نابلس - "القدس" دوت كوم - روان الأسعد - تعد الشموع  من العناصر البارزة التي كان لها حضور فعال في روحانية الحضارات منذ نشوئها، إذ لا تكاد المعابد على اختلاف أنواعها وأشكالها تخلو من أنوار الشموع وأضوائها، كما باتت من أهم عناصر الديكور الداخلي في كل منزل، فقد تخطت كونها المصدر الأساسية لإنارة الظلام قبل اختراع المصباح الكهربائي في سابق الزمان وأصبح لها العديد من الفوائد مع تعدد أنواعها وأشكالها ومصادرها وطرق تصنيعها، فهي تخفف التوتر وتعدل المزاج اضافة لأنها تحسن النوم وتزيد نسبة التركيز ناهيك عن تعطيرها للمكان بروائح ونكهات متعددة بزيوتها العطرية.

ورغم أنه لايختلف اثنان على ما تضفيه الشموع من رونق جميل عند اشعالها فقد باتت مصدرا للرفاهية إلا أن صناعتها تتطلب جهدا كبيرا وآليات معينة وإلمام كبير خاصة اذا ما كانت صناعة يدوية، لكن رغم صعوبتها إلا أن الشقيقتان حنين ومريم استطعن تعلم صناعتها بل وتجاوزن الصناعة التقليدية ليدخل ابتكارات متنوعه وصحية على هذه الصناعه ويتميزن بها دون غيرهن ويؤسسن لمشروعهن بطريقة سليمة وقوية.

الانطلاق من الصفر

حنين عودة 22 عاما وهي الأخت الصغرى لمريم، لازالت تدرس فصلها الأخير في كلية الصحافة والإعلام بجامعة النجاح الوطنية، كانت بداية الفكرة بالبحث عن مشروع ريادي وفكرة ابداعية تعمل عليها لتؤسس مشروعها الخاص معتمدة على نفسها من الألف إلى الياء، استلهمت فكرة المشروع من صديقتها بيسان التي اقترحت الفكرة عليها ومن هنا كانت الإنطلاقة والبحث.

تقول حنين: بعد اقتراح صديقتي مشروع الشمع اليدوي ولانه لايوجد مشاريع مماثلة في منطقتي قررت البدء به وأعجبت بالفكرة  وعندما عدت للبيت بدأت أجمع المعلومات وأطالع وأقرأ واتعرف على المواد وكيف يمكنني الحصول عليها وبدأت أدخر  من مصروفي ليكون مشروعي مستقل وأبني نفسي بنفسي وحاولت لكن كان الموضوع صعبا خاصة أنني لازلت طالبة واسعار وتكلفة المواد عالية فاقترحت المشروع على أختي الكبرى فأحبت الفكرة وقررنا أن نتعاون مع بعضنا البعض للبداية فيه.

وتابعت: ونظرا لأنها تعيش بالداخل المحتل فالمشروع نصفين هنا وبالداخل وبدأنا التعليم ورحلة البحث  خاصة وأن التعليم كان ذاتيا دون الإلتحاق بأي دورة، حيث كنت أدخل على المواقع المختلفة أجمع المعلومات وأدونها وأشاهد الفيديوهات وبدأت بالتجارب الكثيرة والمتنوعه وأخذ مني وقتا وجهدا كبيرا، شهرين كاملين وأنا أبحث عن المواد والأدوات وكيف أتزود بها كما درست بشكل مفصل عن خواص الشمع وذوبانه ماهو أفضل نوع شمع  كما قمت بدراسة البيئة والمجتمع وماهي توجهاتهم بخصوص الشموع والأنواع التي يفضلونها  والألوان والروائح التي يقبلون عليها، وماهي القوالب التي يرغبون بها وغيرها الكثير فقد حاولت أن يكون المشروع مدروسا بشكل جيد وشامل ليحقق النجاح.

مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة

تتشابة المشاريع الريادية من حيث البدايات والطموح والإصرار وصولا للفوز بالنجاح وتحقيق الذات إلا أن السبل تختلف كل حسب مشروعه وفكرته الريادية ويعود بنهاية المطاف لصاحب الفكرة ومايرسمه أمامه في طريقة، وحنين اختارت أن تبني نفسها خطوة بخطوة وتركز على التعليم الذاتي ودراسة الجدوي قبل البدء لتسير بخطى واثقة لا تردد فيها فمن يرسم خطواته بدقة متناهيه يكون النجاح حليفة.

وتسرد حنين خطواتها الأولى: تعلمت ذاتيا وتعلمت عن طريق الصواب والخطأ بدا العمل على الفكرة منذ شهر 7 وحتى أيلول كانت عمليات البحث والتعلم تجري على قدم وساق لم يعرف عنها الا مريم كونها شريكتي وتتعلم معي وصديقاتي وكنا نجرب قوالب الشمع وانواعه لنتقن صناعتها وفي 1\11\2021 قمت بعمل الصفحة الخاصة بالمشروع على موقع الإنستجرام للتواصل الإجتماعي MH-Candel وعرضت الفكرة على الناس ولاقت اقبالا كبيرا وبعد اسبوع بالتمام والكمال أعلنت عن اول نوع من الشموع وكان برائحة الفانيلا والحمد لله لاقى رواجا كبيرا لانه اول مشروع شموع يدوي في مدينة نابلس وخاصة عند طالبات الجامعة.

وتابعت: طالبات الجامعة كن يبحث عن هذه الشموع المصنوعة يدويا وتم بيع كميات كثيرة منه وكان النجاح كبيرا ما أدخل الفرحة على قلبي وجعلني ومريم نتشجع أكثر على تقديم المزيد والتعلم والتطور أكثر والبحث عن التميز كونه شعرنا من البداية، ونظرا لأنها متزوجة فقد كنا في نهاية الأسبوع عندما تأتي لزيارتنا نقوم سوية بالعمل معا واجراء التجارب.

شموع صحية

تتعدد أنواع الشموع واستخداماتها، ولكل نوع من هذه الأنواع خصائص منوعه ومتعددة تميزه عن غيره، لذلك على من يعمل بهذا المجال أن يكون ملما بهذه الانواع ومزاياها ليعرف تماما كيف يقوم بانتاجها وتسويقها، لتتجاوز كونها شموعا للزينة وكذلك للصحة.

تقول حنين: الشمع الموجود بالسوق هو شمع البرفين وهذا النوع لا يعتبر صحيا كونه يصنع من مشتقات النفط وليس مفضل عند الناس ونحن مع التجربة والإطلاع والمعرفة كنا نهدف لأن نبتعد عن هذا النوع التجاري من الشموع  وتوجهنا لتكون شموعنا طبيعية وقد احتجنا وقتا طويلا للبحث عن مصدر يزودنا بالمواد لعمل شمع الصويا الطبيعي مئة بالمئة للناس الذين يعانون من الحساسية والربو، مثلا فإن شمع الصويا فيمكنهم استخدامه لأنه لاينبعث منه غازات تضر جسم الإنسان ووفرناه لدينا وقد لاقى رواجا كبيرا عند الناس، ثم بعد فترة قمنا بتوفير شمع جوز الهند والشموع الخاصة بالتدليك(المساج) والعديد من الشموع الصحية.

الصعوبات

لا شيء يأتي ببساطة ولا يحقق النجاح دون تعب، ومن النادر الوصول للقمة العيش بدون المرور بعثرات وعقبات تعطي النجاح قيمته ولذته لكن المهم هو كيفية تجاوزها وتخطيها مهما كانت فكما يكون لكل عقدة منشار ولكل مشكلة حل، ومن يرصد هدفه بدقة يكون قويا ويتخطى العقبات وصولًا لأهدافه.

