Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 23 ديسمبر 2024 9:56 صباحًا - بتوقيت القدس

من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟ الحلقة الثانية

ما فعله طوفان الأقصى عمليًا أنه اختبر محور المـ.ـقـ.ـاومة في مهمته النظرية، فجرّه إلى تكريس معظم قواه إلى خط الصراع مع الاحتلال بكل ما يقتضيه ذلك من أثمان، وهذا فرض بالضرورة تقليل قدرة المحور على التركيز في خطّي الصراع الثاني والثالث، وأمام الطبيعة الرخوة للمحور وعدم تحوله إلى حلف، فإن طوفان الأقصى كان قرارًا من حماس اختبر جاهزية بقية المحور.


نتج عن ذلك في لبنان استجابة فورية من "حزب الله" الذي فتح جهدًا عسكريًا عرّفه بـ "جبهة إسناد" في الثامن من أكتوبر 2023، انتهى إلى حرب إلغاء شاملة عليه بمجرد تمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من نقل تركيزه النسبي عن غزة والضفة، كان من الواضح فيها أنه ينفذ حرب تصفية معدة مسبقًا وبعناية، وكان طوفان الأقصى هو الذي فعّلها وليس من أنشأها. ورغم الهجوم المباغت الكبير والخسارة البشرية والمادية المؤلمة والنوعية، تمكن الحزب من التماسك والرد والتصدي للتوغل البري، وصولًا إلى هدنةٍ وضعت الإسرائيليين في أفضلية عن الوضع الذي كانوا فيه بعد حرب عام 2006. بناء على ذلك، فإن "حزب الله" اليوم أمام تحديات متعددة بدءًا من كيفية ترميم نفسه وحاضنته من آثار الحرب، وكيفية التموضع مع انقطاع خطوط الإمداد البري وزيادة وطأة الرقابة الأميركية على لبنان، وكيفية حماية الذات بما يحفظ موقع جبل عامل باعتباره قوة مـقاومة تتمكن من حماية نفسها من التغول الإسرائيلي وتؤدي دورًا في مواجهته، خصوصًا أنه كان سباقًا إلى فرض نماذج استلهمت في الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 وفي حرب عام 2006.


أما في سوريا حيث تتقاطع خطوط الصراع الأربعة بحدة، فقد أدى الصراع الدولي إلى انشغال روسي مركزي في حرب أوكرانيا، بينما أدى طوفان الأقصى وسلوك النظام السوري إلى سحب كثير من الحضور الإيراني وفواعل ما دون الدولة المنخرطة معه، وأدت حرب الإلغاء الإسرائيلية على "حزب الله" إلى سحب قدر كبير من قواته، ففتح هذا بوابة تاريخية لاختلال القوى، طرقتها قوى الثورة التي كانت محاصرة في منطقة خفض التصعيد في إدلب، لتطلق عملية عسكرية من أجل توسيع جغرافيتها، سرعان ما تدحرجت إلى إسقاط النظام في 11 يومًا مع انكشاف مدى هشاشته. 


تواجه السلطات الجديدة الناشئة في دمشق تحديات داخلية كبيرة لجهة بسط سيطرتها وحفظ الأمن والحفاظ على وحدتها واستيعاب عودة اللاجئين والإعمار وتحقيق العدالة؛ إلا أن كل هذه التحديات الداخلية تأتي مع استمرار تقاطع خطوط الصراع الأربعة أعلاه في سوريا التي ما تزال محل تطلع روسي للمياه الدافئة، وتطلع أميركي لطرد الروس منها، أما "إسرائيل" فسرعان ما سعت إلى محاولة كيّ وعي القوى الجديدة بأنها قادرة على تهديد دمشق في أي لحظة، وأن ضمان أمنها والتطبيع تحت سيفها من متطلبات بقائهم واستتباب الأمر لهم، كما أن التنافس التركي - الإيراني مستمر في سوريا بتأكيد ردود الفعل الأولى. 


وأمام هذه التقاطعات يغدو تحقيق الشعب السوري لإرادته بالحرية مهددًا من جديد أن يصبح هامشًا على صراع دولي وإقليمي، وهو ما يفرض على القوى الجديدة في سوريا أن تتصدى للتحديات الخارجية بالجدية ذاتها التي تتصدى بها لتحدياتها الداخلية وربما بجدية أكبر، لأن الانكفاء في سوريا ليس خيارًا.


