عربي ودولي

الأحد 27 أكتوبر 2024 8:32 صباحًا - بتوقيت القدس

الهجمة الإسرائيلية المرتدّة.. هل تبتلع إيران الضربة أم تُعيد الكَرّة؟

رام الله -خاص بـ"القدس" دوت كوم

د. أشرف بدر: إسرائيل تبدو من ضربتها لإيران كأنها غير راغبة في تصعيد الوضع إلى حرب شاملة

ياسر مناع: إسرائيل وإيران تعملان في الوقت الراهن على إعادة صياغة قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط

داود كُتَّاب: الضربة الإسرائيلية فيها طمأنة بعدم تصعيد الأمور والخيارات الإيرانية بين رد محدود أو الامتناع التام

محمد أبو علان دراغمة: إسرائيل لا تستطيع أن تُحدث تغييراً جوهرياً في توازن القوى الإقليمي دون دعم أمريكي

محمد هواش: موازين القوى بين إيران وإسرائيل لا تتأثر بضربة واحدة وما حدث ضمن إطار عمليات الردع المتبادل

عماد موسى: الأمور ستبقى تحت سقف قواعد الاشتباك المتعارف عليها دون الولوج إلى حرب شاملة في المنطقة

سامر عنبتاوي: الضغط الأمريكي على إسرائيل بتجنب تصعيد واسع قبل الانتخابات أحد أسباب تخفيض الضربة 

 

بعد 25 يوماً من ترقب الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني، جاءت الضربة الإسرائيلية في سياق تصارع بين إسرائيل وإيران لتعزيز استراتيجية الردع، لكن الضربة كانت مخفضة بعكس التوقعات التي روجت لها إسرائيل خلال الفترة الماضية.


ويعتقد كتاب ومحللون سياسيون ومختصون بالشأن الإسرائيلي، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن إسرائيل، بالرغم من حرصها على تسديد ضربة لإيران، كانت حذرة بسبب الضغوط الأمريكية التي تخشى من رد إيراني قوي يُخرج الأمور عن السيطرة، خاصة أن الولايات المتحدة مقبلة على الانتخابات الرئاسية الأسبوع المقبل.

ويشير الكتاب والمختصون إلى أن الاعتماد الإسرائيلي على الدعم الأمريكي كان واضحاً، إذ لم يكن هذا الهجوم ليحدث بالسهولة نفسها دون التنسيق مع الولايات المتحدة وبدعم لوجستي منها. 


ويرون أن الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران جاءت أيضاً في إطار توازنات دولية تحكمها المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة، التي تتجنب التصعيد مع إيران نظراً لتعقيدات المشهد الإقليمي.


ويشيرون الى أن إيران قد تتجنب خلال الفترة المقبلة الرد المباشر وتكتفي بعمليات غير مباشرة عبر حلفائها في المنطقة، حيث أن طهران تفضل استخدام التهديدات المباشرة وغير المباشرة لكبح آثار الضربة، وتعزيز نفوذها الإقليمي دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية شاملة، وهو ما يتناسب مع مصلحتها الاستراتيجية في الحفاظ على تصاعد نفوذها الإقليمي.


ويلفت الكتاب والمختصون إلى أن إيران وإسرائيل تبدوان حريصتين على تجنب مواجهة مفتوحة، فيما تواصل إسرائيل استهداف حلفاء إيران في المنطقة كجزء من استراتيجيتها للحد من نفوذ طهران، بالرغم من أن الأمور قد تنزلق مستقبلاً نحو حرب إقليمية.

 

 

الضربة المحدودة تكشف مدى اعتماد إسرائيل على الدعم الأمريكي

 

يرى د. أشرف بدر، الكاتب والمحلل السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي، أن الضربة الإسرائيلية لإيران تأتي كرسالة استعادة لمنظومة الردع التي اهتزت بفعل الهجمات الإيرانية الأخيرة مطلع الشهر الجاري.


