أقلام وأراء

الثّلاثاء 06 أغسطس 2024 9:33 صباحًا - بتوقيت القدس

سياسة الاغتيالات ..الرسائل والأهداف

تلخيص

عمليتا الاغتيال اللتان جرتا في الضاحية الجنوبية من بيروت، وفي طهران 30 و31-7-2024، وطالتا شخصيتين كبيرتين عسكرياً وسياسياً، مسؤول النظم العسكرية الاستراتيجية في حزب الله اللبناني، القائد فؤاد شكر "الحج محسن"، والذي أعلنت أمريكا عام 1983 رصد جائزة مالية بقيمة 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكانه، لأنها تتهمه بأنه من خطط وقاد عملية تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983، والأخ إسماعيل هنية "أبو العبد" الزعيم السياسي والرجل الأول في حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي. عمليتا الاغتيال هاتان، يبدو بأنه جرى الترتيب والتخطيط والإعداد وجمع المعلومات الاستخبارية عنهما لفترة طويلة، عمليتا اغتيال بهذا الحجم، تحتاجان إلى قرار في دوائر مغلقة وموافقة ومصادقة أمريكية، نظراً للتداعيات التي قد تنتج عن هاتين العمليتين، وربما تدفعان المنطقة والإقليم نحو حرب إقليمية. 


ولذلك من المرجح أنه في لقاء نتنياهو مع بايدن في واشنطن بعد زيارته الأخيرة وإلقاء خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، محفل الافتراء العالمي، جرى التوافق على هاتين العمليتين، واختيار ذريعة تستخدم وتوظف لتنفيذهما، وجرى "تصنيع" عملية قتل أطفال مجدل شمس، واتهام حزب الله اللبناني بالمسؤولية عنها، وما تبع ذلك من توظيف إسرائيلي لها، وقول بايدن والإدارة الأمريكية بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وبعد اغتيال القائد فؤاد شكر، قالت أمريكا أن عملية الاغتيال تلك يجب أن لا تؤدي إلى حرب شاملة، بل هي جزء من قواعد اشتباك يجب على حزب الله ومحور المقاومة التعايش معها، أو الذهاب للحرب الشاملة، في حين مكان اغتيال هنية في طهران، وليس في أي مكان أخر، واحد من أهدافه تسعير الفتنة المذهبية السنية الشيعية، وخلق شرخ وحالة من عدم الثقة بين طهران وحركة حماس.


 وكذلك أراد نتنياهو أن يظهر أن إسرائيل متفوقة تكنولوجياً واستخبارياً وقادرة أن تضرب في أي مكان وتصل إلى الهدف الذي تريد، وإظهار إيران كدولة مخترقة أمنياً وغير قادرة على تأمين الحماية حتى لضيوفها، وكذلك أراد بها الهروب إلى الأمام للتخلص من مأزق عجزه في قطاع غزة، وعدم قدرته على تحقيق الأهداف الاستراتيجية المتطرفة للحرب العدوانية التي خرج إليها في قطاع غزة، وأيضاً عدم قدرته على إعادة مستوطني الشمال إلى مستوطناتهم، والأهم بالنسبة له توظيف الإنجاز التكتيكي في ترميم صورته واستعادة شعبيته أمام الجمهور الإسرائيلي، وتخفيف الضغوط السياسية والشعبية عليه، وتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين، وبالذات مع وزير حربه غالانت ورئيس أركان جيشه هليفي ورئيس "الشاباك" بار.


عمليات الاغتيال، هي منهج ثابت في الاستراتيجية والعقلية الإستعلائية لإسرائيل، وهي ترى فيها عاملاً ردعياً وترهيبياً لقوى المقاومة والمقاومين، وتعتقد بأنها تسهم في إضعاف قوى المقاومة، وتفككها قيادياً وتنظيمياً، وتعمل على انفضاض القاعدة والحاضنة الشعبية من حولها، ولكن التجارب والتاريخ يعلمان، بأن عمليات الاغتيال تلك وسعت من حضور وشعبية تلك التنظيمات والقوى، وازدياد الالتفاف الشعبي والجماهيري حولها، بدليل أن الاحتلال قام بأكثر من 237 عملية اغتيال بحق قوى المقاومة، شملت قيادات وازنة في تلك القوى. فعلى سبيل المثال جرى اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وعدد من قياداتها الأولى عبدالعزيز الرنتيسي وسعيد صيام وإسماعيل أبو شنب، وقياداتها الميدانية منهم يحيى عياش والجعبري وغيرهما، وكذلك جرى اغتيال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي، وبهاء أبو العطايا وغيرهما، والأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، وخليل الوزير أبو جهاد أبرز قادة حركة فتح وصلاح خلف "أبو إياد" وغيرهم، واغتيل الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي، وتلك الاغتيالات لم تسهم في إضعاف تلك التنظيمات أو تفككها وتحللها، بل وجدنا أن أوضاعها وقدراتها وإمكانياتها العسكرية والتسليحية والتقنية والتكنولوجية وحضورها وشعبيتها، حدثت فيها قفزات نوعية عما كانت عليه سابقاً عدة مرات.


