Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 05 أغسطس 2024 8:44 صباحًا - بتوقيت القدس

الحياة أفضل.. مع عالِمة النفس العربية وفاء شلبي

تلخيص

لسببٍ غامضٍ جميل، مفسّر وغير مفسّر، يتبوّأ علم النفس مكانةً ساميةً في وعي كل إنسان، حتى لو لم يكن مطلعاً بقدر معقول على مفاهيمه ومفاتيحه، وحتى لو لم ينل علم النفس مكانته التي يستحق في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.


"أتعاطف مع جميع المرضى، وأتفهم معاناتهم، لكن يظل مرضى الاكتئاب هم الأقرب لقلبي؛ لأني أشعر أن معاناتهم أشد، ولكن عامة الناس اعتادوا أن يبخسوا الاكتئاب قدره، ويختزلونه في المزاج السيئ، بالرغم من أنه يعادل السرطان في ألمه، وينهش في الروح كما ينهش السرطان في الجسد. الاكتئاب لا يعني أن تستيقظ صباحاً بمزاج سيئ، ولكنه مرض له أسباب وأعراض وأدوية وطرق علاجية عديدة، مثل جميع الأمراض العضوية، وله أنواع عديدة، مثل: الاكتئاب الاستجابي، والاكتئاب الموسمي، والاكتئاب الذهاني، واكتئاب ثنائي القطب. كما أن له درجات تتراوح بين البساطة والشدة" (كتاب أنا مريضة نفسياً، وفاء شلبي، ص 75، دار الشروق المصرية، الطبعة الثالثة).


الدكتورة وفاء شلبي معالِجة نفسية عربية قديرة من مصر، أخذت على عاتقها مهمة جريئة وكبيرة، هي تقديم علم النفس وقدراته الفائقة، بشكل مبسّط للجمهور العربي المتعطش، من خلال عرض خلاصة قصص العلاج الناجحة لمئات الحالات النفسية التي عالجتها من حالات المكتئبين، والقلقين، والهستيريين، والحديّين، والمؤذين، والفاقدين، ومحرومي الحب والحنان، والمصدومين، وغيرهم.


"كم مرةً قلت: هو اللي استفزني، هو اللي ضايقني، هي اللي وصلتني أضربها، هو اللي وصلني إني أخونه، أنا خايفه من نفسي أحسن أضعف، بابا اللي أصر على دخولي كلية الصيدلة، أهلي أجبروني أتجوز.. إلخ؟ وهذا يعني أن تلتزم بقيم الآخرين، وتساير القطيع. وليست المسايرة فقط هي المعضلة الكبرى، بل إعطاء قيمة مبالغة لقيم الآخرين حتى لو كانت تتميز بالهشاشة".


نعم يمكن أن يكون جميع الناس على خطأ، ورأيك هو الصواب الوحيد، لذلك يجب أن تتحرر من فكرة أن الأكثرية هي التي تمتلك الحق المطلق، وتثق في منطقية رأيك أحياناً، وتواجه القلق الوجودي بثبات، وتكف عن تناول المسكنات؛ أي أن تعترف بصعوبة اتخاذ القرار قائلاً : أنا لا أريد أن ألتزم بنظامي الغذائي، أريد أن آكل شوكولاته وأستمتع .


"ليس مهماً أن يكون ذلك الاختيار هو الصحيح، ولكن الأصح أنه اختيارك أنت على كل حال، وتتحمل مسؤوليتك تجاهه، ولا تقوم بإلقائها على غيرك" (أنا مريضة نفسياً، ص13).


بمنطق علمي وفكري بسيط، وسلس، وعميق، لا يمكنك إلا أن تقتنع به وتنحني له احتراما، ويقوم فنياً على نظام عرض (لوحات نفسية) مبسطة ومختصرة، بأسلوب سهل ممتنع، ابتكرته المعالِجة الجليلة لتهدينا تحفتها النفسية والفكرية كتاب (أنا مريضة نفسيًا) الذي هو خلاصة خبرتها الطويلة في تشخيص الحالات المرضية المتنوعة وعلاجها، وربط تلك الحالات بالمرجع الثقافي والبيئي المنتج لها –وتلك كانت بحق المهمة الجريئة والعميقة لامرأة عربية، عالمة نفس، مثقفة، وذات موهبة تأليفية وسردية مدهشة.


"ومن المفارقات العجيبة أن الرجل الشرقي مبرمج على الإيقاع بالأنثى، ولذلك يشعر بالارتباك عندما تبدأ هي بالخطوة الأولى. غالبية الرجال الشرقيين يلهثون خلف الأنثى التي تقوم بخداعهم واستغلالهم وابتزازهم مادياً وعاطفياً، والتي تستخدم معهم الحيلة الهستيرية المشهورة (الإغواء وعدم الإشباع). ولكنهم ينفرون من الأنثى الصريحة في مشاعرها وسلوكياتها، والتي لا تجد غضاضة في أن تقول: "أنا معجبة بيك"، أو: "أنا بحبك"، ولا يرون في ذلك رقيّاً من وجهة نظرهم، أو يتعاملون برقيّ مماثل، ولكن يهلعون من جرأتها وينفرون منها. وأكبر دليل على ذلك، هو المقارنة بين موقف الرجل في حال لو صارحته الأنثى بعلاقة جنسية قبل الزواج، وبين موقفه إذا أخفت الحقيقة، وأجرت عملية ترقيع واقتربت من صورة الفتاة "الخام". في الحالة الأولى يهرب، وفي الحالة الثانية سوف يتزوجها، مشيدا بالبكر الرشيد (أنا مريضة نفسياً، وفاء شلبي، ص 43، 44).