ويشير بدر إلى أن إسرائيل، على رغم تنفيذها هذه الضربة، تبدو غير راغبة في تصعيد الوضع إلى حرب شاملة؛ حيث يواجه قادة إسرائيل ضغوطاً أمريكية كبيرة، إلى جانب الخشية من رد إيراني قوي قد يؤدي إلى تصعيد واسع النطاق. 


ولهذا، يعتقد بدر أن إسرائيل اختارت خفض سقف الضربة ليقتصر على إعادة تثبيت قوة الردع وتوجيه رسالة واضحة لإيران بأن قدراتها تصل إليها دون السعي لتفجير الأمور.


ويوضح  بدر أن هذه الضربة، التي أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عنها بشكل صريح للمرة الأولى، تهدف لكسر حاجز التردد وتأكيد قدرتها العسكرية في استهداف إيران بشكل مباشر. 


ويلفت بدر إلى انه مع ذلك، تكشف الضربة المحدودة مدى اعتماد إسرائيل على دعم الولايات المتحدة، ما يحدّ من قدرتها على تحقيق أهدافها الاستراتيجية بحرية كاملة. 

 

توازنات دولية وإقليمية

 

ويشير بدر إلى أن التوازنات الدولية والإقليمية، والتي يتصدرها الحليف الاستراتيجي الأمريكي، تقيّد قدرة إسرائيل على توجيه ضربة شاملة قد تغيّر موازين القوى في المنطقة.


ويرى بدر أن إيران استطاعت عبر الدبلوماسية، وعبر التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي وجهتها إلى إسرائيل عبر حلفائها في المنطقة، امتصاص وتقليل آثار الضربة الإسرائيلية، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى تخفيف حدة الهجوم، بالرغم من التصريحات التي أطلقها وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، واصفاً الضربة بأنها ستكون "مميتة وقاتلة". 


وبحسب بدر، فإنه سواء أجاء هذا التخفيض بفعل الضغوط الأمريكية أم نتيجة خشية إسرائيل من ردود فعل إيرانية قوية، فإن النتيجة واحدة، وهي أن الضربة التي وُجّهت كانت محسوبة ومخفضة، ما يعكس وجود قيود فُرضت على إسرائيل ناتجة عن التوازنات الدولية التي تحول دون تغيير استراتيجي شامل في المنطقة.

 

خطر التصعيد الإقليمي لا يزال قائماً

 

ويرى بدر أن خطر التصعيد الإقليمي لا يزال قائماً، ويتوقف على طبيعة الرد الإيراني المتوقع، ففي حال ردت إيران في المستقبل واستهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية برد محدود، فذلك قد يؤدي إلى استمرار دائرة الهجمات المتبادلة دون تصعيد شامل، بينما إن كان الرد الإيراني قوياً بسبب حجم الأضرار التي خلّفتها الضربة الإسرائيلية، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد أوسع. 


ويشير إلى أن الرد الإيراني المتوقع سيأتي بحدود مضبوطة، وأن حجمه سيعتمد على حجم الخسائر الإيرانية الحقيقية، فإذا كانت كبيرة، كما تدّعي وسائل الإعلام الإسرائيلية، فمن المرجح أن يكون الرد الإيراني قوياً، أما إذا كانت الأضرار طفيفة، كما توضح وسائل الإعلام الإيرانية، فسيكون الرد محدوداً، ما يشير إلى رغبة الطرفين في تجنب اندلاع حرب شاملة في المنطقة.

 

إسرائيل تسعى لإثبات قدرتها المستمرة على الردع

 

يوضح الكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع الاستراتيجية الإسرائيلية الأخيرة أن إسرائيل تسعى لإثبات قدرتها المستمرة على الردع عبر استهداف أي مواقع تراها ضرورية، مدعومة بموقف أمريكي داعم يظهر قوة التحالف بين الطرفين. 


