عربي ودولي
الأحد 09 فبراير 2025 8:15 صباحًا - بتوقيت القدس
هجمة ترمب على العدالة الدولية.. الجاني يحاول إطاحة "الجنائية" ليفلت من العقاب
خـاص بـ"القدس" و"القدس" دوت كوم
د. رائد أبو بدوية: ترمب يضغط لإجراء تعديلات على نظام روما الأساسي لمنع محاكمة أفراد لا يحملون جنسية الدول الأعضاء
خليل شاهين: توقيع 79 دولة على بيان يعارض إجراءات ترمب يعكس قلقاً دولياً من تقويض آليات المساءلة الدولية وإضعاف المحكمة
د. تمارا حداد: عقوبات ترمب لن تنجح لأن معظم دول العالم معنية بإنفاذ القانون الدولي وضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب
نعمان عابد: شعار "أمريكا أولاً" الذي رفعه ترمب يعكس رغبته في فرض القانون الأمريكي كمعيار عالمي بديلاً عن القانون الدولي
د. سعد نمر: قرار ترمب يهدف للتشكيك في مصداقية المحكمة وحيادها وخشية أن تصبح سلاحاً قانونياً ضد إسرائيل وحلفائها
سليمان بشارات: الرد على العقوبات الأمريكية بعدم التسليم بها باعتبارها أمراً واقعاً بل الاستمرار في تعزيز دور المحكمة ودعمها
في تصعيد جديد يعكس نهج الإدارة الأمريكية في مواجهة المؤسسات الدولية، فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، في محاولةٍ واضحةٍ لتقويض دورها، والحد من سلطتها في ملاحقة المسؤولين عن جرائم الحرب.
ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة مع "ے"، أن هذه الخطوة من قبل ترمب تأتي في إطار استراتيجيةٍ أوسع تنتهجها واشنطن لحماية جنودها ومسؤوليها العسكريين من الملاحقة الدولية، إلى جانب تقديم الدعم غير المحدود لحلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل، التي تواجه مذكرات توقيف صادرة بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت.
ويؤكد الكتاب والمحللون والمختصون وأساتذة الجامعات أن الضغوط الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية لا تقتصر على فرض العقوبات، بل تمتد إلى محاولات تعديل نظام روما الأساسي، بما يضمن استثناء المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين من نطاق اختصاص المحكمة.
ويشيرون إلى أن هذه التحركات تأتي كرد فعل على التحقيقات الجارية في جرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى المخاوف من فتح ملفاتٍ أُخرى تتعلق بتدخلاتٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ في دولٍ مثل أفغانستان، كما أن هذه الضغوط تواكب نهجاً أمريكياً أوسع في استهداف المؤسسات الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان و"الأونروا"، سعياً لتقويض أيّ آليةٍ دوليةٍ قد تفرض قيوداً على نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها.
وبالرغم من الضغوط الأمريكية المتزايدة، يؤكد الكتاب والمحللون والمختصون والأكاديميون أن المحكمة الجنائية الدولية تحظى بدعمٍ واسعٍ من المجتمع الدولي، حيث وقّعت 79 دولة على بيانٍ يعارض العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب، في خطوة تعكس قلقاً متزايداً من محاولات تقويض العدالة الدولية.
إدارة ترمب تتبنّى نهجاً تصعيدياً شاملاً
يؤكد أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية، د.رائد أبو بدوية، أن العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على المحكمة الجنائية الدولية تأتي في سياق نهج تصعيدي شامل تبنته إدارته منذ توليها السلطة، مشيراً إلى أن ترمب فتح معارك على جميع الجبهات، بما في ذلك الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.
ويوضح أبو بدوية أن هذه الاستراتيجية لم تقتصر على مواجهات تجارية مع كندا والاتحاد الأوروبي والصين، بل امتدت إلى سياسات تهديدية في الشرق الأوسط، بما في ذلك قطاع غزة، حيث يحاول فرض سيطرة أمريكية على الأوضاع هناك.
ويؤكد أبو بدوية أن ترمب لم يتردد في مهاجمة المؤسسات الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، ومنظمة الصحة العالمية، وصولاً إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصبحت في صلب الاستهداف الأمريكي.
