أقلام وأراء
الخميس 21 سبتمبر 2023 9:06 صباحًا - بتوقيت القدس
رحيل قائد العاشقين ثلاثي لصناعة الهوية ورواية الرواية
حفرت فرقة العاشقين بقيادة مغنيها ومؤسسها الراحل حسين منذر بصماتها في وجدان شعبنا والأمة العربية، فاجيال وأجيال تم وسيتم التاثير فيها بخلق حالة إنفعالية ايجابية، متوترة، عبر أغانٍ عديدة للفرقة وبصوت الراحل منذر: (من سجن عكا طلعت جنازة) (أبو إبراهيم ودع عز الدين) ( إشهد يا عالم علينا وع بيروت) وغيرها الكثير، ولكن ذلكم التأثير لا يتوقف عند حدود (الحالة الانفعالية الإيجابية والمتوترة)، وكأنها مسألة لحظية سرعان ما تتلاشى بتلاشي لحظة الانفعال بالأغنية، كاي ومضة سريعة سرعان ما تزول، بل ليذهب التأثير بعيداً، حيث أن هذه الانفعالية تلعب دوراً رئيساً في إعادة صياغة الوعي، والذي بدوره يعد ركناً اساساً في تشكيل/صناعة الهوية الوطنية.
الهوية تصنع عبر سياسات عديدة وعلى مختلف الصُعد، هذا ما اتفق عليه مفكرو حقول العلوم الإنسانية والاجتماعية، وعندما يتقرر تناول حقب تاريخية لشعبنا، بطريقة فنية إبداعية، بكل الأشكال المعروفة، وكانت تلك الحقب قد تميزت برموز وأحداث نضالية هامة، فحينها نكون أمام قرار لإضافة رموز ومكونات جديدة للهوية، تجديد للهوية، ومنها بالأساس الرواية الوطنية. هذا ما نجح به الراحل منذر وفرقته العاشقين.
من أغنية الشهداء الثلاثة في العام 1929، محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي، مروراً بالمقاومة المسلحة للشهيد عز الدين القسام في العام 1935، وصولاً لأغاني الصمود والبطولة في بيروت المحاصَرة والمقتحَمة في العام 1982، كلها غدت رموزاً اساسية في الثقافة الوطنية، وبالتالي في الهوية، بحيث روت التاريخ، بدون سردية مملة كما لو كنا في حصة تاريخ مدرسية، بل عبر ألحان وكلمات وصوت وتوزيع موسيقي، ارتقت بالحدث لمستوى فني إبداعي ملك شغاف قلوب المستمعين، وداعب مشاعرهم الوطنية والإنسانية برهافة، وخلق الحالة الانفعالية لديهم، وما الفن المبدع إلا خلق تلك حالة الإنفعالية؟.
لقد نجح الراحل منذر وفرقته العاشقين بخلق تلك الحالة، فكان فنه صانعا للهوية، مجددا لها، وراويا للرواية الوطنية، وهنا يكمن الفرق بين الفن الملتزم بهموم وقضايا الشعب وبين الفن الهابط. وسريعاً ينبغي التأكيد ان لا تعارض بالمطلق بين الإلتزام الوطني والإنساني في الفن، وبلوغ ذرى فنية إبداعية، لا تنتهك محتوى الإلتزام، ولا تحوله أيضاً لبيان سياسي أو منشور تحريضي، كحال العديد العديد من الأغاني الوطنية المنتشرة، التي هي أقرب للصياح والزعيق أكثر منها للأغاني. عبر الموسيقى والكلمات والصوت واللحن والتوزيع، تمكنت فرقة العاشقين، وغيرهم من مبدعي هذا الفن في تاريخنا الوطني والثقافي من لعب دورهم في تجديد صناعة الهوية ورواية روايتنا الوطنية.
الراحل أبو عرب على ذات الدرب
وشأن فرقة العاشقين والراحل حسين منذر، كان أبو عرب دون منازع مغني الثورة الفلسطينية، ببساطة كلماته، وسلاسة ألحانه التي تصل سريعاً للوجدان، وبأدوات وآلات موسيقية بسيطة ايضاً، وبصوته الريفي الشعبي غير المتصنِع. إنها بساطة ربما تعكس ذلك الوضوح في الصراع الوجودي بين المشروعين الاستعماري الصهيوني الاستيطاني، والوطني الفلسطيني لهدف التحرير والعودة، فهو صراع لا يحتاج لكثير تحليل، واضح تماماً، ويبدو أن بساطة أبو عرب في كلماته وصوته مموسيقاه عبّر عن ذلك الوضوح ببساطة تليق به ودون تعقيدات. إن أغاني مثل (يا يمه في دقة على بوابنا) و (هدي يا بحر هدي) و (هبت النار والبارود غنى) كانت هي الأخرى زاد المناضلين الشباب في الميدان، في السجون والزنازين، في تجمعاتهم الجماهيرية، خاصة أنه افرز حيزاً ملموساً للاسرى والشهداء، وأهالي الأسرى والشهداء، حتى بات بجدارة ناطقاً رسمياً بهمومهم وتضحياتهم، دون بكائية العاجز الضعيف، ولكن أيضاً بصلابة موقفهم وقوتهم، وتمسكهم بأهداف شعبهم، حتى كان يمكن القول إن ابو العرب ثاني ثلاثة حالات إبداعية لعبت دوراً في تجديد صناعة الهوية المستمر ورواية روايتنا الوطنية.