ويشير مناع إلى أن الأهداف الإسرائيلية المعلنة ليست وحدها في الصورة، إذ يبقى هناك جانب خفي يصعب التنبؤ به نتيجة لغياب المعلومات الكاملة حول الخسائر أو تفاصيل العمليات المستهدفة حتى الآن.


ويلفت مناع إلى أن كلاً من إسرائيل وإيران تعمل في الوقت الراهن على إعادة صياغة قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، في مسار مواجهة طويل ومستمر لم يبدأ مع أحداث 7 أكتوبر ولن ينتهي بالضربات الأخيرة. 


وتعتبر إسرائيل، وفقاً لمناع، أن عملياتها لا تقتصر على مواجهة مباشرة مع إيران، بل تشمل استهداف فصائل المقاومة في غزة ولبنان واليمن وسوريا، كجزء من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الإيراني، حيث تتبنى إسرائيل نهجاً تدريجياً غير منفصل عن هذا المسار.

 

الحسابات الأمريكية تجاه إيران تبقى معقدة

 

ويؤكد مناع أن الحسابات الأمريكية تجاه إيران تبقى معقدة وتخضع لتأثيرات دولية من روسيا والصين، ما يزيد من صعوبة اتخاذ قرارات صارمة. 


ويشير إلى أن الولايات المتحدة قد تكون تبنّت هذا النهج لتتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، فيما تنصبّ استراتيجيتها المشتركة مع إسرائيل على تحقيق أهداف طويلة الأمد، منها تغيير النظام الحاكم في غزة كجزء من أهداف الحرب الدائرة.


وبحسب مناع، فإن توزيع الأهداف الجغرافية في الضربات الإسرائيلية يُعزز فكرة حرص إسرائيل على تجنب التصعيد إلى مستوى حرب إقليمية واسعة، وهي استراتيجية تشترك فيها إيران، خاصة أن الاستهداف الإسرائيلي لم يشمل منشآت نفطية أو نووية إيرانية. 

 

الرد الإيراني قد يكون محدوداً أو مؤجلاً في المرحلة القريبة

 

ومن هنا، يتوقع مناع أن يكون الرد الإيراني محدوداً أو مؤجلاً في المرحلة القريبة، إذ ترى إيران أن التريث يتيح لها تعزيز مكانتها كقوة صاعدة، إذ تُمكنها من مواصلة توسع نفوذها بطريقة غير مباشرة.


ويرى مناع أن هذا الوضع الراهن يُمكن إيران من تعزيز موقعها في المنطقة من خلال قدرتها على مواجهة الضغط الأمريكي-الإسرائيلي دون الانجرار إلى تصعيد مفتوح، ومع استمرار هذا النهج، تجد إيران نفسها في موقف قوة، مما يزيد من تأثيرها في توازنات القوى في الشرق الأوسط ويدعم مساعيها لترسيخ وجودها الإقليمي بشكل أوسع.

 

رسالة إسرائيلية داخلية

 

يرى الكاتب والمحلل السياسي داود كُتَّاب أن الرسالة التي تحاول إسرائيل توجيهها من خلال استهدافها لإيران تحمل طابعاً داخلياً أكثر من كونها استراتيجية ردع خارجي.


ويعتبر كُتَّاب أن الضربة الإسرائيلية جاءت "خجولة" وغير ذات تأثير حقيقي، ما يكشف عن فجوة واضحة بين التصريحات الإسرائيلية الحادة والإجراءات الفعلية على الأرض. 


وبحسب كُتَّاب، فإن إسرائيل سعت من خلال هذا الهجوم المحدود إلى تأكيد حضورها لا أكثر، في رسالة تشبه "تمخّض الجبل فولد فأراً"، حيث يبدو أن إسرائيل أرادت إثبات وجودها دون اتخاذ خطوات فعالة قادرة على التأثير في توازن القوى الإقليمي.


