حسب العقيدة اليهودية، فإنّ جلّ التاريخ العبري جميعه في الضفة الغربية ووفقاً للتوراة المُحرّفة يجب أن تبقى الضفة الغربية كذلك، وعليه حسب معتقدهم ينبغي أن تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، لما في ذلك من تقريب لعودة المسيح "المخلص لليهود" والأبعد من ذلك وفق معتقدات تيار الصهيونية اليهودية، أن السيطرة على الضفة الغربية، وبناء جبل الهيكل وفق ادعائهم مكان المسجد الأقصى (يوبال وشخيم، 2008)، وانطلاقاً من هنا، بدأوا ببناء ما يسمى بالمذبح، لنقله إلى المسجد وفق التعاليم اليهودية، فإنّ المذبح ذو أهمية بالغة ومُكوّن أساس في البيت المقدس (هرشكوبيتس، 2009)، ويعدّ بناءه المرحلة الأولى في بناء ما يسميه اليهود جبل الهيكل، هذا وتنص الفتاوي الحاخامية اليهودية أنّ التنازل عن "يهودا والسامرة" حسب زعمهم لا يجوز شرعاً، أي بحسب الفكر اليهودي التلمودي يجب أن تكون الضفة الغربية ضمن السيطرة الإسرائيلية، وعلاوة على ذلك بأنه من الممنوع إعطاء العرب الموجودين فيها، مواطنة، شبيهة بتلك التي يتمتع بها اليهودي (ملماد، 1992)، وهذا ما يفسر تركيز الصهيونية الدينية على الاستيطان بشكل كبير في مناطق الضفة الغربية.
وتتمثل الرؤية الدينية في الأحزاب اليمينية الدينية المتطرفة منها حزب يمينا، الذي يضم حزب البيت اليهودي، واليمين الجديد، الذي ينادي بعدم إقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل؛ لما في ذلك من خطورة على أمن إسرائيل، فضم الضفة الغربية بكل تصنيفات أوسلو باستثناء حدود البلديات المصنفة (أ) يجب أن تكون ضمن دولة إسرائيل، وحدود بلدية القدس، كما ينبغي أن تكون مطاطة وشفافة ليشمل بذلك أجزاء من مدينة بيت لحم، وريفيها الشرقي والغربي، بجانب منطقة الخان الأحمر، لهذا يخطط اليمين الديني في ائتلاف نتنياهو لكسب الوقت والتسريع في الاستيلاء على الخان الأحمر، وتهجير سكانه بالقوة، تحت بند تهويد المناطق المتاخمة لمدينة القدس، ومن هنا تكمن خطورة هذا التوجه، فرغم تنديد الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي بضرورة وقف المد الاستيطاني حتى هذه اللحظة لم يجدوا مرونة في الموقف الإسرائيلي، فحسب المخطط الصهيوني تدرس الحكومة اليمينية ضم ما يقارب (60%) من أرض الضفة الغربية، بهذا تصبح دولة إسرائيل باسطة جناحيها على ما يقارب (85%) من فلسطين التاريخية، في حين تتضمن خطة نتنياهو أيضًا ضم جميع المستوطنات في الضفة الغربية، وهو ما سيُنهي على الأغلب أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية بسبب أن هذه المستوطنات تقوم بفصل الامتداد الجغرافي الفلسطيني عن بعضه البعض، وتستولي مع امتداداتها الأمنية والجغرافية على مساحات شاسعة من الضفة الغربية، ودليل ذلك أنشأت إسرائيل أكثر من 440 موقعًا استيطانيًّا منذ العام 1967.
يبدو عدم التنازل عن ضم الضفة الغربية من أساسيات السياسية في إسرائيل، وهذا ما جاءت به صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، إنّ ضم الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية قادم لا محالة؛ لكن ليس بشكل مباشر، وربما يكون عن طريق "فرض السيادة"؛ لأن هذا المصطلح أقل حساسية من الضم، فالهدف الأساسي من تحركات اليمين في إسرائيل بزعامة نتنياهو هو العمل على تفويت فرص إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وقد انتهجت الحكومات الإسرائيلية التي ترأسها نتنياهو سياسة السباحة عكس التيار، وهي حسم القضايا المركزية وخصوصا ضم القدس بالدرجة الأولى، لهذا استغل نتنياهو وجود ترامب ليعطي الأخير لإسرائيل صك تطويب القدس، وتعدّ هذه الخطوة بداية لضم الضفة الغربية وضوء أخضر أمريكي وقتها؛ لكن في عهد الإدارة الحالية لم تمحُ ما قام به رئيس الولايات المتحدة السابق، لو كان لدى الإدارة الحالية بادرة حسن نية اتجاه الفلسطينيين، كان أول ما قامت به هو التنصل من قرارات ترامب المتهورة، ووقف ما يسمى صفقة القرن، فرغم موت هذه الصفقة في مهدها إلا إنّ رائحتها ما زالت تزكم الأنوف.
بهذا تسعى إسرائيل لبذل جهد كبير في تكريس سيادتها على الضفة الغربية والسيطرة على الأراضي التي لم يستطع أهل الأرض وسكانها الأصلين من البناء عليها، بفعل سياسة الأمر الواقع، ومنعهم من التمدد خارج حدود القرى والبلديات، وبهذا تكون سياسة الاحتلال مكشوفة وهي السيطرة على الأرض الفارغة حتى تخرج من معضلة القانون الدولي، الذي ينص على إنّ الشعب المحتل يجب أن تقع مسؤولية تدبير شؤونه على الدولة المحتلة، وبهذا تبقى التجمعات الفلسطينية تدار ذاتياً، وهذا هو المخطط الإسرائيلي المستقبلي لحل القضية الفلسطينية، ومن هنا تكون إسرائيل قد وضعت يدها على ما يقارب (85-90%) من أرض فلسطين التاريخية.
شارك برأيك
لعنة الضم تلاحق الفلسطينيين