وبحسب أبو بدوية، فإن هناك عدة دوافع أساسية وراء معاداة ترمب للمحكمة الجنائية الدولية، أبرزها: حماية الجنود الأمريكيين من الملاحقة الدولية حيث تخشى الولايات المتحدة من إمكانية محاكمة جنودها ومسؤوليها العسكريين على جرائم ارتكبوها خلال عمليات عسكرية خارج الأراضي الأمريكية، مثل أفغانستان.
ومن بين الأسباب حسب أبو بدوية، حماية المسؤولين الإسرائيليين خاصة بعد إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، ما أثار غضب واشنطن وتل أبيب.
وكذلك، يأتي الضغط على المحكمة لإجراء تعديلات على نظام روما الأساسي، إذ تسعى واشنطن بقيادة ترمب إلى تغيير آلية اختصاص المحكمة، بحيث لا تتمكن من محاكمة أفراد لا يحملون جنسية الدول الأعضاء في المحكمة، حتى لو ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية على أراضي دولة عضو.
ويشير أبو بدوية إلى أن ترمب لجأ إلى إجراءات تنفيذية أشد صرامة، مثل فرض عقوبات مباشرة على المحكمة وقضاتها والدول الداعمة لها، مما يزيد الضغط على المحكمة ويضعف قدرتها على محاسبة القادة الإسرائيليين والجنود الأمريكيين.
ويرى أن العقوبات التي فرضها ترمب على المحكمة تهدف إلى إجبار الدول المؤسسة للمحكمة، خاصة الأعضاء في اتفاقية روما، على تقديم تنازلات، قد تصل إلى تعديل نظام المحكمة الأساسي لضمان إخراج الولايات المتحدة وحلفائها من نطاق اختصاص المحكمة.
ويؤكد أبو بدوية أن الضغوط الأمريكية ستتزايد على الاتحاد الأوروبي، الذي يُعد من أبرز داعمي المحكمة، بهدف تغيير القوانين التي تسمح للمحكمة بمحاكمة غير الأعضاء.
على الرغم من الضغوط الأمريكية المتزايدة، يشدد أبو بدوية على أن استمرار دعم الاتحاد الأوروبي للمحكمة الجنائية الدولية سيكون العامل الحاسم في حماية استقلاليتها.
ويوضح أن الأوروبيين لعبوا دوراً رئيسياً في تأسيس المحكمة، كما أن مقرها في لاهاي يعزز من قدرة الاتحاد الأوروبي على توفير الحماية السياسية والقانونية لها.
ويؤكد أبو بدوية أن الاتحاد الأوروبي يمتلك القدرة على إفشال العقوبات الأمريكية داخل أراضيه، ما يتيح للمحكمة مواصلة عملها بالرغم من التهديدات الأمريكية.
ومع ذلك، لم يستبعد أبو بدوية أن تؤدي الضغوط السياسية الأمريكية على المدى البعيد إلى إدخال تعديلات على نظام المحكمة، بحيث تفقد القدرة على محاكمة الأمريكيين والإسرائيليين وغيرهم من غير الأعضاء.
ويدعو أبو بدوية المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية، إلى اتخاذ موقف حاسم لدعم المحكمة الجنائية الدولية، من خلال إجراءات قانونية وسياسية، أبرزها: إصدار تصريحات رسمية واضحة تؤكد دعم المحكمة ورفض الضغوط الأمريكية، وتفعيل القوانين الوطنية في الدول الأعضاء لتعزيز ملاحقة مجرمي الحرب.
ويؤكد أبو بدوية أن العقوبات التي فرضها ترمب على المحكمة لن تكون قادرة على تعطيل عملها بالكامل، لكنها ستفرض تحديات سياسية قد تؤثر على استقلاليتها، موضحاً أن الموقف الأوروبي سيكون حاسماً في حماية المحكمة، ومنع واشنطن من فرض تعديلات جوهرية على نظامها الأساسي.