ويرى أن هذه الضربة لا ترقى إلى مستوى الردع أو التغيير الاستراتيجي، إذ لم تحمل معها تأثيراً كبيراً على مستوى الأمن الإقليمي أو الإقناع بقوة الرد الإسرائيلي، وقد يكون تصريح إسرائيل بأنها أوقفت الهجمات ضد إيران بمثابة إشارة تهدئة، سواء للجانب الإيراني أو للمنطقة ككل، حيث تهدف إلى طمأنة الأطراف المعنية، بما فيها إيران، بأن إسرائيل لا تعتزم تصعيد الأمور في المستقبل القريب.


أما في ما يتعلق برد إيران المحتمل، فيرى كُتَّاب أن الخيارات تظل محصورة بين رد محدود أو الامتناع التام، إلا أن كُتَّاب يُرجح الخيار الأخير، مؤكداً أن إيران قد تختار الامتناع عن الرد في الوقت الحالي، وهو ما قد يؤدي فعلياً إلى طي صفحة هذا الملف على الأقل في المرحلة الحالية والمتوسطة.

 

رسائل متعددة لا يمكن فصلها عن دعم الولايات المتحدة

 

 يرى المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان دراغمة أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة ضد أهداف إيرانية تحمل رسائل عدة، ولكن لا يمكن فصل هذه الرسائل عن موافقة ودعم الولايات المتحدة، والتي يرى أنها كانت حاضرة في كل خطوة إسرائيلية. 


ويشير دراغمة إلى أن الرسالة الأولى التي حاولت إسرائيل توجيهها هي عدم قبولها بأي "تهديد لأراضيها" أو محاولة "اختراق سيادتها"، وهو ما يشكل من وجهة نظرها أساساً لأي رد إسرائيلي في المستقبل. 


أما الرسالة الثانية، بحسب دراغمة، فتتمثل في إظهار قدرة إسرائيل على الوصول إلى المنشآت الاستراتيجية الإيرانية، بما في ذلك المنشآت النفطية والنووية، ما يعزز صورة الردع الإسرائيلي.


ولكن، على الرغم من هذه الرسائل، يرى دراغمة أن فعالية الضربات تبقى محدودة ما لم تترافق مع دعم أمريكي قوي، وهذا واضح في الخطوات الأمريكية الأخيرة، حيث مارست الولايات المتحدة ضغطاً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجعل الهجوم محدوداً، ما يُظهر مدى قدرة واشنطن على التأثير في مسار الأحداث بالمنطقة عندما ترغب في ذلك. 


ويوضح دراغمة أن التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا السياق كان واضحاً عبر اتصالات متواصلة بين وزير الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع الأميركي، إضافة إلى محادثات مباشرة بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو، كما أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن كان موجوداً في المنطقة لتعزيز هذا التنسيق.


من الناحية العسكرية، يشير دراغمة إلى أن إسرائيل لا تستطيع أن تُحدث تغييراً جوهرياً في توازن القوى الإقليمي من دون دعم أمريكي، حيث إن إسرائيل انتظرت وصول منظومة الدفاع الأمريكية "ثاد" لمواجهة أي رد إيراني محتمل، كما نُقلت طائرات إمداد بالوقود وطائرات "إف-16" أمريكية من ألمانيا إلى المنطقة. 


وبهذا، يصف دراغمة القدرة العسكرية الإسرائيلية بأنها محدودة في مواجهة إيران دون الدعم الأمريكي.


في ما يتعلق بالرد الإيراني المحتمل، يرى دراغمة أن الخيارات أمام طهران تتركز في استخدام الصواريخ الباليستية، بعدما أثبتت الطائرات المسيّرة الإيرانية محدودية فعاليتها أمام الدفاعات الجوية الإسرائيلية والدعم الإقليمي والقواعد الأمريكية في المنطقة، كون تلك الطائرات المسيرة الايرانية تقطع مسافات كبيرة جداً، وليست كمسيرات حزب الله من مسافات قريبة.


