فلسطين
الإثنين 26 أغسطس 2024 8:56 مساءً - بتوقيت القدس
فاروق القدومي.. المحارب الوطني والممثل الدبلوماسي في المحافل الدولية
رام الله -"القدس" دوت كوم- غسان شربل- الشرق الأوسط
نجاح الثورة الجزائرية ترك صداه وساهم في قيام العمل الفدائي في المشرق العربي
عند الانطلاقة اتهمنا "القوميون العرب" بـ"الثلاث تاءات": توريط لمصر وتوقيت خاطئ والتنسيق
اصطحب عبد الناصر "أبو عمار" معه إلى الاتحاد السوفييتي فبدأت العلاقات بين موسكو والمنظمة
السادات أخبرنا بقرار حرب أكتوبر ونية الجيش المصري عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف
القضية الفلسطينية هي الأولى بالنسبة إلى سوريا وإلا فلماذا قدمت ما قدمت
صدام كان كريماً معنا خصوصاً بعدما أصبح رئيساً وكل مطالبنا تستجاب وبسرعة
السعودية تأتي في طليعة الداعمين للمنظمة ودول الخليج ساعدت الشعب الفلسطيني كثيراً
لا يمكن كتابة قصة العقود السبعة الماضية في العالم العربي من دون التوقف طويلاً عند قصة حركة "فتح". ولا يمكن كتابة قصة "فتح" من دون التوقف عند دور فاروق القدومي (أبو اللطف) الذي كان واحداً من أبرز حلقة المؤسسين، التي لم يبق منها سوى الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، الذي شاءت الأقدار أن يشهد من موقعه الحالي النكبة الجديدة التي ألحقتها حكومة بنيامين نتنياهو بقطاع غزة.
غاب القدومي (الخميس 22 آب /أغسطس 2024). غلبته التسعينات. وكان اسمه غاب في العقود الثلاثة الماضية بعد معارضته خيار "اتفاق أوسلو"، وتخوّفه من أن تحوّله إسرائيل فخاً للقيادة الفلسطينية وشعبها. قبل هذا الافتراق كان القدومي نجماً فلسطينياً حين كان يحمل القضية بوصفه وزير خارجية منظمة التحرير إلى المحافل الدولية. كان واضحاً وصارماً في مداخلاته في الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز والقمم العربية والإسلامية، ومثلها في علاقات منظمة التحرير الدولية.
عارض القدومي الوافد أصلاً من حزب "البعث". سألته ذات يوم عن الاتهامات التي كانت توجّه إلى الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) بالتفرد، فردّ مبتسماً: "أبو عمار شيخ قبيلة فتح، وبحسب أعرافنا يجوز لشيخ القبيلة ما لا يجوز لغيره". ملاحظاته على أسلوب عرفات لم تدفعه يوماً إلى التشكيك بأنه قائد الشعب الفلسطيني و"أول من دخل إلى الأراضي المحتلة وأعدّ الخلايا للانطلاقة".
في التسعينات كنتُ مهتماً بجمع الروايات الفلسطينية. في 1998 التقيت القدومي في حوار ذكريات في تونس تحدث فيه عن أبرز المحطات. لمناسبة وفاته رأيت أن أشرك قرّاء "الشرق الأوسط" في جانب من روايته.
قرار حرب 1973
* لماذا أطلعكم الرئيس أنور السادات على قرار حرب 1973 وكيف؟
- كنا نعيش في مصر بعد خروجنا من الأردن في 1970. ذات يوم، وقبل أسابيع من أكتوبر 1973، اتصل شخص من مكتب الرئيس المصري بالأخ "أبو إياد"، وطلب منه الحضور للاجتماع بالرئيس السادات. ذهبنا إليه في برج العرب. رحب بنا وقال: "لا بد أن أبلغكم بخبر مهم. بعد فترة من الزمن ستنطلق الشرارة وسيعبر الجيش المصري قناة السويس ويدمر خط بارليف وبعد وصوله إلى عشرة كيلومترات وراء القناة ستتدخل الدول الكبرى وتحوش (تتدخل) بيننا وسيُدعى (إلى) مؤتمر جنيف من أجل عقد محادثات سلام. وأنا عاوزكم أن تستمروا بعد ذلك في العمل الفدائي. المطلوب تحضير عدد من المشاركين في العمل الفدائي. المطلوب تحضير عدد من المجاهدين (400 فدائي) ليمارسوا العمل الفدائي وراء خطوط العدو". وطلب منا إبقاء الأمر سراً (كان المقصود عدم إبلاغ الرئيس حافظ الأسد)، وأن ننسق وصول الفدائيين مع محمد عبد السلام مدير المخابرات العامة آنذاك. حصل نقاش خلال الجلسة. كان الخبر مفاجأة لنا، وطرح الأخ "أبو إياد" أسئلة كثيرة عن درجة الاستعداد العسكري وآفاق المعركة وما إذا كانت للتحرير أم لتحريك الوضع السياسي. واهتم "أبو إياد" بإبلاغ الأخ "أبو عمار" وأعضاء القيادة بالأمر.