عقلية استعمارية تتحكم في النهج السياسي لترمب
يرى الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاه المحكمة الجنائية الدولية تعكس عقلية استعمارية تتحكم في نهجه السياسي، مشيراً إلى أن هذه العقلية كانت واضحة منذ توليه الرئاسة، وربما حتى خلال حملاته الانتخابية.
ويوضح شاهين أن ترمب يسعى لإعادة إنتاج النموذج الاستعماري في العلاقات الدولية، إذ شهد العالم مواقفه التي تعكس رغبة في ضم كندا والمكسيك، إضافة إلى الاستيلاء على قناة بنما وجرينلاند، مشيراً إلى أن آخر ما طرحه هو الاستيلاء على قطاع غزة، والتعامل معه على أنه صفقة عقارية واستثمارية، مع تهجير سكانه، ما يعيد إلى الأذهان حقبة الاستعمار في القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث كانت القوى الاستعمارية تمارس الحروب والجرائم دون رقيب أو محاسبة.
ويشير إلى أن محاولات ترمب لتقويض المحكمة الجنائية الدولية تأتي ضمن مساعٍ أوسع لإعادة تشكيل النظام الدولي، بما يضمن تعزيز إفلات الأمريكيين والإسرائيليين من العقاب لمن يرتكبون الجرائم، وفي الوقت ذاته حرمان الضحايا من العدالة.
ويوضح شاهين أن سياسات ترمب تدعم إسرائيل في عدوانها، لافتاً إلى أن السماح بصفقات أسلحة وذخائر بقيمة 7٫4 مليارات دولار يُعد جريمة جديدة لأنها تدعم قادة الحرب الإسرائيليين.
ويلفت شاهين إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، بالرغم من صدور مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، يعد جريمة إضافية، ويكشف محاولات ترمب لإفشال أي ملاحقة قضائية دولية له أو لحلفائه.
ويوضح شاهين أن هذه السياسات لا تقتصر على المحكمة الجنائية الدولية، بل يمكن أن تمتد لاحقاً إلى محكمة العدل الدولية، التي تنظر حالياً في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بشأن الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
ويعتبر أن تقويض النظام الدولي للعدالة يعني العودة إلى فترة الاستعمار، حيث كانت القوى الكبرى تستبيح الشعوب والموارد دون مساءلة.
ويؤكد شاهين أن الخطوة الأساسية لمواجهة هذه السياسات تكمن في التصدي لها قانونياً، والتمسك بالقانون الدولي كسلاح لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم.
ويشدد على أهمية دعم المحكمة الجنائية الدولية من خلال توفير الحماية للعاملين فيها، بمن فيهم القضاة والمسؤولون وجامعو البيانات الذين يعملون ميدانياً في جمع الأدلة عن الجرائم المرتكبة، محذراً من أن الضغوط التي يمارسها ترمب قد تؤدي إلى إضعاف المحكمة أو حتى إغلاق بعض مكاتبها وتقليص طواقمها.
ويشير شاهين إلى أن 79 دولة وقّعت على بيان يعارض إجراءات ترمب ضد المحكمة الجنائية الدولية، مؤكداً أن هذه المعارضة تعكس قلقاً دولياً من تقويض آليات المساءلة عن الجرائم وإضعاف المحكمة نفسها.
ويدعو شاهين إلى تعزيز التنسيق الفلسطيني مع دول العالم، لا سيما مع الدول التي اجتمعت في جنوب إفريقيا وشكلت ما يُعرف بـ"مجموعة لاهاي" لدعم المحكمة الجنائية الدولية.
ويشدد شاهين على أهمية توسيع هذا الدعم ليشمل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، لضمان استمرار التحقيقات في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، وعدم اقتصار الملاحقة القانونية على نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بل توسيعها لتشمل جميع المتورطين.
ويؤكد أن موقفاً إقليمياً ودولياً موحداً وحازماً يمكن أن يُجبر ترمب على التراجع عن سياساته، مشيراً إلى أن التجربة السابقة في ولايته الأولى أظهرت أنه قد يضطر للتراجع إذا واجه معارضة قوية.
