انطلقت مساء أمس فعاليات "النكبة سردية سينمائية"، في مسرح وسينماتك القصبة بمدينة رام الله، التي تنظم الفعالية بالشراكة مع منصة فلسطين الثقافية، وتحت رعاية وزارة الثقافة، بالعرض الأول لفيلم "جَنين جِنين" للمخرج الفلسطيني محمد بكري، بالتزامن مع إحياء الشعب الفلسطيني للذكرى السادسة والسبعين للنكبة.

واستعاد الفيلم مشاهد من فيلم بكري الشهير "جِنين جِنين"، وصورّه وأنتجه في العام 2002، عقب مجزرة مخيم جنين، فيما تعقب مصائر العديد من شخصياته، مع ظهور شخصيات أخرى من داخل المخيم على واقع استمرار اجتياحات قوات الاحتلال له، خاصة اجتياح العام الماضي.

وقال بكري في حديث لـ"القدس": كنت في روما، العاصمة الإيطالية، لتصوير فيلم أميركي، وكان من المفترض أن أسافر بعدها إلى تونس، ولكن بعد اقتحام مخيم جنين واستشهاد عدد كبير من الفلسطينيين، قررت العودة. بعد بضعة أيام، جاءني صحافيان إيطاليان يرغبان في تصوير تقرير عن الأحداث في المخيم. أثناء حديثهما معي، عادت ذكرياتي إلى أكثر من عشرين عامًا قبل ذلك، وشعرت وكأن الجرح القديم ينزف من جديد. خلال هذا الحديث، طلبت من ابني محمود مرافقتي لتصوير فيلم في المخيم، وشجعني على ذلك. أخبرني أن لديه كاميرا، لأنه كان يعمل على فيلم تخرّجه من جامعة دار الكلمة في بيت لحم. سافرت بسرعة معه ومع الصحافيين الإيطاليين إلى المخيم، وبدأنا التصوير، وهكذا أنجزنا فيلم "جَنين جِنين".

وتشتمل فعالية "النكبة سردية سينمائية"، وتتواصل حتى العشرين من الشهر الجاري، على خمسة عروض سينمائية.
وكان وكيل وزارة الثقافة جاد الغزاوي أشار في كلمته بافتتاح الفعالية السينمائية الوطنية إلى أن الأفلام التي ستعرض في هذه الفعالية هي لنخبة من السينمائيين الفلسطينيين الذين استطاعوا أن يسردوا أجزاء من فصول النكبة المستمرة الممتدة، التي لم تتوقف منذ العام 1948.

وأضاف الغزاوي: إنها ليست أفلاماً فقط، إنها انعكاس لمعمارية الوجود الفلسطيني، ذلك الوجود الذي يعبر عن قوة الإرادة، وقوة الحياة، وقوة الحرية، وقوة البقاء، رغم كل ما نشاهده من قتل وتعذيب، وتهجير، ويضاف إليها التجويع.

بدوره، قال جورج إبراهيم، مؤسس مسرح وسينماتك القصبة ومديره الفني: إلى أن الفعالية تأتي إحياء لذكرى النكبة من خلال سردية سينمائية وثّقت لتلك الأحداث ونتائجها، ووثقت أيضاً استمرارية العدوان الإسرائيلي على تفاصيل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني وسرقة ما تبقى من وطن، من خلال بناء مستوطنات وتدمير بيوت ومنشآت، وقتلٍ، وأسرٍ، وتهجير السكان يومياً.

وقال الناقد السينمائي يوسف الشايب، رئيس تحرير منصة فلسطين الثقافية، لـ"القدس": تميّز الفيلم ليس فقط بحساسيّته العالية، وباعتباره يشكّل محاولة للتأكيد على أن الحياة تستمر رغم القتل اليومي للاحتلال، كما المقاومة، وبأن هذا الشعب الذي يقاتل أبناؤه بشتى الطرق احتلالًا فاشيًّا ومستوطنين قتلة ليحرّر أرضه، ويحقق دولته الحلم، يحبّ الحياة فعلًا ، وينشد السلام، ولكنه تميّز على المستوى البصري بشكل لافت، وعلى عدم انخراطه في فخ أفلام "التقارير التلفزيونية" التي يطلق عليها أصحابها ومنتجوها أفلامًا وثائقيًا أو تسجيلية، وهي ليست كذلك، علاوة على لعب التقنيات المرافقة لجهة التصوير والمونتاج والصوتيّات والموسيقى المرافقة وغيرها، دورًا محوريًا في تقديم سردية بصرية ليست عابرة، أدارها بكري الذي لم يغب كعادته عن الفيلم، باقتدار القابض على جمر السينما، وجمر الوطنية، يسير في أزقة المخيم "منتصب القامة".

ومن الجدير ذكره أن العديد من شخصيات النسخة الأحدث من الفيلم الذي يسلط الضوء على تواصل النكبة لأجيال اللاجئين في مخيم جنين، وتوارث المقاومة أيضاً، شاركت بكري في نقاشات تلت عرض الفيلم من على خشبة المسرح في القاعة، التي غصت بجمهورٍ قدم من الجغرافيا الفلسطينية بأكملها.