عندما اندلعت الحرب ذهبنا، الأخ "أبو إياد" وأنا، إلى قصر الطاهرة حيث كان الرئيس السادات، لنستطلع الأنباء. وحين رآنا، قال إن كل شيء على ما يرام. وكان تلقّى قبل وقت قصير برقية تفيد بأن الجيش المصري دمّر خط بارليف ويستكمل تدمير المواقع هناك أو محاصرتها. كان الرئيس السادات فرحاً بالإنجاز الكبير الذي تحقق بخسائر قليلة وكان يقول: "خلصنا من ضغط العرب". كان يوماً رائعاً بالفعل.
بعد أيام حصل الاختراق (الدفرسوار) وانقلبت الصورة وأُعلن وقف إطلاق النار. الحقيقة أنه كان هناك رأي يقول إن الجيش المصري كان قادراً على تصفية شارون وقواته، لكن ذلك لم يحصل، وحُكي عن التدخل الكثيف للولايات المتحدة لدعم إسرائيل.
علاقة السادات بالقيادة الفلسطينية
* كيف كانت علاقة الرئيس السادات بالقيادة الفلسطينية؟
- الحقيقة أنها كانت علاقة جيدة. ذات يوم ذهبنا إليه وكانت الساعة الثانية عشرة ظهراً وكنا قبل ذلك مررنا على أمين هويدي (كان قد تولى رئاسة المخابرات العامة المصرية ووزارة الحربية في عهد جمال عبد الناصر). سأل الأخ أبو عمار الرئيس السادات عن الأحوال فأجابه: "دول كلهم حشتهم حش، ما فيش مراكز قوى، خلاص، خلصنا منها". فوجئنا وابتسمنا. وقال له أبو عمار: "كنا قبل ساعتين في مصر الجديدة وزرنا الأخ أمين هويدي"، فابتسم السادات وقال: "أنت خرجت من هنا وأنا حشتو (اعتقلته) من هنا". كان صارماً حاسماً في هذه المسألة.
* وقرار طرد الخبراء السوفييت؟
- كان قراراً مفاجئاً. كانت السفارة السوفييتية قريبة من مقر إقامة السادات. ذهبت للقاء السفير بولياكوف في السفارة ولعلني كنت العربي الوحيد الذي فعل ذلك، فقد كان معزولاً وأخبرني أنه فوجئ تماماً بالقرار. حصل ما حصل، وتردد أن السادات قال لهنري كيسنجر بعد ذلك إنه يجب إعطاء مصر مكافأة على طرد الخبراء السوفيات، فرد كيسنجر: "يا سيادة الرئيس كان عليك أن تطلب ذلك قبل طردهم".
"أبو عمار" سجيناً في سوريا ثم في لبنان
* منذ متى تعرف الرئيس حافظ الأسد؟
- منذ الستينات وكان وزيراً للدفاع. في 1966 حصلت أحداث واستشهد ضابطان من شبابنا في "فتح" هما يوسف عرابي ومحمد حشمة نتيجة ملاسنة. بعد الحادث أُدخلت قيادة "فتح" السجن: "أبو عمار" و"أبو جهاد" و"أبو صبري" و"أبو علي إياد" وآخرون. شملت الاعتقالات نحو 11 قيادياً. جئت مع زميل لنا لمعالجة هذا الموضوع واتصلنا بصلاح جديد وحافظ الأسد وأحمد سويدان (رئيس الأركان السوري).