ويدعو شاهين إلى مواجهة محاولاتت ترمب لإعادة تشكيل القواعد القانونية للنظام الدولي بما يتناسب مع أجندته الاستعمارية والاستبدادية، مؤكداً أن تعزيز موقف الدول الرافضة لنهجه يمكن أن يضع عقبات حقيقية أمام محاولاته لإعادة العالم إلى عصر الإفلات من العقاب والهيمنة الاستعمارية.
محاولة واضحة لإجهاض المساءلة الدولية
ترى الكاتبة والباحثة السياسية، د.تمارا حداد، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يمثل محاولة واضحة لإجهاض المساءلة الدولية وإضعاف العدالة العالمية، مؤكدة أن هذا النهج يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى، من خلال حماية رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير حربها السابق يوآف غالانت من أي محاسبة على جرائمهم.
وتؤكد حداد أن هذا القرار الأمريكي يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ليس فقط في استهدافه للمحكمة الجنائية، بل أيضاً في تقويضه للجهود الرامية إلى تحقيق العدالة الدولية، مما يؤدي إلى إضعاف سلطة القانون الدولي، وتشجيع جرائم الحرب.
وترى أن فرض العقوبات على المحكمة الجنائية يعكس عدة معانٍ جوهرية، أبرزها: إدراك الولايات المتحدة لقوة المحكمة في الملاحقة واستقلاليتها، وسعي ترمب لتقليص دور المحكمة وإضعاف تأثيرها، وخشية ترمب من مذكرات اعتقال مستقبلية بحقه أو بحق مسؤولين أمريكيين، ولمنع العزلة الدولية للولايات المتحدة وإسرائيل.
وتشدد حداد على أنه بات واضحاً أن المحكمة تمتلك نفوذاً حقيقياً، بعدما تمكنت من إصدار مذكرات توقيف ضد قيادات إسرائيلية بارزة، وهذا يشير إلى إمكانية ملاحقة مسؤولين أمريكيين، بمن فيهم رؤساء، وزراء دفاع، أو ضباط في الجيش الأمريكي، خاصة وأن واشنطن توفر لإسرائيل الدعم العسكري والسياسي واللوجستي في عملياتها، لذا جاء قرار ترمب في محاولة لمنع الملاحقة.
وتشير حداد إلى أن المحكمة قد تصدر في المستقبل قرارات قانونية تُحمّل ترمب المسؤولية عن دعمه غير المحدود لإسرائيل، التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل مستمر في قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا القلق دفعه إلى اتخاذ إجراءات استباقية لإضعاف المحكمة وعرقلة عملها.
وترى حداد أن هناك عدة استراتيجيات قانونية وسياسية وإعلامية لمواجهة العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية، من أبرزها: الاشتباك القانوني مع القرار الأمريكي، والتصعيد الإعلامي لتعزيز دور المحكمة، والاشتباك السياسي والدبلوماسي، وتحريك الشارع العالمي ضد القرار، وتشجيع المحكمة على مواصلة عملها وتوثيق الجرائم الدولية.
وتعتقد حداد أنه يجب على الدول الأعضاء في المحكمة، وعددها 124 دولة، أن تصدر بياناً رسمياً موحداً، يؤكد رفضها للعقوبات، ويدعو إلى حماية المحكمة وتوفير الدعم الاقتصادي واللوجستي لها، وضمان سلامة موظفيها، كما يمكن رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن الدولي، نظراً لأن المحكمة الجنائية محميّة بموجب القانون الدولي.
وتؤكد أن ترمب يريد أن يظهر كأنه قادر على فرض هيمنته على المحكمة الجنائية الدولية، لكنه في الواقع يواجه معارضة واسعة من المجتمع الدولي.
وتتوقع حداد أن يستمر عمل المحكمة رغم العقوبات، بل وقد تتلقى دعماً أكبر من العديد من الدول، التي ترى في هذه العقوبات محاولة أمريكية لمنع تحقيق العدالة الدولية.
وتشدد حداد على أن هذه العقوبات لن تنجح في كبح المحكمة، لأن معظم دول العالم معنية بإنفاذ القانون الدولي، وضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، مما يعني أن المحكمة ستواصل عملها رغم الضغوط الأمريكية.