ومع ذلك، يشير دراغمة إلى أن إيران قد تتجه نحو احتواء الهجوم الإسرائيلي الأخير؛ نظراً لضعف تأثيره، كما يصفه الإيرانيون أنفسهم.

 

إيران قد ترد عبر حلفائها

 

ويتوقع دراغمة أن ترد إيران بشكل غير مباشر عبر حلفائها، مثل الحوثيين أو حزب الله، لكن من المستبعد أن يكون الرد مباشرًا.


أما على صعيد التصعيد الإقليمي، فيرى دراغمة أن حالة من "الحرب الإقليمية غير المباشرة" قائمة بالفعل، إذ تشتبك إسرائيل مع طائرات مسيرة تنطلق من اليمن والعراق، إضافة إلى التصعيد المستمر على الحدود الشمالية، وحرب الإبادة في قطاع غزة، والتوترات في الضفة الغربية.


ويشير دراغمة إلى أن هذه الأوضاع قد لا تصل إلى حرب مباشرة بين الدول، لكن وتيرة الاشتباكات توحي بأن هناك تصعيداً مستمراً بين إسرائيل وفصائل متعددة في المنطقة، ما يجعل التصعيد الإقليمي واقعاً مستمراً يعكس تعقيدات الوضع الجيوسياسي الحالي.

 

رد مدروس بعناية

 

يعتقد الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش أن الضربة الإسرائيلية ضد إيران، تأتي ضمن إطار عمليات الردع المتبادل بين الطرفين، مشيرًا إلى أن هذه الضربة جاءت بعد تعرض إسرائيل لضربات إيرانية متعددة، حيث تعتقد إسرائيل بضرورة الرد في خطوة كانت قد تشعل صراعاً أكبر في المنطقة. 


لكن الرد الإسرائيلي، وفقاً لهواش، جاء مدروسًا ومحسوباً بعناية، مراعياً المصالح الأمريكية في المنطقة، بهدف تأكيد قدرة إسرائيل على ردع إيران دون تصعيد خطير قد يؤثر سلباً على استقرار المنطقة.


ويوضح هواش أن الهجوم الإسرائيلي استهدف عدة قواعد عسكرية إيرانية، حيث تعتبر إسرائيل أن هذه الخطوة كانت كافية في هذه المرحلة دون أن تخرج عن نطاق التحفظ الأمريكي. 


ويشير هواش إلى أن هذا النهج المنضبط يأتي وفقاً لحسابات الولايات المتحدة، خاصةً قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تفضل واشنطن الحفاظ على استقرار نسبي في المنطقة وتجنب مواجهة مباشرة قد تضعها في موقف محرج، خاصةً إذا اضطرت لدعم إسرائيل بشكل لا تريده أو تحاول تجنبه ولا تستطيع القيام بذلك، ووفقاً لهذا السياق تتجنب الإدارة الأمريكية أي ردود فعل إيرانية واسعة قد تؤدي إلى تصعيد عسكري شامل، وتُحاول ضبط الأحداث بما يخدم مصالحها على المدى القريب.


ويرى هواش أن موازين القوى بين إيران وإسرائيل لا تتأثر بضربة واحدة، موضحاً أن إيران تمتلك قدرة ردع كافية، فيما تحافظ إسرائيل على تفوقها العسكري النوعي. 

 

 الحفاظ على قواعد الاشتباك

 

ويؤكد هواش أن الوضع الراهن يظهر حرص الطرفين على الحفاظ على قواعد الاشتباك دون الانجرار إلى تصعيد أكبر، خصوصاً مع استمرار التصريحات التي تؤكد عدم رغبة أي من الجانبين بتصعيد الأمور أو كسر حالة التوازن الحالية.


