بقلم: حمدي فراج
نفترض في نزالات الانتصار ان يواكبها جبهات أخرى تفتح على مصاريعها لترسيخه وتعزيزه وتوزيعه على كل فئات الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم وتعدد أهوائهم ومبادئهم وطوائفهم ، دون ذلك يبقى الانتصار منقوصا ، ولدى البعض مشكوكا فيه .
من اهم الجبهات الاخرى التي يجب ان تفتح وان تنهض، هي جبهة الثقافة ، التي فتحت برحابة في انتفاضة الحجارة ، وضع فيها محمود درويش قصيدته المقاتلة الخالدة “عابرون في كلام عابر” ، طالب فيها اسحق شامير رئيس الوزراء الصهيوني انذاك حكومة فرنسا اقصاءه عنها لانها معادية للسامية ولانه يدعو فيها الى ابادة اسرائيل ورمي يهودها في البحر ، رغم ان الدرويش ذاته ذا جذر سامي ، ودعاهم الى الخروج من البحر وليس كما ادعوا رميهم فيه : اخرجوا من أرضنا من برنا من بحرنا من قمحنا من جرحنا من ملحنا .
سميح القاسم وضع قصيدته المتحدية الخالدة “تقدموا” : كل سماء فوقكم جهنم / وكل ارض تحتكم جهنم/ يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم / وتسقط الام على ابنائها القتلى ولا تستسلم .
على المنتصرين أخذ كل ذلك بعين الاعتبار ، فماذا نفعل ؟ قد يسألون ويتساءلون . عليكم نفض جبهتكم الثقافية من جديد ما يليق بهذا الانتصار ، نفض وسائلكم الاعلامية ، وتغيير خطابكم القديم المشتمة منه رائحة الكهف و أهله ، وذلك أضعف الايمان ، فما بالكم بكيل الشكر والعرفان لامراء وطواغيت ليس بينهم وبين الثورة والمقاومة الا التطبيع والتتبيع مع العدو الذي ما يزال يحتلنا ويدمرنا ويقتل من اطفالنا اكثر مما يقتل من مقاومينا . بينهم وبين الثورة الله الذي نعبد وتعبدون ، هم يعرفون وانتم تعرفون وهو يعرف وكل خلائق الكون يعرفون ان كل ما يملكون اموالهم التي ليست هي اموالهم بقدر ما هي مقدرات شعوبهم وخيرات بلدانهم .
في فضائياتنا الثلاث ؛ الفتحاوية والحمساوية والجهادية ، قصائد واشعار مغناة ، هذه لا تبث تلك وتلك لا تبث هذه ، لكن ثلاثتها تبث اغنية “طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع ” وقد مضى عليها اكثر من خمسين سنة .
في قصيدته الصارخة الخالدة “ثلاثية اطفال الحجارة” قبل ما يزيد على ثلاثين سنة ، يقول نزار قباني ما يمكن ان يكون نبوءة لليوم : يرمي حجرا أو حجرين / يقطع أفعى إسرائيل إلى نصفين / يمضغ لحم الدبابات ويأتينا من غير يدين / في لحظات تظهر أرض فوق الغيم ، ويولد وطن في العينين.. / في لحظات تظهر حيفا ، تظهر يافا ، تأتي غزة في أمواج البحر ، تضيء القدس كمئذنة بين الشفتين.. / يرسم فرسا من ياقوت الفجر / يخلع أبواب التاريخ / وينهي عصر الحشاشين / ويقفل سوق القوادين / ويقطع أيدي المرتزقين / ويلقي تركة أهل الكهف عن الكتفين..
شارك برأيك
كيف في لحظات أضاءت القدس كمئذنة بين الشفتين