إن ما يميز المجهود الإبداعي الراقي لتلك المرأة العربية المبدعة هو مقدرتها على الدمج التحليلي المتزامن للمفاهيم النفسية والعلاجية، والحالات المرضية، وقيم الثقافة العربية السلبية التي تَحول بين العرب وتطوّرهم الحضاري الواجب التحقق.


"العلاقات محفوفة دائماً بالتحديات، ومفتقدة للكمال، ولكن المهم أن تتقبل النواقص. جزء من التزامك بالتغيير هو تقبّلك للأشياء الناقصة. فعليك أن تتقبل انعدام الكمال بالنسبة لك، ولمن حولك. واعلم أن لديك عيوباً ولديهم أيضاً، لذلك فإن الفيصل هو في طريقة تعاملك مع العيوب، وليس هروبك منها والكف عن المشاركة. تقبّل أن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وأن أي شيء من الممكن أن يصدر من أي شخص. لا يقين، لا ضمانات، لا مقدسات" (أنا مريضة نفسياً، وفاء شلبي، ص 136، 137).


الكتاب لا يتجاوز 188 صفحة، إلا أنه يُذهلك بحجم المعلومات والتجارب والأفكار والثقافة القائمة فيه، ناهيك عن التأسيس المتين للوعي الجديد الذي يرسم طريقاً جديداً للشخصية العربية، باتجاه مستقبل نفسي وفكري سويّ، بعيداً عن كل تشوهات التفكير الثقافي والنفسي السائد في البيئة العربية، إذ لا تزال بعض الشرائح الاجتماعية تعتبر العلاج النفسي وصمة عار.


ستعلّمنا عالمة النفس كذلك، "إذا وجدتَ مريض اكتئاب على مقربة منك، يتساءل عن جدوى حياته وسببها، فهنا يدق ناقوس الخطر، وتظهر مسؤوليتك تجاهه، لأن هذه اللحظات في الغالب تسبق الانتحار" (ص 82).


 وستبرهن لك أيضاً أن الصلاة والصيام والشعائر الدينية لن تفيد في معالجة مرض الاكتئاب (أو غيره من الأمراض النفسية)، إلا في نطاق تحسين المزاج المؤقت، لأن الاكتئاب مرض نفسي- دماغي يحتاج إلى جلسات علاجية متواصلة، وأدوية لتغيير كيمياء الدماغ، ولأن كثيراً من مرضى الاكتئاب في العيادات النفسية، هم على درجة عالية من التدين والالتزام بشعائر الدين.


وبعيداً عن أية مبالغة، يجب أن يتوفر هذا الكتاب في كل بيت، وأن يدرّس في المدارس والجامعات. وهل أزيدك شوقاً عزيزي القارئ بإشارتي إلى أن الكتاب يحتوي على مواضيع كثيرة ومثيرة، لا تكفي عشرة مقالات لتناولها، مثل التعامل مع المراهقين، والأنوثة الخارجية والداخلية، والعلاقة الجنسية، والإلحاد، ومعالجة المعالِجين، وصورة الطب النفسي في السينما المصرية، وكيفية التواصل مع المشاعر، وأهمية العزلة، والحيل الدفاعية، مثل الإنكار والإسقاط والإزاحة، وآلية اتخاذ القرار، وكثير غيرها.


شكراً من الأعماق د. وفاء شلبي!
فقد جعلتِني أفهم نفسي بشكل أعمق وأوسع، كما نجحتِ في تأسيس وعي عربي، نفسي، ثقافي، تغييري، لا يمكن لأحد أن يُزيله من وعي أي قارئ لهذا الكتاب الأيقونة.

............
إنّ ما يميز المجهود الإبداعي الراقي لتلك المرأة العربية المبدعة هو مقدرتها على الدمج التحليلي المتزامن للمفاهيم النفسية والعلاجية، والحالات المرضية، وقيم الثقافة العربية السلبية التي تَحول بين العرب وتطوّرهم الحضاري الواجب التحقق.

دلالات

شارك برأيك

الحياة أفضل.. مع عالِمة النفس العربية وفاء شلبي

المزيد في أقلام وأراء

Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة

بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي

التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً

بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة

أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي

بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي

ويسألونك...؟

ابراهيم ملحم

الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية

منير الغول

ترامب المُقامر بِحُلته السياسية

آمنة مضر النواتي

نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي

حديث القدس

مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً

جواد العناني

سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن

أسعد عبد الرحمن

جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية

مروان أميل طوباسي

الضـم ليس قـدراً !!

نبهان خريشة

دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة

معروف الرفاعي

الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا

حديث القدس

من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها

أحمد لطفي شاهين

الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة

وسام رفيدي

تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية

معروف الرفاعي

المطاردون

حمادة فراعنة

فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار

سامية وديع عطا

السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال

الصحفي عمر رجوب

إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة

حديث القدس

أسعار العملات

السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.69

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 3.85

شراء 3.83

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 88)