كان اللقاء مع الأسد جيداً. وفي الواقع كانت هناك اتهامات موجهة إلى شعبة فلسطين في حزب "البعث" وكان يتردد أن "أبو عمار" ورفاقه من "الإخوان المسلمين" لكنهم فوجئوا بوجودي في هذه الثورة وأنا لا علاقة لي بـ"الإخوان" وانتمائي إلى حزب البعث معروف.
أمضى عرفات في الاعتقال نحو 51 يوماً، وكان في سجن المزة بعد إخضاعه لتحقيق كامل. ذهبنا إلى الأسد وكان وزيراً للدفاع، وتحدثنا معه وقلنا له: ثمة إشاعات بأن القيادة السورية تريد إعدام المعتقلين، فأجاب: من قال لكم ذلك؟ قلنا: إنها إشاعات في دمشق. فقال: تفضّلوا واذهبوا وتسلّموهم.
ذهبنا وأخرجنا "أبو عمار" والأخوة، وبقي اثنان منهم هما أبو يحيى وأبو العبد العقلوق أعضاء "المجلس الثوري"، وقد حُوكما لاحقاً. وكان رئيس المحكمة العماد أول مصطفى طلاس وحكم بالبراءة، لكن بقي عبد المجيد زغموم معتقلاً في ذلك الوقت.
وبعد فترة قصيرة شارك "أبو عمار" في عملية فدائية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية واعتقل في لبنان. اعتقل الجيش اللبناني المجموعة الفلسطينية وفي النهاية تمكنا من الإفراج عن "أبو عمار" ورفاقه بعد وساطة سورية مع اللواء سامي الخطيب الذي كان ضابطاً في "المكتب الثاني" وكان على رأس هذا الجهاز المقدم غابي لحود.
لاحقاً تفرغنا أنا والأخ "أبو أياد" وبقينا في سوريا ثم ذهبنا إلى الأردن ووقعت أحداث 1970 فخرجت أنا إلى مصر.
* مرت العلاقة بين القيادتين السورية والفلسطينية بمراحل صعبة، أي المراحل كانت الأصعب؟
- مرحلة 1976 عندما دخل الجيش السوري لبنان، وكانت "الحركة الوطنية" في لبنان تعارض هذا الدخول، ونحن كنا نعتقد بأن وجود الجيش السوري في لبنان ربما يؤدي إلى صدام مع الثورة الفلسطينية، وكانت هناك "جبهة الرفض الفلسطينية" التي كنا على خلاف معها.
سوريا والقرار الفلسطيني
* هناك جهات فلسطينية اتهمت سوريا بمحاولة وضع اليد على القرار الفلسطيني؟
- ليست قضية وضع يد على القرار الفلسطيني. معروف أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى بالنسبة إلى سوريا وموضع اهتمامها الأول وإلا لماذا قدمت ما قدمت. يجب أن نفرّق بين هذا وذاك. الرئيس الأسد والأخوة في القيادة السورية قالوا أكثر من مرة إن الفلسطينيين يحكمون القرار السوري ولا نحكم نحن القرار الفلسطيني. علاقاتنا مع الرئيس الأسد قوية ومستمرة، وباستمرار كان هناك تنسيق. وفي اللقاءات كان الرئيس الأسد يشدد على التحالف الاستراتيجي بين سوريا والثورة الفلسطينية. إنه إنسان بعثي، وربما لهذا السبب قد أكون الأقدر على فهمه بسبب خلفيتي الحزبية. أكثر من 60 في المئة من موازنة سوريا كانت موضوعة عملياً في تصرف هذه القضية.
* هل كان الرئيس الأسد يسجل ملاحظات على سلوك المقاومة الفلسطينية في لبنان؟
- لا، إلى أن اصطدمنا بالجيش السوري. عندها كان السؤال: لماذا تعترض المقاومة الفلسطينية على دخول الجيش السوري؟ الرئيس الأسد شخصية هادئة يستمع بإصغاء للجميع. صبور ومثابر.