السعي لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي المختص في العلاقات الدولية، نعمان عابد، أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تعكس نهج الهيمنة الأمريكية الذي يسعى إلى فرض السيطرة على العالم، مشيراً إلى أن هذه المقاربة ليست جديدة، بل تمثل امتداداً للسياسة الأمريكية التقليدية القائمة على التعالي والبلطجة والتوحش.
ويوضح عابد أن هذه السياسات تتجسد في العقوبات التي فرضها ترمب على المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها، إضافة إلى الإجراءات العقابية ضد الدول المتعاونة مع المحكمة.
ويعتقد عابد أن هذا التصعيد ضد المحكمة الجنائية الدولية يأتي امتداداً لقانون "غزوة لاهاي" الذي صادق عليه الكونغرس الأمريكي والذي سبق أن فرض قيوداً على المحكمة، ومنح واشنطن الحق في مهاجمة المحكمة لمحاسبة مسؤولين أمريكيين أو إسرائيليين.
ويشير عابد إلى أن الهدف الحقيقي من هذه الإجراءات هو هدم أسس المؤسسات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة، أو السيطرة عليها وتوجيهها لخدمة المصالح الأمريكية، بحيث تصبح أدوات تعمل لصالح السياسة الأمريكية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ويؤكد عابد أن شعار "أمريكا أولاً" الذي رفعه ترمب يعكس رغبته في فرض القانون الأمريكي كمعيار عالمي بديلاً للقانون الدولي، بحيث يصبح القانون الأمريكي هو السائد والمطبق في جميع أنحاء العالم، متجاوزاً بذلك القانون الدولي والنظام القائم على المؤسسات الدولية.
ويحذر عابد من أن مثل هذه السياسات تؤدي إلى الفوضى العالمية، وتُعيد العالم إلى شريعة الغاب التي يسود فيها منطق القوة بدلاً من العدالة الدولية.
ويوضح عابد أن الهجمة الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية تتقاطع مع الهجمة الإسرائيلية المستمرة على المؤسسات الدولية، حيث شهد العالم خلال الحرب على غزة تصعيداً إسرائيلياً ضد الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة.
ويؤكد عابد أن هذه السياسات التوحشية لن تمر دون رد فعل عالمي قوي، متوقعاً أن تؤدي إلى انتفاضة دولية ضد السياسات الأمريكية التي تسعى إلى تقويض النظام الدولي.
ويشير عابد إلى أن التصعيد الأمريكي الإسرائيلي ضد المؤسسات الدولية يضع العالم أمام مفترق طرق خطير، حيث سيكون على الدول الاختيار بين الالتزام بالقانون الدولي وحماية المؤسسات الدولية، أو السماح للولايات المتحدة بفرض قانونها الخاص.
ويؤكد عابد أن استمرار هذا النهج سيؤدي إلى إضعاف سيادة الدول، وتحويل القرار السياسي العالمي إلى أداة في يد الإدارة الأمريكية.
ويدعو عابد إلى تحرك العقلاء والدولة العميقة داخل الولايات المتحدة لمواجهة هذه السياسات، محذراً من أن استمرار ترمب في هذا النهج سيؤدي إلى دفع الولايات المتحدة نحو الهاوية، بدلاً من أن تكون دولة عظمى تحمي القانون الدولي وتعزز الاستقرار العالمي.
حماية إسرائيل وأمريكا من الملاحقة القانونية الدولية
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، د.سعد نمر، أن العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لم تكن فقط لحماية إسرائيل، بل أيضاً لحماية الولايات المتحدة من الملاحقة القانونية الدولية.
ويوضح نمر أن هذه العقوبات شملت تجميد أرصدة وحسابات قضاة المحكمة، ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، وذلك في محاولة لردع المحكمة عن التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، ولإرسال رسالة واضحة للدول الأُخرى بعدم اتخاذ خطوات مماثلة لموقف جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية.
ويشير نمر إلى أن الولايات المتحدة قدّمت دعماً عسكرياً مباشراً لإسرائيل خلال العدوان على قطاع غزة، بما في ذلك تزويدها بالقنابل الثقيلة والمعدات العسكرية والتمويل المباشر، إضافة إلى الحماية الدبلوماسية في الأمم المتحدة عبر استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع أي قرارات تدعو إلى وقف الحرب.