الحدث السوري ربما لا يكون عابرًا في العمق العربي كذلك، فموجات الثورات السابقة في 2010 و2018 تقول إن العدوى ظاهرة ملازمة لها، ما يعني أن احتمال تجدد هذا النسق ممكن اليوم كذلك وإن لم يكن حتميًا بالضرورة.


إيران اليوم في المقابل، أمام تحدي تجديد شكل تحالفاتها وعلاقاتها بالمنطقة، فمحور المـقـاومة بعدما تكبده في ميدان الصراع من أثمان لم يعد بالتماسك الذي يسمح بتسميته محورًا، خصوصًا مع فقدانه النفوذ في سوريا، لكن التحدي الإسرائيلي مستمر وربما يتزايد بعد هذه التجربة، ما سيفرض أولًا ضرورة البحث عن حلول جديدة لتجديد تحالفات قوى المـ.ـقـ.ـاومة، وربما يدفع الدولة الإيرانية ثانيًا للمضي قدمًا لامتلاك القنبلة النووية بعد فقدان جزء مهم من قدرات الدفاع والمشاغلة المتقدمة، كما أنه يفرض ثالثًا التطلع إلى شكل جديد من العلاقات التي تعزز الثقة عبر الحدود المذهبية وتتجاوز تجارب العقود الماضية المؤلمة.

 

هل تُترك غزة في عزلتها؟

أمام هذا كله تمسي غزة التي أطلقت الزلزال أكثر عزلة أمام عدو استعاد جزءًا من اتزانه - ولو مؤقتًا - بما فرضه على الجبهات الأخرى، وبما حققه من دمار شامل للقطاع بشكل يسمح له بالرهان على أنه لن يعود قابلًا للحياة، رغم أن كل هذا الدمار لم يمنع أن تستمر المواجهات في بؤره الأكثر تضررًا في جباليا وبيت لاهيا حتى اليوم، ما يعلن إفلاس الخيار العسكري في القضاء على المـ.ـقـ.ـاومة أو استعادة الأسرى حتى وإن كان قادرًا على التدمير، الأمر الذي يفرض البحث عن فرصة لوقف الاستنزاف والتقاط الأنفاس ومحاولة ترميم ما يمكن ترميمه، خصوصًا أن المفاجأة السورية ربما تشجع إسرائيل والولايات المتحدة على وقف الحرب ولو مؤقتًا. 


أخيرًا، لا بد من التنبه إلى أن محاولة التصفية الصهيونية–الأميركية لفلسطين وقوى المـقاومة مصحوبة أيضًا بمعارك تصفية داخلية عند الطرفين: الصهيونية الدينية تمرر مشروع تغيير عميق لبنية الاحتلال تحت مظلة الحرب، أما ترامب فقد جاء بأجندة تغيير عميق في شكل النظام السياسي الأميركي بالقدر ذاته الذي يحمل مقولات تصفوية تجاه فلسطين وقوى المـقـاومة، ما يسمح بالتعويل الجاد على مفاعيل الخلخلة الداخلية في الجبهتين الإسرائيلية والأميركية والتي يتوقع أن تتفجر أكثر كلما اقتربت الاستحقاقات الانتخابية: إذ إن الاستحقاق الإسرائيلي القادم في نهاية شهر 10-2026، أما الاستحقاق الأميركي القادم فهو انتخابات التجديد النصفي في شهر 11-2026.


في الخلاصة، يمكن التوصل إلى الخطوط العامة الآتية:


أولًا: أدى تزامن خطوط الصراع الأربعة وتقاطعها إلى تعقيد المشهد العربي والإسلامي، وإلى منحِ مساحات تقدمٍ مجانية لـ "إسرائيل"، بات من المستحيل إنكارها بعد تجربة الطوفان وما تبعه من اختبار لأولوية الصراع ضد الصهيونية والصهونية الدينية على خطوط الصراع الداخلي؛ وبناء على ذلك فإن تحسن البيئة الاستراتيجية لأي مشروع تحرري ضد الاحتلال والاستعمار مرهون بقرار إيلاء الأولوية لهذا الصراع على الصراعات الداخلية، وبالذات من طرف الفاعلين الإقليميين الأساسيين وأهمهم إيران وتركيا، ومن طرف قوى الثورة المنتصرة حديثًا في سوريا كذلك.