وفي ما يخص الرد الإيراني، يتوقع هواش أن يكون رد إيران غير مباشر، حيث تميل إيران في مثل هذه الحالات إلى دعم حلفائها في المنطقة دون اللجوء إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل. 


ويشير هواش إلى أن طابع التصعيد في المنطقة يظل مرتبطاً بشكل كبير بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، إذ إن من سيفوز في هذه الانتخابات، سواء كانت كامالا هاريس أو دونالد ترامب، قد يحدد التوجه المستقبلي نحو تصعيد أكبر أو فرض تسوية في المنطقة.

 

تعزيز الثقة لدى الرأي العام الإسرائيلي

 

يرى الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران تحمل رسائل متعددة، تهدف بالأساس إلى تعزيز الثقة لدى الرأي العام الإسرائيلي بقدرة جيش الاحتلال على الوصول إلى أي هدف، بغية تكريس صورة إسرائيل كقوة إقليمية عظمى تتجاوز الأعراف والقوانين الدولية. 


ويشير موسى إلى أن الرسالة الثانية موجهة إلى إيران ودول المنطقة ومحور المقاومة، بهدف التشكيك في مصداقية إيران كحليف، وإثارة الشكوك حولها. 


وتعمل وسائل الإعلام الإسرائيلية، بحسب موسى، على الترويج لمزاعم بأن الولايات المتحدة أبلغت إيران بموعد الضربة مسبقاً، وأن إسرائيل أرسلت رسالة عبر طرف ثالث، ما يعزز رواية إسرائيل ويخدم هدفها في تقويض التحالفات الإقليمية المحيطة بإيران، بهدف إضعافها على المدى البعيد وعزلها سياسياً.

 

نتنياهو يلعب على الحبال السياسية

 

ويرى موسى أن الضربة الإسرائيلية لإيران كانت سطحية، إذ لم تكن تهدف لتحقيق مكاسب عسكرية بقدر ما جاءت استجابة للمطلب الأمريكي، في ظل حساسية الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، الذين يرغبون بتجنب أي تصعيد يؤثر على استقرار المنطقة قبيل الانتخابات الأمريكية. 


ويلفت موسى إلى أن نتنياهو، من جانبه، يبدو كأنه يلعب على الحبال السياسية لتحقيق مصالح تتماشى مع تطلعات كلا المرشحين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، بينما تسعى واشنطن أيضًا لتهيئة الأجواء لمواجهة محتملة مع الصين، ولهذا السبب تفضل تحييد إيران إذا أمكن، بهدف تجنب حرب استنزاف طويلة مع محور المقاومة، الذي يجد دعماً قوياً من روسيا والصين في إطار تكتل "بريكس" الصاعد.

 

إيران قد تلجأ إلى رد "استعراضي"

 

أما في ما يخص الرد الإيراني على إسرائيل، فيعتقد موسى أن إيران قد تلجأ إلى رد "استعراضي" كما فعلت سابقًا، أو تدفع حزب الله لاستخدام الصواريخ الذكية لإلحاق الضرر بإسرائيل دون تصعيد شامل، في خطوة تبعث برسالة قوة من محور المقاومة، مع تجنب مواجهة شاملة. 


ويرى موسى أن الأمور ستبقى تحت سقف قواعد الاشتباك المتعارف عليها، دون الولوج إلى حرب شاملة في المنطقة، إذ تحتاج إسرائيل إلى الوقت لتكثيف ضرباتها ضد القرى اللبنانية الداعمة لحزب الله، مستغلة الفترة الراهنة لإضعاف البنية التحتية لحاضنته الشعبية، مما يحقق هدفها طويل الأمد في تآكل الدعم الشعبي للمقاومة في لبنان، علاوة على الاستمرار بتحقيق أهدافها في قطاع غزة كما تعتقد.

 

أسباب ضبَطت إيقاع الضربة

 

يشير الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي إلى أن الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية جاء بعد نحو 25 يوماً من الترقب، في حين عمد نتنياهو وغالانت، إضافة إلى قيادات الجيش، إلى الترويج لضربة "مزلزلة" ستترك إيران في صدمة عميقة.


