ليس ثمة ما هو أكثر عجباً، ولا أشدّ إدهاشاً من أن يواصل التاجر تجارته، بينما تتضاعف يوماً بعد يومٍ خسارته!

ما يصحّ في التجارة يصح أيضا على السياسة ، ذلك أن السياسي الذي يواصل سياساته، وتكرار خطاباته، بهندام لغويّ مكرور، دون أن يلتفت إلى رصيده النازف، وحسابه المكشوف، إنّما يخاصم الحكمة. هذا على مستوى الرصيد الشخصي، فما بالك إذا كان الرصيد ينزف من الحساب الوطني، فإن الأمر يستدعي إِعمال العقل والتفكير، وإجراء المراجعات والحسابات والتحسبات، لوقف النزيف فوراً.

المراجعات، رغم أنها لم تكن يوماً من تقاليد السياسات الوطنية، تحت تأثير الشعور بالزهو والانتشاء، وتضخم الذات، فإنها وفي اللحظة المحتدمة التي بات فيها الوجود الوطني بين قوسين، تصبح فرض عين على كل من له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.

الجرأة والتواضع والمصارحة، مقدمات تفرضها الضرورات في أية مراجعات، بغية وقف سيل الخسارات على جميع المستويات.

بالحسابات الساخنة في اللحظة الصادمة، فإن ما أصاب شعبنا في قطاع غزة، طيلة أحد عشر شهراً من حرب الإبادة المستعرة، وما يجري في الضفة من عمليات تنكيل وقتل وتهديم، بلغت ذروتها في حرب المخيمات، بات يلامس الطامة الكبرى.

في الإجابة على أسئلة اللحظة الدامية، يتقدم فعل المكاشفة، كإجراء ضروري في تحديد حصتنا من المسؤولية، قادةً وفصائل، وأفراداً مثقفين ومفكرين، ومواطنين عاديين.

 نعرف أن ما يجري إنما هو عرض للمرض العضال الذي هو الاحتلال، بيدَ أن تحديد المسؤوليات من أفعال الشرط اللّازمة، لجسر الفجوات، وسدّ الثغرات، لتوحيد المواقف والبرامج والسياسات، والعمل على درء المفاسد وسحب الذرائع، قبل جلب المنافع.

ما نعانيه من نق في الأموال والأنفس والثمرات وفي البرامج والسياسات، إنما يصبّ ربحاً صافياً في رصيد أعدائنا.

نحيب الأمّهات المفجوعات بفلذات الأكباد، وأنين الأطفال الجرحى والمرضى والجوعى في المستشفيات والمدارس والخيام يستحق منّا التواضع، استجابة لمعاناة شعبنا، وتمكين صموده وبقائه على أرضه، فسلاح الحياة يفوق أي سلاح  في مواجهة عدوٍّ حسم أمره على إبادتنا وتهجيرنا من أرضنا دون أن يحرك العالم ساكنا... فالتاريخ لن يرحمنا.