ويرى أن واشنطن تعدّ شريكاً في الجرائم التي تُرتكب ضد الفلسطينيين، مما يجعلها عرضة لملاحقات قضائية دولية في حال توفرت الإرادة السياسية لذلك.
ويعتبر نمر أن قرار ترمب فرض عقوبات على المحكمة يهدف إلى التشكيك في مصداقيتها وحيادها، ومنعها من ملاحقة القادة العسكريين الإسرائيليين الذين شاركوا في جرائم الحرب، وذلك خشية أن تصبح هذه المحكمة سلاحاً قانونياً ضد إسرائيل وحلفائها.
ويؤكد أن أي إجراءات مستقبلية قد تتخذها المحكمة ضد جنرالات الجيش الإسرائيلي ستعزز من عزلتهم الدولية، وتجعلهم مطلوبين أمام العدالة في عدة دول حول العالم.
ويشير نمر إلى أن واشنطن تُظهر ازدواجية واضحة في تعاملها مع المحكمة الجنائية الدولية، حيث رحبت بقرار المحكمة إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنها عارضت بشدة مذكرات التوقيف الصادرة بحق نتنياهو وغالانت، وذهبت إلى حد فرض العقوبات على المحكمة، حيث إن هذا السلوك يعكس "نفاقاً سياسياً" ويقوّض مبدأ العدالة الدولية.
ويلفت إلى أن هناك 79 دولة حول العالم أصدرت بياناً يدين العقوبات الأمريكية على المحكمة، مؤكدة أن هذه الخطوة تعرقل تحقيق العدالة الدولية، لكن لا يزال الموقف العربي صامتاً إلى حد كبير.
ويدعو نمر إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لدعم المحكمة الجنائية الدولية، خاصة من قبل الدول العربية والإسلامية التي لم تصدر مواقف واضحة ضد العقوبات الأمريكية، مؤكداً أن هذه الدول يجب أن تستغل قرارات المحكمة بحق القادة الإسرائيليين لدعم العدالة الدولية، وليس البقاء في حالة من الجمود السياسي.
ويقترح نمر أن تبدأ حملة دبلوماسية واسعة النطاق، تنطلق من فلسطين وتمتد إلى بقية الدول العربية والإسلامية، لدعم موقف المحكمة الجنائية الدولية وتعزيز الضغوط الدولية على الولايات المتحدة، بحيث يتجاوز عدد الدول الرافضة للعقوبات 79 دولة.
ويشير نمر إلى أن ذلك قد يؤدي إلى خلق بيئة قانونية وسياسية جديدة تحاصر السياسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وتعيد الاعتبار لدور المحكمة الجنائية الدولية كأداة للمحاسبة والعدالة الدولية.
إعادة تشكيل النظام القانوني الدولي وفق "شريعة القوي"
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن العقوبات التي فرضها ترمب على المحكمة الجنائية الدولية تحمل دلالات خطيرة أهمها السعي لإعادة تشكيل النظام القانوني الدولي وفق مبدأ "شريعة القوي"، بعيداً عن مبادئ العدالة والقانون الدولي.
ويشير بشارات إلى أن تلك العقوبات تؤكد انحياز الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، حيث إن هذا الانحياز لم يعد يقتصر على الدعم العسكري والسياسي، بل امتد إلى تعطيل أي مسار سياسي أو قانوني يمكن أن يمنح الفلسطينيين حقوقهم.
وبحسب بشارات، فإن الولايات المتحدة تسعى لتحويل النظام القانوني الدولي إلى أداة تخدم المصالح السياسية للقوى الكبرى، دون اعتبار للقانون الدولي الإنساني أو حقوق الإنسان، ما يؤدي إلى تفريغ هذه المؤسسات من مضمونها وتحويلها إلى أدوات تخدم السياسات الأمريكية وحلفاءها.