فرقة الفنون أرشيف تاريخي فني
لا غرابة أن تتحول فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية في البيرة وعبر 43 عاماً من نشاطاتها وفعالياتها الفنية إلى الفرقة الأولى فلسطينياً حد الاكتساح، وتحظى بمكانة هامة على المستوى العربي، وعند الجاليات الفلسطينية في الشتات.
من (وادي التفاح) و(مشعل) مروراً ب (زغاريد) و (طلت) وحتى (للحرية نرقص) و(اشيرا) و( طلات فنونية)، يمكن تتبع، ليس فقط التطور الفني والإبداعي لدى الفنون في الدمج بين التراث الفني الفلسطيني، الغنائي والراقص، وبين تطوير ذلك التراث بنكهة حداثية، تستخدم احدث التقنيات والحركات للراقصين والراقصات، بل والأهم، على صعيد هذا المقال، تحول أعمال الفنون بأغانيها ودبكاتها ورقصاتها لمكون رئيس من مكونات الهوية الوطنية، أعمال قدمت روايتنا الوطنية بطريقة إبداعية.
لا غرابة أن تغدو أغاني الفنون مثلاً تصدح في المحطات الإذاعية، ويتم تقديمها في تترات المسلسلات التلفزيونية، وكمقدمات موسيقية لبرامج، فإن كان هذا يؤشر للمكانة التي باتت تحتلها فلسطينياً وعربياً حد الاكتساح، إلا أنه أيضاً يؤشر على المستوى الفني والإبداعي الرفيع للأعمال التي تقدمها الفرقة، ذلك المستوى الذي قدم الرواية الفلسطينية منذ الفراري (مشعل) من التجنيد العثماني، مروراً بالفدائي في (وادي التفاح)، والفدائي في بيروت في (حيفا وبيروت وما بعد)، حتى (اشيرا) وتكريم القائد الأسير وليد دقة في لوحات خاصة. الفنون تساهم في صناعة هويتنا الوطنية المتجددة، وتقديم رؤيتنا لذاتنا ودورنا في غمرة الصراع الوجودي لنيل حرية الوطن. إن أعمالها بحق غدت اشبه بأرشيف فني للحظات مصيرية من تاريخ شعبنا الوطني.
واخيراً، هل وقفت وتقف مساهمة هذا الثلاثي عند هذا الحد؟ نجزم بأن لا. ففي ظل هجمة (الفن) الهابط عبر الفضائيات التجارية الرأسمالية، وفي ظل غزو الثقافة الليبرالية الجديدة المعولمة التي تبغي تعزيز الفردانية، وسلخ الشعوب عن هويتها وقضاياها الوطنية، تحت شعارات مضللة حول حقوق الإنسان والديموقراطية، اسماها المفكر الراحل سمير أمين (الموضات الفكرية)، وفي ظل السعي لغزو تطبيعي لعقول الشباب عبر المؤسسات الصهيونية والأمريكية والأوروبية، مستفيدة من الاكتساح الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي، في ظل كل هذا فإن المساهمات الفنية الإبداعية للثلاثي أعلاه تغدو مصيرية لتحصين الجبهة الثقافية وتأكيد الهوية وتعزيز الرواية، وتلك جبهة، لكل ما قيل أعلاه، هي في غاية الأهمية في صراعنا الوجودي مع المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
شتاء غزة.. وحل الحرب وطين الأيام
بهاء رحال
المقاومة موجودة
حمادة فراعنة
وحشية الاحتلال بين الصمت الدولي والدعم الأمريكي
سري القدوة
هوكشتاين جاء بنسخة لبنانية عن إتفاق أوسلو!
محمد النوباني
ماذا وراء خطاب نتنياهو البائس؟
حديث القدس
مآلات موافقة حزب الله على ورقة أمريكا الخبيثة
حمدي فراج
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
أبو الغيط: الوضع في فلسطين غير مقبول ومدان ولا يجب السماح باستمراره
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
مصطفى: الصحفيون الفلسطينيون لعبوا دورا محوريا في فضح جرائم الاحتلال
ضابط إسرائيلي يهرب من قبرص بسبب غزة
سموتريتش يضع البنية التحتية المنطقة (ج) في مهبّ أطماع المستوطنين
أطفال فلسطينيون تعرضوا للإعدام الميداني
الأكثر قراءة
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأونروا: فقدان 98 شاحنة في عملية نهب عنيفة في غزة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
زقوت في حوار شامل مع "القدس".. خطة حكومية لوضع دعائم بناء دولة مستقلة
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 9:43 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.74
شراء 3.73
دينار / شيكل
بيع 5.28
شراء 5.26
يورو / شيكل
بيع 3.96
شراء 3.95
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%53
%47
(مجموع المصوتين 81)
شارك برأيك
رحيل قائد العاشقين ثلاثي لصناعة الهوية ورواية الرواية