Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 17 يناير 2025 8:38 صباحًا - بتوقيت القدس

التّكَافُل الاجتماعي في الإسلام

الحمد لله الذي أَنْعم علينا بالإسلام، وشَرَح صدورنا للإيمان، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد-صلّى الله عليه وسلّم- وعلى آله وصَحبه أجمعين، وبعد


أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن النّعْمان بن بَشير-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلّى الله عليه وَسَلّم-:" مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى"


هذا الحديث حديث صحيح أَخرجه الإمام مُسلم في صحيحه، كتاب البِرّ والصّلة والآداب، باب تَرَاحم المُؤمنين وتَعَاطفهم وتَعَاضدهم.


لَقد حثّ دِيننا الإسلاميّ على المُؤاخاة والأُلفة والتّكافل بين المسلمين، فقد أرشد رسولنا -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث السابق إلى ما يُنْشِئ بين المسلمين التراحم والحب، فقد شبّه المُؤمنين بالجسد الوَاحد، يَتَرَاحَمون فيما بينهم، ويَتَعَاونون في السّرّاء والضّرّاء، ويَقِفون بجانب بعضهم في الشّدَائد والأَوقات العَصِيبة، وهو ما يُجسد الرّوح الحقيقية للأخوة في الإسلام. 


مشروعية التّكافل من القرآن والسّنة

تُؤكد النّصوص الصّريحة من القرآن الكريم والسّنّة النّبَوية أنّ المُجتمع الإسلامي يقوم على التّكافل والتّعاون، بل لا يكون المجتمع مُجتمعاً إسلامياً بالمعنى الشّامل إلّا إذا كان مُتكافلاً تَسُوده المَحبة والأُلفة، وتنتشر في سمائه العدالة، ويظهر بين أوساطه حبّ الخير، والأدلّة على ذلك كثيرة نذكر طرفاً منها على سبيل المثال لا الحَصْر:


أولاً- القرآن الكريم: يقول الله تعالى في كتابه الكريم: " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" وقال أيضاً: " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ"


ثانياً- السُّنّة النّبَويّة: قال رسولنا الكريم- صَلّى الله عليه وَسَلّم-:" لا يُؤْمِن أَحَدكم حَتّى يُحِبّ لِأَخِيه مَا يُحِبّ لِنَفْسِه"، وقال أيضاً:" المُؤْمِنُ للمُؤْمِن كَالبُنْيَان يَشُدّ بَعْضه بَعْضاً"، 


صور التّكافل الاجتماعي في زمن النبوة

لقد حقق النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أَسْمَى صور التّكافل والتّعاون ، وذلك بِمُؤاخاته بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، هذه المُؤاخاة التي كانت وما تَزَال مَضْرب المثل في التّاريخ، فعندما هاجر المسلمون من مَكّة وتركُوا أعمالهم وأموالهم وتجارتهم بسبب عَدَاء مُشركي قُريش لهم، لكنّهم وَجَدُوا الأنْصار في المدينة أهْل إيمان وتقوى، وحبٍّ للخير، فقد قسموا كلّ ما يَمتلكون بينهم وبين إخوانهم المُهاجرين في هذا الوقت العَصِيب من حياتهم، فخفّفُوا العِبء عنهم والشّدة، فخلّد الله ذكرهم، وأثْنَى على وَقْفتهم، فقال سبحانه وتعالى :


 "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ"، كما أَثْنى النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- على الأشْعَريين الذين طَبّقُوا مَبْدَأ التّكافل بينهم، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا -أي: فَنِيَ زادهم- فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" ، هذا هو المجتمع الإسلامي الأول، مجتمع التكافل والتعاضد، فأين نحن اليوم من هذه المواقف الإيمانية؟؟


أهمية التّكافل الاجتماعي

لا يَخْفَى على أَحَدٍ أَهَمية التّكَافل والتّعَاضد بين النّاس، وما يَتْبَعه من آثَارٍ إيجَابية على صَعِيد الفرد والمُجتمعات، لكِن أهَميّة التّكافل تَزْدَاد عند أهل فلسطين عامّة، وأهل غزّة خاصّة، وما يعيشونه من وَيْلَات الحَرب، فَنَرَى دُمُوع اليَتَامى الذين لا يَجِدون كافلاً، وأنّات الأرَامِل اللّاتي لا يَجِدْن عَائلاً، وتَشَرّد النّازِحين الذّين لا يَجِدون مَأْوى إلّا خِيَام بسيطة لا تَحْميهم من حرّ الصّيف، ولا بَرْد الشّتَاء القَارس.