ويؤكد بشارات أن هذه العقوبات الأمريكية تفتح الباب أمام نموذج جديد وخطير من الانتهاكات الدولية، إذ إن أي دولة ستجد في الموقف الأمريكي مبرراً للإفلات من العقاب، مما يهدد المنظومة القانونية الدولية ويجعلها بلا قيمة فعلية، وكذلك"شرعنة" جميع الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
ويرى أن الرد على العقوبات الأمريكية يجب أن يكون بعدم التسليم بهذه العقوبات باعتبارها أمراً واقعاً، بل الاستمرار في تعزيز دور المحكمة الجنائية الدولية ودعمها وإبراز أهميتها كمنظومة قانونية دولية لا يمكن السماح بتفريغها من محتواها.
ويشدد بشارات على أهمية كشف الدور الأمريكي في حماية الاحتلال الإسرائيلي وتعطيل العدالة الدولية، عبر حملات إعلامية ودبلوماسية تكشف ازدواجية المعايير الأمريكية.
ويؤكد بشارات أنه رغم تأثير العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، فإنه يجب عدم التوقف عن ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، بل يجب توسيع نطاق الدعاوى القانونية أمام مختلف المحاكم الدولية والوطنية، سواء على المستوى الفردي أو الرسمي، لضمان استمرار الضغط القانوني على الاحتلال.
ويدعو بشارات إلى تشكيل لوبي حقوقي وإنساني على المستوى العربي والإسلامي والدولي، يعمل على التصدي لمحاولات الولايات المتحدة تقويض العدالة الدولية، ويضمن استمرار عمل المؤسسات القانونية بالرغم من الضغوط السياسية والمالية.
ويشدد بشارات على أن هذه اللحظة تشكل اختباراً حقيقياً للمجتمع الدولي وللأطراف التي تؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان.
دلالات
الأكثر تعليقاً
استشهاد الطفل صدام رجب من بلدة كفر اللبد متأثرا بإصابته
السعدي: الاحتلال دمر مخيم جنين بالكامل وهجر أكثر من 20 ألف مواطن قسرا
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/1b518d2de13b5f78c6acb589d4f0882d.webp)
حارس مستوطنة "تلمون" يقتحم أطراف رام الله ويعتدي على شرطيين ويصادر سلاحيهما
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/01975af6be957c5e8541fa86f062cd8d.jpg)
جامعة الدول العربية عن تصريحات نتنياهو حول دولة "فلسطينية في السعودية": انفصال تام عن الواقع
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/0b6e0498328f223d96ec44c802c9dcba.webp)
الرئيس السمسار..!
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/ad761dfefde5e604d017bbc565ae554e.jpg)
"حماس" تطالب بعقد قمة عربية طارئة لمواجهة مشروع التهجير
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/e1dfcdabbf5cd2566bd190000e8a7e0a.jpg)
ترامب: "إسرائيل ستسلم قطاع غزة للولايات المتحدة بعد انتهاء القتال"
الأكثر قراءة
ترامب "ليس في عجلة" لتنفيذ خطته للاستيلاء على غزة
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/f01c1d2a2113f806c19ff993b8360b14.webp)
إعلام عبري: تقديرات بأن حماس تريد الإفراج عن جميع أسرى المؤبدات ضمن المرحلة الثانية
منع إسرائيل ادخال المعدات الثقيلة إلى غزة يؤخر انتشال جثث المحتجزين
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/56bc640d46bbba3c5f3a3d51f5060fc2.webp)
استشهاد الطفل صدام رجب من بلدة كفر اللبد متأثرا بإصابته
نائب وزير الخارجية الصيني تشن شياودونغ يلتقي المبعوثين الدبلوماسيين العرب لدى الصين
مئات المواطنين ينزحون قسرا من مخيم الفارعة
الرئيس السمسار..!
![](https://alquds.fra1.digitaloceanspaces.com/uploads/ad761dfefde5e604d017bbc565ae554e.jpg)
![](/assets/block_backgrounds/finance1-27a30c25.jpg)
أسعار العملات
الأحد 09 فبراير 2025 9:22 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.56
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
يورو / شيكل
بيع 3.68
شراء 3.67
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 604)
شارك برأيك
هجمة ترمب على العدالة الدولية.. الجاني يحاول إطاحة "الجنائية" ليفلت من العقاب