هناك إجماع عند وزراء سابقين وقادة مراكز أبحاث وزعماء سابقين لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، وقادة مركز الأبحاث القومي من أمثال نيتسان هورفيتش زعيم حركة "ميرتس" السابق والوزير السابق، وكذلك تامير هايمن رئيس مركز الأبحاث القومي، والعقيد احتياط كوبي ميروم ورئيس الأركان السابق والعقيد احتياط دان هرئيل والصحفي المشهور بن كسبيت، هناك إجماع على أن هذه الاغتيالات ليست لها تأثيرات ملموسة أو كبيرة على المدى الاستراتيجي، فهي تعطي شعوراً بالرضى على المدى القصير، ولكن لا توجد لها تأثيرات كبيرة على الأهداف الاستراتيجية، بل هي تدخل إسرائيل في حرب استنزاف طويلة، والحرب على سبع جبهات، وهي لم تسهم في تحقيق أهداف الحرب، بل هي تقرب من اندلاع حرب إقليمية. صحيح أن حماس قد تتضرر بعض الشيء مؤقتاً عبر اغتيال قيادات لها، ولكن هي تخرج أكثر قوة سياسياً وشعبياً، وتصبح رقماً صعباً محلياً وعربياً وإقليمياً.


وفي النهاية وبشكل مكثف، يمكن القول أن عمليتي الإغتيال بحق القائدين فؤاد شكر وإسماعيل هنية، والهجوم على خزانات الوقود في اليمن ومحطة الكهرباء هناك، لن تمكنا اسرائيل من فك الارتباط بين جبهات الإسناد وجبهة قطاع غزة، وهي لن تمكنها كذلك من استعادة أسراها في غزة، ولا كسب الحرب الاستنزافية المتواصلة منذ عشرة شهور، ولا دفع حماس والمقاومة للاستسلام، وكذلك لن تمكنها من إعادة مستوطنيها المهجرين في الشمال إلى مستوطناتهم، ولن تفتح البحر الأحمر أمام السفن التجارية التي تحمل البضائع إلى اسرائيل، أي أنها فشلت في فك الحصار الاقتصادي البحري على موانئها من قبل جماعة "أنصار الله" اليمنية.


عمليات الاغتيال، هي منهج ثابت في الاستراتيجية والعقلية الإستعلائية لإسرائيل، وهي ترى فيها عاملاً ردعياً وترهيبياً لقوى المقاومة والمقاومين، وتعتقد بأنها تسهم في إضعاف قوى المقاومة، وتفككها قيادياً وتنظيمياً، وتعمل على انفضاض القاعدة والحاضنة الشعبية من حولها.

دلالات

شارك برأيك

سياسة الاغتيالات ..الرسائل والأهداف

المزيد في أقلام وأراء

القانون الدولي: أداة مماطلة لإسرائيل أم طريق نحو إقامة الدولة الفلسطينية؟

د. دلال صائب عريقات

أطفال غزه بين الركام: الأولوية للصحة النفسية والتعليم

بقلم د. سماح جبر ، مديرة دائرة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية

هاريس وأفق السلام الفلسطيني الإسرائيلي

جيمس زغبي

مع اقتراب الانتخابات الأمريكية ”اللوبي الصهيوني" لم يعد يهوديا فحسب

د‫. أسعد عبد الرحمن

ماذا تبقى من حل الدولتين؟

بهاء رحال

الدول الداعمة للاحتلال تتخلى عن إنسانيتها

سري القدوة

نبض الضفة لا يهدأ

حديث القدس

"حكومة الوحدة".. هل يفعلها نتنياهو؟

حسن لافي

الاستيطان ومستقبل الضفة

مناضل حنني

المساعدات الإنسانية الأمريكية.. دلالات التوقيت والسياق السياسي

فادي أبو بكر

مستقبل غزة مرتبط بنتائج الانتخابات الأمريكية

مروان اميل طوباسي

المساعدات الإنسانية الأمريكية.. دلالات التوقيت والسياق السياسي

فادي أبو بكر

مستقبل غزة مرتبط بنتائج الانتخابات الأمريكية

مروان أميل طوباسي

التعارض والتناقض الأميركي

غوتيريش: لكي يكون أميناً عاماً فعالاً وذا رؤية

أ. د. جورج جبور

ماذا تعرف عن زمنك الفردي؟

فراس عبيد

بمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الانتحار: دور الخطاب الديني في معالجة الانتحار

سماح جبر

هل يستسلم العالم أمام نتانياهو ؟!

جمال زقوت

"طفح الكيل "

حديث القدس

صراع الوهم ضد الحقيقة

حمادة فراعنة

أسعار العملات

السّبت 14 سبتمبر 2024 7:46 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.71

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.23

شراء 5.21

يورو / شيكل

بيع 4.11

شراء 4.09

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%19

%81

(مجموع المصوتين 147)