أقلام وأراء
الإثنين 23 ديسمبر 2024 9:50 صباحًا - بتوقيت القدس
تصريحات بابا الفاتيكان وجيك سوليفان
لم تنتظر وزارة الخارجية الإسرائيلية طويلاً لترد بقسوة على تصريحات بابا الفاتيكان التي وصف فيها قتل الأطفال في غارة إسرائيلية على قطاع غزة، بأن "هذا القصف ليس حرباً بل وحشية"، مضيفاً بنبرة خافتة وفيها كثير من العاطفة: "أريد أن أقول هذا لأنه يمس قلبي ".
وزارة الخارجية الإسرائيلية لم يعجبها أن يعبر البابا عما يجيش في صدره أو وجدانه، فأطلقت بياناً صاعقاً مرعباً، وصفت فيه تصريحات البابا بأنها "مخيبة للآمال بشكل خاص، لأنها منفصلة عن السياق الحقيقي والواقعي لحرب إسرائيل ضد الإرهاب الجهادي، حرب متعددة الجبهات فرضت عليها منذ السابع من أكتوبر"، ثم أنهت وزارة الخارجية بيانها الصاعق المرعب بالتحذير الصارم والحاسم "كفى اتباع معايير مزدوجة والتصويب على الدولة اليهودية وشعبها".
وتأكيداً لهذا الموقف أو ما يندرج معه من مواقف إسرائيلية، فقد منعت قوات الاحتلال دخول بطريرك القدس إلى قطاع غزة عشية أعياد الميلاد ، ضمن سياسة إسرائيلية متبعة منذ السابع من أكتوبر في منع الصحافة والهيئات والشخصيات الدولية من زيارة القطاع ورؤية ما يجري فيه من فظائع.
موقف إسرائيل هذا، السريع والهجومي والصاعق ، سبقه موقف وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي عرضه في مقال نشره في الصحف الإيطالية، يهاجم فيه البابا بسبب كتاب أصدره الأخير ذكر فيه أن الخبراء الدوليين يشيرون إلى احتمال أن ما يجري في غزة من فظائع قد يحمل ملامح الإبادة الجماعية، فقد أكد الوزير المشار إليه أن ما ورد في الكتاب هو استهتار بمفهوم الإبادة الجماعية ، وكأني بهذا الوزير يريد القول إن لا إبادة إلا التي لحقت بالجماعات اليهودية، وإن لا ألم يمكن فهمه والشعور به إلا الجماعات اليهودية فقط.
وغني عن القول إن بيان وزارة الخارجية وتصريحات الوزير، إنما هي افتئات على الواقع، وإعادة تقديمه بمفاهيم دينية وثقافية تجد لدى أوساط غربية معينة آذاناً صاغية ، فالقول إن الصراع ديني وإن جماعات اليهود هي الأحق بالحياة وهي التي تحتكر التاريخ وصناعته وروايته، وأخذ أدوار الضحية والبطولة فيه في آن معاً، وأن ما يجري في فلسطين هو صراع بين الضوء الشارد والإرهاب السائد، إنما خلط للأوراق وتخويف لمنصات الإعلام وأهل الرأي وصفوة النخبة. المهم في هذا كله أن الأمر وصل بإسرائيل أن تهاجم البابا وتسفه رأيه وتصوب كلامه، وترد عليه دون أدنى رادع أو وازع، ولم لا وقد كانت استباحت كنيسة المهد عام 2002، ووجهت الكثير من الإهانات والإذلال لأماكن ورموز مسيحية متعددة، ورغم أنني شخصياً حذر في إضفاء الطابع الديني على الصراع إلا أن الجنون الإسرائيلي والتطرف فيها يدفعان الأمور إلى ذلك دفعاً، فالإفلاس الصهيوني العلماني والاشتراكي واليساري عموماً، دفع الأجيال الجديدة من الإسرائيليين إلى الارتماء في أحضان السرديات الدينية التي تعطي إجابات بالغة الفتنة لأناس خلقوا أوضاعاً بالغة السوء لهم ولغيرهم من شعوب المنطقة، ويغذيهم في ذلك جنون غربي آخر يرى في العودة إلى التفسيرات الحرفية للعهدين القديم والجديد أجوبة نهائية أفضل مما في نسخ العلمانية وطبقاتها المتعددة منذ القرن الخامس عشر وحتى يومنا هذا .
وعلى الجهة الأخرى، فقد اتحفنا جيك سوليفان مسؤول الأمن القومي الأمريكي بتصريحات قبل أسبوعين تقريباً خلال زيارته الأخيرة إلى تل أبيب، قال فيها إن الأمريكيين واليهود يقدسون الحياة البشرية ولهذا فهو يعتقد أن قيام إسرائيل بقتل المدنيين الفلسطينيين مبرر لأن حركة حماس تستخدمهم دروعاً بشرية، وبالتالي فإن حماس هي المسؤولة عن قتلهم .
هكذا ببساطة استطاع جيك سوليفان أن يرضي ضميره والضمير الغربي والأمريكي خصوصاً بالقول إن قتل المدنيين مبرر ما داموا مرتهنين للإرهاب، وإنهم يفقدون حقهم في الحماية ما داموا قد قبلوا أن يتحولوا إلى دروع بشرية، أي أنهم يتحملون مسؤولية قتلهم أو تعذيبهم، ولكن الأمريكيين واليهود يقدسون الحياة البشرية، وهو قول ينم عن كثير من الخلط والجهل والرغبة في المجاملة الرخيصة وبيع المواقف وتقديم الخدمات المجانية، ومن الواضح أن سوليفان يرغب أو يمهد لتسلمه منصباً جديداً، ومهماً بعد خروجه من هذه الإدارة . إن جهل الرجل ينبع من أن الأمريكيين هم خليط من أعراق وثقافات مختلفة، لا يملكون هوية واحدة، ولم تستطع فكرة "الأمركة" أن تذيب تلك القوميات ولا الثقافات، وهو ما يفسر كثرة اللوبيات وجماعات الضغط، الأمريكيون لديهم مصلحة جامعة وليس قومية جامعة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن اليهود أيضاً جماعات متعددة وثقافات متعارضة، ولكن سوليفان ولأسباب مصلحية محقة، يجمع كل ذلك ليقرر أن كل هؤلاء يقدسون الحياة البشرية، ومن الواضح أنه لو وضعنا هذا الكلام على المعيار التاريخي والأخلاقي لوجدنا أنه كذب صراح. تصريحات البابا وتصريحات سوليفان تعكس هذا الامتحان القاسي والصعب الذي تواجهه حضارة الغرب بكل ادعاءاتها ومقولاتها، وتفسر لنا كثيراً من المظاهر، وردود الأفعال الغربية التي تسقط في هوة عميقة ليس من التردي الاخلاقي فقط، وإنما من المخاطر الأمنية المحتملة.
ما بين تصريحات البابا وتصريحات سوليفان فرق شاسع، ورغم ذلك فإننا نحن الفلسطينيين الذين نكتوي بكل هذا الجنون والتطرف وازدواجية المعايير، وضعف المواقف وغيابها مستمرون في الحياة، ليس أمامنا سوى الاستمرار في الحياة موقنين أن هناك رباً يدبر الكون، وأن لا إسرائيل ولا غيرها يدبران هذا الكون الفسيح.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
في ربع الساعة الأخير للإدارة الموشكة على الرحيل!
حديث القدس
العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم
الأب إبراهيم فلتس نائب حارس الأراضي المقدسة
بلورة استراتيجيات للتعامل مع الشخصيّة المزاجية – القنبلة الموقوتة
د. غسان عبدالله
من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟ الحلقة الثانية
زياد ابحيص
احتفالات الميلاد.. تغيب للسنة الثانية عن أرض الميلاد
راسم عبيدات
جحيم الإبادة في شمال القطاع
بهاء رحال
قيادات قيد التحقيق لدى المستعمرة
حمادة فراعنة
يمكننا تحقيق حل الدولتين ولكن ذلك يتطلب تغيير طريقة تفكيرنا وقيادة الشعبين
جرشون باسكين وسامر سنجلاوي
عندما تصبح جثامين الشهداء هياكل عظمية
حديث القدس
الرضيعة عائشة القصاص تجمد جسدها حد الموت
بهاء رحال
ترامب.. الرئيس القوي
د. ناجي صادق شراب
نحن لا نتضامن مع جنين.. نحن لسنا إلا جنين نفسها!
د. رمزي عودة
الأمن العربي في خطر.. البداية فلسطين والدول المحيطة
فوزي علي السمهوري
الاستيطان والاحتلال والفكر البراغماتي
د. دلال صائب عريقات
دولة الزينكو...
حسام أبو النصر
الذكاء الاصطناعي: أداة ربات البيوت الفلسطينيات في إدارة المنزل وتدريس الأبناء
بقلم : صدقي ابوضهير " باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
من أنا؟ الذكاء الاصطناعي يجيب!
عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
أنفاسٌ مكتومةٌ تحت الركام!
ابراهيم ملحم
أكبر كارثة في العالم ..تحصل في غزة
حديث القدس
التعصب الحزبي.. الكارثة الأكبر التي تهدد القضية الفلسطينية
شادي زماعره
الأكثر تعليقاً
مقتل أحد عناصر الأجهزة الأمنية خلال الأحداث المتواصلة في جنين
رجب: عملية "حماية وطن" تتقدم وتحقق نجاحات وإنجازات في حماية أهلنا بمخيم جنين
واشنطن ترفض تقرير "هيومان رايتس ووتش" بشأن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بغزة
صمت المجتمع الدولي إزاء الفظائع ، و الكلاب التي تنهش جثث الشهداء في غزة
تشييع جثمان المناضل الوطني اللواء فؤاد الشوبكي
حملة اقتحامات واعتقالات في الضفة الغربية
استشهاد طفل وشاب برصاص الاحتلال في جنين وبيت لحم
الأكثر قراءة
قوات خاصة إسرائيلية تعتقل مواطنا من كفر عقب شمال القدس
رحيل الأسير فؤاد الشوبكي بعد 21 عاما في سجون الاحتلال
صحيفة:الولايات المتحدة دعمت مجموعة مسلحة لإطاحة النظام في سوريا
"حماس" و"إسرائيل" تقتربان من الصفقة
عملية استشهادية في مخيم جباليا لأول مرة منذ بداية الحرب
وصفوه بالإيجابي.. وفد امريكي يلتقي "الشرع" في دمشق
رجب: عملية "حماية وطن" تتقدم وتحقق نجاحات وإنجازات في حماية أهلنا بمخيم جنين
أسعار العملات
الخميس 19 ديسمبر 2024 9:56 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
يورو / شيكل
بيع 3.76
شراء 3.76
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%56
%44
(مجموع المصوتين 287)
شارك برأيك
تصريحات بابا الفاتيكان وجيك سوليفان