Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الخميس 03 أبريل 2025 10:05 صباحًا - بتوقيت القدس

"بروتوكول البعوض"

عادت قضية استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية من قبل جيش الاحتلال في حربه الحالية على غزة إلى الواجهة مرة أخرى بعد أن كانت كشفت عنها تقارير صحفية في أكتوبر الماضي، ولكن هذه المرة كشفت عنها صحيفة "هآرتس" العبرية، وهي تستند إلى شهادات لجنود شاركوا في الحرب على غزة، هذه الجريمة تتم تحت اسم مستعار، هو "بروتوكول البعوض".

هذا البروتوكول، وفق شهادات الجنود أنفسهم، يقوم على إجبار الأسرى والمدنيين الفلسطينيين على الدخول إلى مناطق تعد "خطرة" أو مبان يشتبه الجنود بأنها مفخخة، أو استكشاف أنفاق قبل تقدم الجنود، بذريعة الحفاظ على حياة الجنود أولاً، وهو ما عبر عنه أحد الجنود صراحة بقوله: "حياتنا أهم من حياتهم".

يعد استخدام المدنيين كدروع بشرية خرقاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني، إذ تجرم اتفاقية جنيف الرابعة هذه الممارسة، معتبرة إياها جريمة كاملة. وبالعودة إلى الخلف قليلاً، فقد حظرت المحكمة العليا الإسرائيلية هذه الممارسة صراحة في العام 2005، عقب التماس قانوني قدمته مؤسسات حقوقية، إبان الانتفاضة الثانية في العام 2002، أبرزها مركز "عدالة"، واعتبرت المحكمة حينها أن استخدام المدنيين الفلسطينيين فيما عرف حينها بـ "إجراء الجار"، وهو جريمة مشابهة، حيث يجبر الجنود جيران "المطلوبين" الفلسطينيين أو أقاربهم على طرق الأبواب وإقناعهم بالاستسلام، ووصف رئيس المحكمة حينذاك القاضي "أهارون باراك" هذه الممارسة بـ "القاسية والوحشية".

من المفارقات أن القاضي "باراك"  ذاته، كان ضمن قضاة محكمة العدل الدولية الذين نظروا في دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا، وكان من بين قاضيين من أصل خمسة عشر عارضا قرار المحكمة، إلى جانب الأوغندية "سيبوتيندي"، ما يؤكد أن النظام القضائي الإسرائيلي مكون وظيفي وجزء لا يتجزأ من منظومة استعمارية متكاملة عندما يتعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين، ومن المفيد أن نتذكر أن قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية رفضوا الأسبوع الماضي، وبالإجماع، التماسات لمنظمات حقوقية طالبت بإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة، في مخالفة صريحة للقواعد المستقرة في القانون الدولي والمعترف – دولياً – بانطباقها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانتهاك خطير لقرارات محكمة العدل الدولية في دعوى الإبادة الجماعية، وتعارض واضح مع رأيها الاستشاري.

لا يمكن فهم هذه الممارسات دون النظر إلى الجوانب النفسية والاجتماعية التي تدفع جنوداً وقادة لهذه الجرائم، والتي هي بحسب المحللين النفسيين تنبع من منطق "التفوق والاستعلاء" الذي يغذى باستمرار لدى الجنود، ما يجعلهم يرون أنفسهم "أعلى قيمة" من المدنيين الفلسطينيين، وبالتالي يترتب عليه اتخاذ قرارات لا إنسانية، دون أدنى شعور بالذنب أو المسؤولية الأخلاقية تجاه الضحايا، الأمر الذي يعزز منظومة متكاملة من اللامبالاة الإنسانية ويبرر جميع اشكال العنف ضد الفلسطينيين، وتذهب تحليلات نفسية أبعد من ذلك، إذ تشير إلى حالة "نزع الإنسانية" أو (Dehumanization)  التي تمارَس باستمرار تجاه الفلسطينيين، مما يجعل الجنود ينظرون إلى الفلسطيني ككائن "مجرد" من المشاعر والقيمة الإنسانية، الأمر الذي يجعلهم يرتكبون هذه الجرائم دون الشعور بالتردد أو الذنب، مبررين لأنفسهم هذه الجرائم ومقللين من فداحتها في أعينهم.