يُعجب به محدثه، إذ لديه القدرة على التحدث في مواضيع متعددة لساعات طويلة. صاحب نفس طويل لا يتوافر لدى كثير من الزعماء أو رؤساء الدول.
لا يبدأ حديثه عادة في الموضوع السياسي. أحياناً يبدأ بالحديث عن الطقس ويترك لزائره فرصة طرح ما يريد ويناقشه في آرائه. لديه إلمام بمواضيع متعددة.
العلاقة مع العراق والرئيس صدام حسين
* وعلاقتك مع الرئيس صدام حسين؟
- بعد 1968 تعرّفنا على الرفيق "أبو عدي". بعضنا عرفه في القاهرة عندما جاء في أعقاب مشاركته في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم. كنا نذهب إلى بغداد التي فتحت أبوابها لنا بعد معركة الكرامة وكنا نلتقي الرئيس أحمد حسن البكر ونائبه السيد صدام حسين. فتحنا مكاتب في العراق وكنا نجمع التمور والمساعدات.
* انشقاق "أبو نضال" أثار مشكلة مع العراق؟
- نعم ترك ظلالاً على العلاقات بين العراق ومنظمة التحرير.
* كان الاعتقاد أن القيادة العراقية تحرّك "أبو نضال"؟
- نعم كان لدينا مثل هذا الاعتقاد لكن التصرف العراقي كان ينطلق من فهم سياسي واضح. العراق لا يخفي مواقفه.
* وأسلوب صدام حسين؟
- يحاول أن يفهم محدثه وأن يحاوره. هادئ ويركز اهتمامه على محاوره ويحاول أن يفهم منطلقاته وأغراضه وهو لمّاح وعلى جانب من الذكاء.
* والقسوة؟
- لم تكن هناك قسوة في التعامل معنا. كانت كل مطالبنا تستجاب وبسرعة وكان كريماً معنا خصوصاً بعدما أصبح رئيساً. قدّم العراق الكثير.
* هل كان البكر متشدداً مع المقاومة؟
- كان صارماً، يشدد على أن حزب "البعث" هو الطريق، وأن على الثورة الفلسطينية أن تكون جزءاً من الكيان العربي الكبير.
* أنشأ العراق "جبهة التحرير العربية" وأنشأت سوريا "الصاعقة"، هل أثار ذلك حساسيات؟
- الواقع أن ذلك كان يعكس رغبة الفلسطينيين المقيمين في تلك الدول وقد اعتُبروا جزءاً من منظمة التحرير.
* عشية التسعينات بدت العلاقة بين منظمة التحرير والعراق قوية جداً؟
- نعم، فقد قدّم العراق دعماً متزايداً للمنظمة خصوصاً بعد خروجها من بيروت، ومرّت مرحلة جفاء بين المنظمة وسوريا ربما تكون ساهمت أيضاً في تعزيز العلاقة مع بغداد.
* هل كان العراق المصدر الأساسي لدعم المنظمة؟
- الحقيقة أن السعودية تأتي في الطليعة وقد قدمت الكثير، والإنصاف يقتضي القول إن دول الخليج ساعدت الشعب الفلسطيني كثيراً.
غزو الكويت
* ذهبت إلى بغداد بعد غزو الكويت... من التقيت؟
- التقيت السيد طارق عزيز وكانت بغداد بلا ماء ولا كهرباء. ذهبت لأطمئن. قال إن الأوضاع صعبة وإن بعض المتمردين يعيثون فساداً في الجنوب ثم انتقلوا إلى مدينة الثورة في بغداد لكن الجيش العراقي استطاع أن يضبط الأمور. تحدث طارق عزيز عما أصاب العراق.
* علاقتك بطارق عزيز قديمة كيف ترى أسلوبه؟
- يدرس الأمور بدقة وعناية ولا يبلور موقفاً إلا بعد التدقيق والتمحيص وهو هادئ الطبع لا ينفعل ويتحدث كأنه يقرأ من كتاب. يتكلم بشكل متسلسل. وهو كان أساسياً في الموضوع الفلسطيني مع العراق.
دلالات
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في القنيطرة السورية ويعتقل راعيا
الأكثر قراءة
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
فاروق القدومي.. المحارب الوطني والممثل الدبلوماسي في المحافل الدولية