ثانيًا: المرحلة المقبلة مفتوحة على احتمالات مفاجآت جديدة في الإقليم، خاصةً مع نجاح الثورة السورية في إسقاط نظام الأسد واحتمالية تحول ذلك بالعدوى إلى موجة ثورات كما حصل في 2010 و2018 وإن لم يكن حتميًا، وكذلك مع احتمالية تطلع "إسرائيل" للمضي في حرب تصفية للقوة الإيرانية باعتبار أن هذا هو الوقت المواتي لها قبل أن تجعل من امتلاك السلاح النووي أولوية لها بسبب مستجدات المنطقة.


ثالثًا: المرحلة القادمة تتطلب الصمود ومنع التراجعات، ومحاولة تقليل الاستنزاف قدر الممكن ومد جسور توحيد الصف وتجاوز أحقاب الدم السابقة التي ثبت بالتجربة استحالة الحسم فيها وضررها على المسار الاستراتيجي للصراع ضد الصهيونية والهيمنة الغربية التي تمثلها، والبحث عن أبواب ومساحات جديدة لفتح أبواب المقاومة لحين بدء الاختلالات التي تفرضها معارك التصفية الداخلية الإسرائيلية - الأميركية والمتوقع أن يكون مدى تجليها التدريجي عامين حتى شهر 11-2026.


رابعًا: ربما لم يعد من المخاطرة القول بأن فراغًا جديدًا نشأ اليوم في قوى المـقاومة يفتح المجال لنشأة قوى جديدة، تملأ فراغ القوة وتعدل الميزان وتعمق الاستفادة من الخلخلة في الجبهة الإسرائيلية الأميركية وتعوض غياب فكرة المحور، وربما تكون الضفة الغربية والقدس مسرحًا لذلك، وربما تتجدد المفاجآت بالمقابل، على نسق ما يحصل منذ السابع من أكتوبر.

دلالات

شارك برأيك

من الطوفان إلى ردع العدوان.. ماذا ينتظر منطقتنا العربية؟ الحلقة الثانية

المزيد في أقلام وأراء

في ربع الساعة الأخير للإدارة الموشكة على الرحيل!

حديث القدس

العام الثلاثون.. حلم جميل وواقع أليم

الأب إبراهيم فلتس نائب حارس الأراضي المقدسة

بلورة استراتيجيات للتعامل مع الشخصيّة المزاجية – القنبلة الموقوتة

د. غسان عبدالله

احتفالات الميلاد.. تغيب للسنة الثانية عن أرض الميلاد

راسم عبيدات

جحيم الإبادة في شمال القطاع

بهاء رحال

قيادات قيد التحقيق لدى المستعمرة

حمادة فراعنة

تصريحات بابا الفاتيكان وجيك سوليفان

د. أحمد رفيق عوض

يمكننا تحقيق حل الدولتين ولكن ذلك يتطلب تغيير طريقة تفكيرنا وقيادة الشعبين

جرشون باسكين وسامر سنجلاوي

عندما تصبح جثامين الشهداء هياكل عظمية

حديث القدس

الرضيعة عائشة القصاص تجمد جسدها حد الموت

بهاء رحال

ترامب.. الرئيس القوي

د. ناجي صادق شراب

نحن لا نتضامن مع جنين.. نحن لسنا إلا جنين نفسها!

د. رمزي عودة

الأمن العربي في خطر.. البداية فلسطين والدول المحيطة

فوزي علي السمهوري

الاستيطان والاحتلال والفكر البراغماتي

د. دلال صائب عريقات

دولة الزينكو...

حسام أبو النصر

الذكاء الاصطناعي: أداة ربات البيوت الفلسطينيات في إدارة المنزل وتدريس الأبناء

بقلم : صدقي ابوضهير " باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

من أنا؟ الذكاء الاصطناعي يجيب!

عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

أنفاسٌ مكتومةٌ تحت الركام!

ابراهيم ملحم

أكبر كارثة في العالم ..تحصل في غزة

حديث القدس

التعصب الحزبي.. الكارثة الأكبر التي تهدد القضية الفلسطينية

شادي زماعره

أسعار العملات

الخميس 19 ديسمبر 2024 9:56 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.61

شراء 3.6

يورو / شيكل

بيع 3.76

شراء 3.76

دينار / شيكل

بيع 5.09

شراء 5.08

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 287)