حنين حالها كغيرها من الشباب مرت بصعوبات كثيرة لكنها استطاعت التغلب عليها لتنقش اسمها بتميز وتعرف بمصداقيتها وبجودة منتجها عند زبائنها تقول: بالبداية لم أكن اعرف مشاريع مماثلة لأستفيد من تجاربهم  وكان البحث أولا عن مصانع في فلسطين تبيع شمع البرفين أو الصويا، لكن  لم أجد نهائيا فقررت التوجه نحو المواقع الإلكترونية، ومن خلالها تمكنت من الحصول على ما أريد، واستطعت احضار الشمع والقوالب والعطور وشحنها من الخارج وكانت التكلفة التي رصدتها أنا وأختي أكثر من ألف شيكل، لكن بعد أن أصبح اسمي في السوق معروفا وجدت كثيرا ممن يبيعون المواد الخام والعطور يرسلون لي.

وأردفت: ومع ذلك فإن الأسعار في الضفة تعتبر فلكية جدا وباهظه كأن التجار يستغلون عدم وجود مصانع لانتاج هذه المواد فيبيعون المستورد بسعر غال جدا، وخاصة قوالب السيليكون كونها أساسية للعمل فشمع القوالب يعتمد عليها اعتمادا أساسيا لذا فاسعارها لدينا لا ابالغ ابدا بالوصف خيالية، لذا أنصح من يريد أن يفتح مشروع شموع بشراء القوالب من المواقع الإلكترونية بالخارج حتى لا يتعرض هنا للاستغلال.

خطوات العمل

لم يثنها ماواجهته من صعوبات سواء في التعلم أو الحصول على المواد الخام عن عزمها لتحقيق حلمها وانشاء مشروع خاص بها بل زادها قوة لتحقيق ماتريدة واتقانه بحرفية عاليه لا مثيل لها وهذا ما أكدته بشرحها لآليات العمل: صناعة الشمع تحتاج إلى الوقت والجهد والتركيز العالي ذلك لان لكل نوع من الشموع درجة ذوبان معينة خاصة به عن غيرة يتوجب الحرص عليها، إضافة لأن المواد العطرية يجب أن تضاف بدرجة حرارة معينه للشمع حتى تكون رائحتها نفاذة، وأثناء العمل في شمع القوالب فنحن لا نستخدم البرافين وحده، وإنما نقوم بخلط الصويا معه، وهذا يزيد صعوبة العمل علينا.

وتابعت: فكما قلت سابقا  لكل نوع درجة ذوبان معينه يجب الإنتباه لها ومتى يتوجب علينا خلطهم سويا ليتجانسا معا، ومتى نضيف اللون، هذه كلها معايير دقيقة جدا في العمل لايجوز الغلط فيها، وبعد ذلك ننتظر درجة حرارة معينة لاضافة العطر بعد ذلك نضع الشمع في القالب، وتحتاج الشمعة 4 ساعات حتى تجف تماما وتخرج بشكلها الكامل والنهائي لنقوم بتغليفها قبل ايصالها للزبون، فالدقة والمعرفة عاملان أساسيان في العمل والإتقان وهذا كله تعلمناه مع الوقت والتجربة لنكون مانحن عليه الآن.

تجديد الأفكار

ليس المهم دائما أن نعمل على فكرة ابداعية وننجح بها لفترة ثم تذهب الأهم منذلك هو الإستمرارية في العمل وبذل الجهد للبقاء والمحافظة على النجاح ولأن الإستمرارية مهمة جدا للبقاء في المقدمة فيجب دوما البحث عن الطرق المؤدية إليها من خلال تجديد الأفكار وتنوعها وعن هذا تقول حنين: في الوقت الحالي باتت فكرة شمع القوالب تقليدية جدا ومألوفة لذلك بات العمل بها قليلا جدا كوننا توجهنا إلى صنف جديد وهو شمع الكاسات الصحي، وتكون عبارة عن شمعة موضوعة في كأس خاص إما من الصويا الطبيعي أو جوز الهند أو زيت الزيتون حسب طلب الزبون، وحاليا أعمل على العديد من الأفكار الجديدة والمميزة خاصة وأن هذه الكأس تعطينا مجالا أوسع للإبتكار فيها.

