كارثة في العالم ..تحصل في غزة
حديث القدس
التعصب الحزبي.. الكارثة الأكبر التي تهدد القضية الفلسطينية
شادي زماعره
الأكثر تعليقاً
رجب: عملية "حماية وطن" تتقدم وتحقق نجاحات وإنجازات في حماية أهلنا بمخيم جنين
مقتل أحد عناصر الأجهزة الأمنية خلال الأحداث المتواصلة في جنين
صمت المجتمع الدولي إزاء الفظائع ، و الكلاب التي تنهش جثث الشهداء في غزة
واشنطن ترفض تقرير "هيومان رايتس ووتش" بشأن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بغزة
تشييع جثمان المناضل الوطني اللواء فؤاد الشوبكي
حملة اقتحامات واعتقالات في الضفة الغربية
وفد دبلوماسي أميركي رفيع المستوى في دمشق لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات
الأكثر قراءة
قوات خاصة إسرائيلية تعتقل مواطنا من كفر عقب شمال القدس
رحيل الأسير فؤاد الشوبكي بعد 21 عاما في سجون الاحتلال
صحيفة:الولايات المتحدة دعمت مجموعة مسلحة لإطاحة النظام في سوريا
"حماس" و"إسرائيل" تقتربان من الصفقة
عملية استشهادية في مخيم جباليا لأول مرة منذ بداية الحرب
وصفوه بالإيجابي.. وفد امريكي يلتقي "الشرع" في دمشق
رجب: عملية "حماية وطن" تتقدم وتحقق نجاحات وإنجازات في حماية أهلنا بمخيم جنين
أسعار العملات
الخميس 19 ديسمبر 2024 9:56 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
يورو / شيكل
بيع 3.76
شراء 3.76
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%56
%44
(مجموع المصوتين 288)
شارك برأيك
العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم