Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 20 ديسمبر 2024 9:12 صباحًا - بتوقيت القدس

التعصب الحزبي.. الكارثة الأكبر التي تهدد القضية الفلسطينية

منذ عهد الانتداب البريطاني، كانت الأحزاب الفلسطينية الأساس في حركة التحرر الوطني، حيث شكلت منابر لتنظيم الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار ومن ثم ضد الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن هذه الأحزاب لم تكن تظهر بشكل علني في بداياتها، إلا أنها لعبت دورًا أساسيًا في النضال الفلسطيني، حيث تمسك الشعب الفلسطيني بوحدته الوطنية والتفافه الوطني حول أحزابه، لما لعبته من دور بارز في تجميع الجهود نحو تحرير الأرض واستعادة الحقوق. ومع مرور الزمن، أصبحت هذه الأحزاب، التي تضم القوى الوطنية والإسلامية، قاعدة نضالية مهمة في مواجهة الاحتلال، وشكلت حالة قدوة للجميع وساهمت في بناء وعي وطني فلسطيني عميق.


الواقع تغيّر بشكل كبير بعد اتفاق أوسلو، حيث انقسمت الأحزاب بين مؤيد للاتفاق وله رؤيته، ومعارض له وجهة نظره المختلفة. ازدادت الأمور تعقيدًا بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية عام 2006. هذا الفوز لم يُقابل بالقبول من قبل القوى الفلسطينية الأخرى، ولا على الصعيدين الإقليمي والدولي. أدى ذلك إلى حالة من الارتباك السياسي وعزل حكومة حماس عالميًا، خصوصًا بعد رفض الحركة الاعتراف بإسرائيل، رغم أنها جاءت بانتخابات ناتجة عن سلطة فلسطينية منبثقة عن منظمة التحرير التي وقعت اتفاق أوسلو. وتبعت ذلك سيطرة حماس بالقوة على قطاع غزة ومؤسسات السلطة عام 2007.


تسببت هذه الأحداث في فرض حصار خانق على الشعب الفلسطيني، ما زاد من التوترات السياسية والاجتماعية بين الفصائل الفلسطينية، وأسهم في تفاقم حالة الانقسام وتعميق الحزبية وتبادل الاتهامات لتشكل عقبة أمام توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية، حيث احتدمت الحزبية بشكل علني وألغت إرث الأحزاب النضالي في مواجهة الاحتلال.


مع تزايد التباين بين الفصائل الفلسطينية، وضعف التنسيق بينها وتفكك الجبهة الداخلية. استغل الاحتلال الإسرائيلي هذا الوضع لتعزيز قبضته على الأراضي الفلسطينية. هذا الانقسام الداخلي ترك أثرًا كبيرًا على الشعب الفلسطيني، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي، وزاد من صعوبة الوصول إلى حلول للنزاع مع الاحتلال.


اندلاع الأحداث في السابع من أكتوبر 2023، وما تبعه من عدوان شرس على غزة وتصعيد كبير في الضفة الغربية، أدى إلى تصاعد حدة الانقسامات الحزبية. تنوعت المواقف بين من يدعمون المقاومة كخيار استراتيجي ومن يرون أن الأحداث كشفت الحاجة إلى إعادة تقييم مسار القضية الفلسطينية، مؤكدين أن الخيار السياسي والدبلوماسي قد يكون أفضل في ظل الخسائر الكبيرة من تدمير وشهداء وجرحى وعدم توازن القوى.


كل هذه الأسباب وغيرها أظهرت بوضوح أن الحزبية الفلسطينية أسهمت في تدهور الوضع السياسي. فعلى المستوى الدولي، بات الانقسام الفلسطيني يُعتبر عقبة رئيسية أمام الحلول، وأصبح أداة بيد بعض الجهات الإقليمية لتنفيذ أجنداتها من خلال الأحزاب المنقسمة. هذا الانقسام انعكس على الثقة بين الفصائل، وظهر جليًا في فقدان الشعب الفلسطيني الثقة في نداءات الأحزاب، خصوصًا في غزة بعد سنوات من الحرمان والحصار وصولاً إلى حرب إبادة وفي الضفة مع عدم وجود انتخابات وسيطرة الحزب الواحد لقرابة العقدين.


في سياق وخطط العلاقات العامة، نعمل دائماً على أن الجمهور هو أساس أي عملية ناجحة. كذلك، الأحزاب التي تقرر باسم الشعب يجب عليها أن تعي أن الشعب الفلسطيني ليس موحدًا في دعمه لها. آلاف الفلسطينيين لا يتبعون أي حزب ويظل صوتهم غائبًا في ظل الانقسام. حتى داخل الأحزاب نفسها، هناك انتقادات كبيرة لطريقة الإدارة وإدارة الخلافات. هذا يشير إلى ضرورة إعادة النظر في الواقع الحزبي والابتعاد عن الاعتقاد بأن جميع الفلسطينيين ينتمون لنفس التيار ومخاطبة الشعب بلغة واضحة سليمة وواقعية بل ومصارحته بالواقع والأهداف المعلنة والخفية.


اليوم، أصبحت الحزبية والتخوين المتبادل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والشاشات أمرًا مؤلمًا للفلسطينيين. نحن بحاجة إلى قانون يجرّم التعصب والتخوين وإن كان قانوناً شعبياً ينبذ به العقلاء أي مظهر من مظاهر التعصب الحزبي، مع التأكيد على ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية والهدف الوطني هو المعيار الذي يجمعنا.


وإن بحثنا في أساس الخلافات والانتقادات الحزبية سنجد أن أساسها يعود لاتفاق أوسلو وتبعاته، شكل المقاومة مسلحة أم سياسية ودبلوماسية، أسلوب وطريقة الحكم في الضفة وغزة، والفساد وأشكاله، الأمن وتحقيقه، والقرار الفلسطيني داخلي أم تابع لجهات خارجية، هذه القضايا الأساسية التي ينتج عنها خلافات حزبية ودفاع عنصري وجميعها تحتاج إلى نقاش ودراسة ومن ثم معالجة بحذر، الأهم هو تجاوز هذه الخلافات وتقريب وجهات النظر لصالح الشعب الفلسطيني.


الكارثة الأكبر التي أفرزتها هذه المرحلة هي امتداد الانقسام الحزبي إلى عمق المجتمع الفلسطيني، لم يعد الانقسام محصورًا في النخب السياسية أو الإعلامية، بل أصبح يطال الأفراد داخل المجتمع الواحد وحتى داخل العائلة الواحدة، هذا الانقسام يشكل خطرًا حقيقيًا على النسيج الاجتماعي الفلسطيني، الذي كان دائمًا أحد ركائز الصمود في وجه الاحتلال.


ومما عمق الكارثة الحزبية غياب المحاذير في الخطاب الإعلامي للناطقين باسم الأحزاب الفلسطينية وتعصبهم الذي يعمق الانقسامات الداخلية وينقل صورة سلبية عن الخلافات إلى الشعب والعالم الخارجي، مما يضر بالقضية الفلسطينية. الحل يكمن في توحيد الخطاب الإعلامي بما يضع المصلحة الوطنية فوق المصالح الحزبية، وتدريب الناطقين الرسميين على تبني خطاب مهني ومسؤول يعكس معاناة الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته بدلاً من التركيز على الانقسامات والاتهامات، فما نشاهده أحيانا من "سجال وردح إعلامي" يُهيمن على بعض الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي التي تستغل الانقسام والتعصب لتحقيق أجنداتها، لا يقدم حلولًا فعلية ولا يسهم في إثراء النقاش العام، بل يقتصر على تراشق الاتهامات وتصعيدها.


للخروج من أزمة الحزبية، لا بد من تعزيز قيم الحوار والاحترام المتبادل داخل المجتمع الفلسطيني، سواء بين الأفراد أو الأحزاب، والأحزاب وأبنائها بالتدريب على تقبل الآخر ولغة الحوار ونبذ ثقافة "إن لم تكن معي فأنت ضدي" التي أصبحت عقبة رئيسية أمام التفاهم الوطني؛ يجب التخلص منها لصالح بناء مجتمع متماسك قادر على مواجهة التحديات المشتركة.


إن تجاوز آثار الحزبية يتطلب توعية واسعة النطاق وإرادة تركز على توحيد الصفوف حول القضايا الوطنية الكبرى. تعزيز قيم المواطنة التي تضع فلسطين فوق أي انتماء حزبي وترسيخ الثقة بين مكونات المجتمع الفلسطيني عبر الحوار البناء هو الحل.


الحزبية المقيتة لم تجلب سوى الكوارث على الشعب الفلسطيني. اليوم، يجب أن يكون هناك وعي جماعي بضرورة تجاوز هذا الواقع المؤلم والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية باعتبارها السبيل الوحيد لإنقاذ القضية الفلسطينية. إن تحقيق الوحدة الفلسطينية يتطلب إرادة سياسية ومجتمعية، وجهودًا مستمرة لتجاوز الخلافات، هذه الوحدة ليست مجرد مطلب سياسي، بل هي الضمان الوحيد للصمود أمام العدوان الإسرائيلي وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.


اليوم، نحن في أمسّ الحاجة إلى ظهور أطراف جديدة قادرة على تجاوز الانقسامات والتحديات التي تواجهنا كفلسطينيين. يمكن أن تتمثل هذه الأطراف في شخصيات وطنية مستقلة، مؤسسات مجتمع مدني، أو مبادرات شعبية تحمل رؤية وحدوية شاملة، تضع المصلحة الوطنية فوق المصالح الحزبية الضيقة والانطلاقة تبدأ من الحوار داخل الحزب الواحد أولاً، لتجاوز هذه الانقسامات وتغيير حقيقي في طريقة تفكير الأفراد والمجتمع. يجب أن نعمل على تقبل الآخر والاستماع له، والتفكير بشكل جماعي بدلاً من تكرار الأخطاء التي جعلتنا ننغمس في الخلافات والتعصب الحزبي. فإذا كانت الأحزاب تسهم في تأجيج العصبية الحزبية وتوسيع الفجوة بيننا، فإن المبادرات الشعبية، وخصوصًا من الأفراد، ينبغي أن تكون بمثابة الحافز لتجاوز هذه العوائق، لتكون بداية مرحلة جديدة تتسم بالتعاون، والحوار، وتقبل التنوع في الرأي.


إن بناء الوحدة الوطنية يتطلب منا أن نكون يداً واحدة، وألا نسمح لتلك الفروق أن تكون حاجزًا يمنعنا من بناء المستقبل الذي نريده. فقط من خلال الحوار المفتوح، والاحترام المتبادل، والابتعاد عن الأيديولوجيات التي تقسمنا، سنتمكن من الوصول إلى طريق الخلاص وتحقيق أهدافنا الوطنية.

دلالات

شارك برأيك

التعصب الحزبي.. الكارثة الأكبر التي تهدد القضية الفلسطينية

المزيد في أقلام وأراء

أكبر كارثة في العالم ..تحصل في غزة

حديث القدس

الديمقراطيون".. وتحليل أسباب الهزيمة

جيمس زغبي

سوريا ما بعد الأسد وانعكاساتها على القضية الفلسطينية

فراس ياغي

أهمية "بوصلة فلسطين" في هزيمة "جنرال التجهيل"

د. أسعد عبد الرحمن

الدول العربية المنسية عربياً

جواد العناني

صمت المجتمع الدولي إزاء الفظائع ، و الكلاب التي تنهش جثث الشهداء في غزة

د. الباقر عبد القيوم على

عندما يتسابق جنود الاحتلال ويتباهون بقتل المدنيين

حديث القدس

غزة بين المذبحة والمأساة.. رؤية الرئيس أبو مازن وإفشال مخططات الاحتلال

إياد أبو روك

وجع غزة غير المسبوق

حمادة فراعنة

سوريا في لحظة "الانتقال".. ألغام يتعين تفكيكها

عريب الرنتاوي

سوريا تحت الانتداب التركي والاحتلالين الإسرائيلي والأمريكي

راسم عبيدات

بين خطة الضم وتطبيق صفقة القرن هناك انقلاب هادئ

المحامي مدحت ديبه

منح ملكية سخية لتذهيب قبة الصخرة وتأسيس جامعة ارثوذكسية

كريستين حنا نصر

تغيير المجتمعات العربية -أدونيس.. مرّةً أُخرى-

المتوكل طه

في مواجهة خطّة اجتثاث الأمل

عوض عبد الفتّاح

من هو البديل لإيران؟

حمادة فراعنة

قضية الأسرى الفلسطينيين إلى أين؟

عقل صلاح

قداسة البابا فرنسيس والرئيس عباس: رجلا سلام

الأب إبراهيم فلتس نائب حارس الأراضي المقدسة

حركة "فتح" وسوريا الجديدة

بكر أبوبكر

إسرائيل تستغل المرحلة الانتقالية كي تدمر قدرات سورية العسكرية

ماهر الشريف

أسعار العملات

الخميس 19 ديسمبر 2024 9:56 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

يورو / شيكل

بيع 3.76

شراء 3.76

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%57

%43

(مجموع المصوتين 273)