فَمَا أَحْوجنا ونحن في ظلّ هذه الحَرب الشّرِسَة على أهلنا في غزّة، والظّروف الصّعبة التي يمرّون بها إلى تَفْعِيل مَبْدَأ التّكافل الاجْتِماعي، ولْنَبْدَأ بأَنْفُسنا نحنُ أبناء الشّعب الفلسطينيّ أن نَتَعَاوَنْ على سدّ حَاجَة المُحْتاجين، ونَتَكَاتَفْ لِقَضاء حَوَائج النّازحين، وفي هذه دَعْوة إلى تُجّارنا الكِرام بِأَنْ يَلْتَزِمُوا مَا أَمَرنا به الشّارع من السّعْي لِكَسْب المال الحَلال، والبُعد عن الحَرام، والبُعد عن الرّبا والاحْتِكَار واسْتِغْلَال حَاجة النّاس للسّلع بِرَفْع أسْعَارها، فالدّنيا بَعْدها آخِرَة وهُنَاك السّؤال عن أُمور عَديدة مِنْها المَال: "مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَه وفِيْمَ أَنْفَقُه"، فعَلَينا أنْ نَتَرَاحَم فالله يَرْحَم من عِبَادِه الرّحَمَاء.


كما نَدْعُو أبْنَاء الأُمّتيَن العَرَبية والإسلامية أنْ يَقِفُوا إلى جانب هذا الشعب الصّابر المُرابط وَقْفَة أُخُوّة، وأنْ يَكُونوا على قلبِ رَجُلٍ وَاحِد، وأنْ نَلْمَس تَضَامُنِهُم عَمَلِيّاً بإخْرَاجِ الزّكَاة والإكْثَار من الصّدَقَات، وكَفَالَة الأيْتَام، ومُسَاعدة النّازِحين بِتَوفير الأَغْذِية الصّحية، وإِرْسَال المُسَاعدات الطّبِيّة، وغيرها من أَوْجُه الخَيْر، حتّى يَأْتِي أَمْرُ الله، وتِنْقَشِع هذه الغُمّة ،وتَقِفُ هذه الحَرْب المَسْعُورة، فَلْنَتَكَاتَف جميعاً من أَجلِ أنْ يَحْيَا أَبْنَاء شَعْبنا الصّابر المُرابِط حَياة تَلِيق بِتَضْحِياته وصُمُودِه، فرسولنا الكريم-صلّى الله عليه وسلّم- يقول:" أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يُدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يَكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يَقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِيَ مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجدِ -يعني: مسجدَ المدينةِ- شهراً ...الحديث"


وعلينا أنْ نتضرّعَ جميعاً إلى الله بالدّعاء أَنْ يحْمِي شَعبنا ومقدّسَاتنا من كُلّ سوء، وأنْ يُعَجّل بالفَرَج ويِكشف الغُمّة عنْ أَبْنَاء شَعْبِنا الصّامِد، وأنْ يَرْحَم شُهَدَاءنا ويَشْفِي جَرْحَانا ويَفُكّ قَيْدَ أسْرَانا ...آمين...يا ربّ العالمين.

وصلّ اللهم وسلّم على سيدنا محمّد – صلّى الله عليه وسلّم – وعلى آله وصحبه أجمعين.

دلالات

شارك برأيك

التّكَافُل الاجتماعي في الإسلام

المزيد في أقلام وأراء

تغييب وترهيب

حديث القدس

الرئيس ترمب والتهجير والاستيلاء على غزة

فراس ياغي

أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي

عيسى قراقع

زيارة 1987.. عن مخيم الفارعة وصوت الشيخ إمام ويويا وإرهاصات الانتفاضة

توفيق العيسى

أوهام ترمب.. إعلان حرب

حديث القدس

هجوم "الصدمة والرعب".. هل يحقق أهدافه؟

جيمس زغبي

لقاء نتنياهو مع ترامب

حمادة فراعنة

من يأخذ قلم ترامب من يده؟

بهاء رحال

مشروع ترامب للتطهير العرقي.. استهداف لفلسطين قضية وهوية

راسم عبيدات

اليوم الإسرائيلي - الأمريكي التالي لغزة والضفة

نبهان خريشة

المجنون!

ابراهيم ملحم

حرب ترامب الاقتصادية

حمادة فراعنة

العالم على كف "رئيس"

منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!

محمد جودة

عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل

حديث القدس

المشهد الراهن والمصير الوطني

جمال زقوت

الخيار العسكري الإسرائيلي القادم

راسم عبيدات

ترامب في خدمة القضية الفلسطينية!!

د. إبراهيم نعيرات

ما المنتظر من لقاء نتنياهو وترامب؟

هاني المصري

زكريا الزبيدي تحت التهديد... قدّ من جبال فلسطين

حمدي فراج

أسعار العملات

الخميس 06 فبراير 2025 8:54 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.55

شراء 3.54

يورو / شيكل

بيع 3.67

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.01

شراء 5.0

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 574)