بقلم : نبيل عمرو
الجولة الراهنة من الحرب الفلسطينية الإسرائيلية ربما تكون حتى يومها الخامس الأشد شراسة والأكثر خسارة.
مركز الزلزال هو قطاع غزة وصاعق التفجير هو القدس والارتدادات امتدت لتشمل الكون كله، وهنالك من يتابع اغرب معركة شهدها تاريخ الحروب بذات الشغف والفضول الذين تتابع بهما مباريات كرة القدم.
الجولة الراهنة فيها جديد لم يظهر بقوة في الجولات السابقة ولأسميه استيقاظ الجبهة الثالثة، تلك التي كانت فيما مضى تعبر عن نفسها بالتعاطف الصامت او اظهار بعض الاحتجاج المحدود، اما في هذه الجولة فقد تطورت الأمور حد الاشتعال في معظم ان لم يكن جميع المناطق “المختلطة” داخل إسرائيل وجبهة كهذه لا قدرة للشرطة والجيش وقوى الامن على انهائها، كما ظهر ان لا قدرة لصناع القرارات والسياسات في إسرائيل على قراءة تطوراتها.
داخل إسرائيل معركة قديمة متجددة هي معركة المساواة، ومن حولها معركة التحرر الوطني وكلا المعركتين رغم التفوق الإسرائيلي الكاسح في الإمكانيات لم تحسما منذ بداياتهما المبكرة وحتى في العقد السابع من عمرهما.
إسرائيل تخوض الجبهة الثالثة إضافة الى الجبهتين التقليديتين في الضفة وغزة.
الثالثة هي الأخطر والأكثر حساسية فهي ليست بحاجة الى سلاح وغرف عمليات، لأنها لو كانت كذلك لكان سهلا احتواءها او حتى انهائها ، اما وأنها جبهة عديدها بالملايين وتحركها المشاعر فلا امل بالسيطرة على تجلياتها ذلك ان “العربي الإسرائيلي” حين يجد نفسه واقفا امام خيارين اسرائيليته وفلسطينيته فإنه يختار وبصورة تلقائية الانحياز الى نبضه ومشاعره وجذوره وهذا ما حدث في هذه الجولة بصورة اكثر وضوحا في معظم ان لم يكن جميع ما يسمى بالمناطق المختلطة.
بنظرة موضوعية على وقائع جبهات الحرب الإسرائيلية الفلسطينية التي توشك على اكمال القرن فإن الوصف الأكثر موضوعية ودقة لها يتلخص بمصطلح الحرب المختلفة عن كل الحروب التي شهدتها البشرية ذلك ان جميع هذه الحروب الداخلية والإقليمية وحتى العالمية كانت تصل الى نقطة حسم فيها منتصر ومهزوم، وحتى حروب التحرر الوطني كانت تحسم دوما لمصلحة طرف على حساب الطرف الاخر والمنتصر فيها دائما هو الذي خاضها من اجل حريته واستقلاله، الا ان الحرب الفلسطينية الإسرائيلية بدت منذ بداياتها في القرن الماضي حتى أيامنا هذه والى اجل غير مسمى استثنائية عن كل الحروب، فكل جولة من جولاتها تفضي الى تعقيدات إضافية تجعل من حسمها لمصلحة القوة الأعظم امرا يكاد يكون مستحيلا، اما الاستثنائي الذي يميز الحرب الفلسطينية الإسرائيلية هي انها لا تحكم بموازين قوى فهي تخلو تماما من ذلك.. فأين الميزان بين اقوى قوة عسكرية واقتصادية وتحالفية وبين اضعف خصم من حيث الإمكانات، وأين الميزان بين جبهة القدس التي هي عنوان ومحرك الجبهات الثلاث التي تواجهها إسرائيل من داخلها ومن حولها وبين إسرائيل التي تمتلك قدرات عسكرية وامنية توفر لها ارسال الف جندي لمواجهة شبان يجدون صعوبة في إيجاد الحجارة لرشقها على محتليهم، وأين التوازن بين غزة الاشبه بغرفة عزل مغلقة تمتلك إسرائيل اقفالها ومفاتيحها دون ان تمتلك حسمها الا اذا اعتبرنا التهدئة المؤقتة هي اقصى المراد .
الملفت في الامر كله ان إسرائيل هي المبادرة الى تغذية الجبهات الثلاث على النحو الذي يؤدي الى اشتعالها ذلك بفعل الوهم الأقوى من الحقيقة الذي يسيطر على وعي وسلوك وقرارات صناع السياسية فيها، واعني به وهم السيطرة على شعب يعد بالملايين داخل حدودها ومن حولها وعلى مستوى العالم كله ، وهم رؤية راية بيضاء ترفعها هذه الملايين استسلاما وخنوعا لواقع اللاحقوق الذي تسعى إسرائيل لفرضه، هذا الوهم انتج حقيقة بالغة القوة والصدقية هي استحالة حسم المعركة مع الفلسطينيين، اما فلسطينو الجبهات الثلاث التي سلاحها النبض واليقين بأن اخطر مصير ينتظرهم هو رفع راية بيضاء، فهم بفعل هذا اليقين يواصلون تغذية حلمهم بالحرية والاستقلال دون كلل أو ملل؟
شارك برأيك
إسرائيل توقظ جبهة فلسطينية ثالثة