تاريخيا، لم تكن هذه المرة الأولى التي يُستخدَم فيها المدنيون الفلسطينيون كدروع بشرية، لكن ما "يميز" المرحلة الحالية هو توثيق الجرائم عبر اعترافات مباشرة، والغياب التام للردع القانوني الدولي الجاد، ما يفرض على المؤسسات الحقوقية إعادة تقييم منهجية تعاملها مع هذا المستوى من جرائم الحرب، فلا تكفي البيانات والإدانات اللفظية، بل ينبغي اتخاذ خطوات حقيقية تضمن منع تكرار هذه الجرائم، وتحقيق "العدالة" للضحايا، وحماية المدنيين الفلسطينيين، كما يعيد ذلك طرح أسئلة أخلاقية صعبة حول معنى العدالة، وحقيقة التزام المجتمع الدولي بالقيم الإنسانية، والدور المناط به لحماية حقوق الفلسطينيين التي يضمنها ويحميها القانون الدولي بأجيالها الثلاثة، وفقا لما أقرته المواثيق والعهود والإعلانات والاتفاقيات الدولية، والتي لا تقبل المساومة.


.............


لم تكن هذه المرة الأولى التي يُستخدَم فيها المدنيون الفلسطينيون كدروع بشرية، لكن ما "يميز" المرحلة الحالية هو توثيق الجرائم عبر اعترافات مباشرة، والغياب التام للردع القانوني الدولي الجاد.

دلالات

شارك برأيك

"بروتوكول البعوض"

المزيد في أقلام وأراء

حرب المستوطنين في الضفة

بهاء رحال

مجزرة سيارات الإسعاف:عندما يدفن الجنود الجثث في مقبرة جماعية فهذه ليست فوضى بل سياسة

اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى

سري القدوة

هل ستغير "حرب غزة" وجه السياسة الفلسطينية؟

أمين الحاج

الاستيطان.. أداة إبادة سياسية في الضفة

د. دلال صائب عريقات

الشرق الأوسط الذي نحن نريد

عطية الجبارين

فاضل الربيعي وتفكيك السردية التوراتية

نبهان خريشه

اتفاق قسد و دمشق ضمانة لسيادة سوريا جديدة موحدة

كريستين حنا نصر

“حين يستيقظ الذكاء: يوم في حياة موظف يقوده الذكاء الاصطناعي”

تريند جيبلي وكنز المعلومات الصورية

إعادة ضبط ساعتك الحيوية بعد رمضان: دليلك لاستعادة التوازن الصحي

بقلم: د. سماح جبر

الرواية القناع.. توازي السرد في "ذاكرة في الحجر" لـ كوثر الزين

هل يكتب نتنياهو وترامب الفصل الأخير؟

كريس هيدجيز كاتب ومراسل عسكري أميركي

لا بد من حماية النسيج الوطني والمجتمعي

راسم عبيدات

عيدٌ منْ حُزْنٍ وَدَم

بهاء رحال

ما المطلوب من حماس؟

هاني المصري

من الموت تنبعث الحياة

الأب إبراهيم فلتس... نائب حارس الأراضي المقدسة

كيف ستواجه إيران "البلدوزر" الأميركي؟

عريب الرنتاوي

إعادة إعمار السيادة بمناسبة يوم الأرض الفلسطيني

إذا غزة مش بخير.. كلنا مش بخير

أسعار العملات

الإثنين 07 أبريل 2025 10:42 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.79

شراء 3.77

دينار / شيكل

بيع 5.35

شراء 5.33

يورو / شيكل

بيع 4.18

شراء 4.16

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 990)