ويوضح عنبتاوي أن الرد الإسرائيلي الفعلي على إيران جاء محدوداً لعدة أسباب، أبرزها الضغط الأمريكي الذي سعى إلى تجنب تصعيد واسع قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، فقد دفعت الولايات المتحدة نحو ردّ مخفّف من إسرائيل لا يستدعي رداً عنيفاً من إيران، تجنباً لدخول مواجهة كبيرة قد تؤثر على استقرار المنطقة قبيل موعد الانتخابات في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.


ويرى عنبتاوي أن السبب الآخر هو التهديدات الإيرانية القوية، التي وصلت إلى إسرائيل عبر الوسطاء، التي فرضت على الحكومة الإسرائيلية تقديراً جديداً للعواقب المحتملة، إذ وجدت أن الداخل الإسرائيلي قد لا يتحمل رداً إيرانياً آخر.


ويلفت عنبتاوي إلى أن هذا التحليل يوضح أن الضربة المحدودة تركت لإسرائيل رسالة جديدة من محور المقاومة، فالرد غير الحاسم جعل إسرائيل تحسب بدقة أي خطوات تصعيدية أخرى، وأعاد التوازن بين إسرائيل والمحور المقاوم، ما سيكون له أثر كبير على مسار المفاوضات الإقليمية.

 

الولايات المتحدة تسعى لمساومة إيران على عدم الرد

 

أما خيارات إيران للرد، فيعتقد عنبتاوي أن إيران اكتسبت الحق القانوني الدولي للرد، وتلمح بهذا الحق في إطار من التهديد الدبلوماسي. 


وبحسب عنبتاوي، فإنه من المرجح أن الولايات المتحدة تسعى الآن لمساومة إيران على عدم الرد، مع تقديم تهدئة في المنطقة تشمل الحرب الدائرة على لبنان وقطاع غزة، وذلك قبيل الانتخابات. 


هذا النهج، وفق عنبتاوي، يمنح إيران قوة في فرض بعض المطالب لصالح حلفائها، كحزب الله وحركة حماس، وقد يدفع نحو زيادة الضغط الأمريكي لتحقيق اتفاق دبلوماسي، ولو مؤقتاً حتى إن كان اتفاقاً غير قابل للحياة، بهدف تعزيز موقف الحزب الديمقراطي في الانتخابات بعيدًا عن اضطرابات إقليمية واسعة.


وبالرغم من ذلك، يرى عنبتاوي أن خطر التصعيد الإقليمي لا يزال وارداً، إذ يحاول نتنياهو، تحت ضغوط الأزمة الداخلية ومشاكله السياسية الشخصية والحفاظ على ائتلافه الحكومي، دفع الأوضاع نحو حرب إقليمية واسعة كخيار لتعزيز موقف حكومته المتعثر. 


وفي هذا السياق، يشير عنبتاوي إلى أن هناك تياراً واسعاً في أوساط الدولة العميقة الأمريكية، خاصة مع احتمال وصول دونالد ترامب إلى الحكم مجدداً، يرى أهمية تحقيق "حرب إقليمية شاملة"، لكن الضغوط الداخلية والدولية الحالية تحاصر نتنياهو، إلا أن الاحتمال يبقى قائماً باتجاه التصعيد في المستقبل، ولا أحد يدري ما ستؤول إليه الأمور

دلالات

شارك برأيك

الهجمة الإسرائيلية المرتدّة.. هل تبتلع إيران الضربة أم تُعيد الكَرّة؟

المزيد في عربي ودولي

أسعار العملات

الأربعاء 23 أكتوبر 2024 8:57 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.78

شراء 3.77

يورو / شيكل

بيع 4.08

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.33

شراء 5.3

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%19

%81

(مجموع المصوتين 488)