تواصل: منذ سنتين ذهبت في زيارة إلى يافا ولفت انتباهي أحجار مميزة وجميلة وأصداف قمت بجمعها والإحتفاظ بها، وحاليا أزين الشموع بتلك الاحجار والأصداف حتى اذا ماذابت الشمعه تعطي منظرا وكانك تنظرين للشاطيء، كما وقمت بالعمل على شمعة الرسالة وفكرتها أن نضع رسالة معينة بداخل الشمعة وبعد اشعالها تذوب وتظهر الرسالة، والفكرة بسيطة جدا وجميلة لدرجت أنني أهديت نفسي واحدة بعد كل الجهد الذي بذلته في المشروع وأنا سعيدة بها جدا. كما تقول.

تقدير العمل اليدوي

حتى اليوم لازال البعض لا يقدر قيمة الأعمال اليدوية وما تحتاجة من وقت وجهد كبيرين وهنالك الكثير من يبثون طاقة سلبية في هذا الاتجاه إلا أن تحويل السلبيات لطاقات ايجابية مهم جدا للنجاح، فقد واجهت حنين الكثير من الانتقادات التي قالت عنها: كثيرا ما اسمع انتقادات عن اسعار الشمع الذي أصنعه بأنها مرتفعة رغم أن الأسعار تتراوح للحجم الصغير 5 شواكل والكبير مابين 20-25 شيكلا حسب الحجم في شمع البرفين، أما شمع الصويا كون المادة الخام سعرها مرتفع فقد يصل ثمنها للحجم الكبير مابين 50-60 شيكلا.

وأضافت: بداية المشروع  الكل يتعجب كيف ابيع الشمع بسعر 20 شيكلا وكنت اسمع عبارات أن صناعة الشمع لاتحتاج لأكثر من تذويبها ووضعها في القالب، لكني لم أُعر هذه الفئة اهتمام وكنت اتجاهلهم وبنيت لي قاعدة جماهيرية خاصة بالجامعة وأصبحت شموعي موثوقة وخاصة لمن جربها، يعود ويطلب منها ويخبر غيره عنها لأن المواد موثوقة ولأنني اتمتع بمصداقيه عالية، وفي الداخل هنالك اقبال لا بأس به.

طموح ورسالة

واختتمت حنين حديثها بالقول: رغم وجود قاعدة جماهيرية لي لكن لم أكن كما أطمح، وفي هذا الفصل كونه الأخير لي شاركت في معرضين بالجامعة ،الـول وهو أكتوبر الوردي والثاني معرض موهبتي وبذلت كل جهدي حرفيا لأخرج كل أشكال وأنواع الشموع المتوفرة لدي، وبالفعل وجدت قبولا واقبالا ومن لايعرفني بات يعرفني واعتمدوني للشموع ومايميزنا أننا نوفر أي رائحة تطلب منا مهما كانت وعندما تطلب منا شمعة أولا نسأل ماهو الهدف من الشموع  والغرض المطلوب لنعطيه النوع الصحيح بالرائحة التي تناسب الجو، فالدراسة شمعة القهوة، ولتعطير الجو بالكرز أو الفراولة، والاسترخاء اللافندر، وقد وفرت قوالب جديدة ومميزة ونادرة.

وأضافت: سأعمل على توسيع العمل وفتح محل خاص بالمشروع والتركيز ع المشروع أكثر وأتفرغ له، مشيرةً إلى أن ما يساعدها في التسويق والتصوير هو تخصصها بقسم الصحافة، وهذا من ضمن خططها، وخاصة أن المشروع ليس لفترة قصيرة، مقدمةً النصح لكل شخص لديه فكرة أن لا يخاف من تنفيذها ويجربها والعمل يغير الشخصية ويطلقها للعنان، وعلى الجميع تطبيق الأفكار والمضي بها قدما.