أقلام وأراء

السّبت 25 يونيو 2022 9:38 صباحًا - بتوقيت القدس

إسرائيل وخيار الحرب الشاملة

بقلم: د. ناجى صادق شراب 


أولويات وخيارات إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين أرضا وشعبا تتراوح ما بين خيار الحرب ‏الشاملة والقوة بكل أشكالها الصلبة والناعمة. ولم يكن في يوم من الآيام خيار إسرائيل السلام ‏مع الفلسطينيين والذي يعني ببساطة الإعلان الرسمي عن إنهاء الاحتلال وقيام الدولة ‏الفلسطينية، وإطلاق سراح كل المعتقلين الفلسطينيين في سجونها والبحث عن صيغ للتعايش ‏المشترك إنطلاقا من وحدانية الأرض التي لا تقبل التجزئة. 


فإنهاء الاحتلال وقيام الدولة ‏الفلسطينية يعنى إسقاط لكل السرديات والروايات الصهيونية التي تقوم على فكرة قومية الدولة ‏اليهودية، وعلى فكرة إسرائيل الكبرى وإنكار ان الفلسطينيين شعب له حق في تقرير مصيره ‏وقيام دولته وعن عدو دائم. ولذلك ترفض الإعتراف بصفة الاحتلال، وتصف ما هوم قائم بمجرد ‏نزاع على متطلبات وحاجات إقتصادية،وتسعى لتقليص وإحتواء الصراع في إطار هذه ‏المفاهيم. فالإشكالية الرئيسة التي تواجه إسرائيل في التعامل مع الشعب الفلسطيني الإشكالية ‏العددية والتزايد السكاني الملحوظ رغم مستويات الفقر والبطالة.


فاليوم عدد السكان ما بين ‏النهر والبحر يتقارب بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، فعدد السكان فلسطينيا يقارب السبعة ملايين ‏بما فيهم سكان الداخل. وهذا يساوي عدد سكان إسرائيل ذاتها، وهذا العامل السكاني في أدبيات ‏الصراع هو العامل الحاسم في تحديد مسارات ومستقبل الصراع. ولا يمكن لإسرائيل ان تكرر ‏سيناريو النكبة، فمع ثبات عنصر الأرض فالسيناريو الأكثر إحتمالا امام التزايد السكاني إما ‏الإنفجار والمواجهة بكل أشكالها وهو سيناريو لا يمكن لإسرائيل أن تتحمله، وإما سيناريو ‏الدولتين وهو ما ترفضه إسرائيل .


وأما السيناريو الثالث والحتمي، فهو سيناريو الدولة الواحده وحقوق ‏المواطنه. والإشكالية الثانية أن الشعب الفلسطيني ليس مجرد عدد ، بل هو شعب له هويته ‏الوطنية والقومية وتراثه الحضاري والتاريخي ، فهو يملك كل مقومات الشعب حتى تلك التي ‏تفوق ما لإسرائيل. هذه الهوية القومية تستمد قوتها من العلاقة التاريخية الثابتة بين الأرض ‏والسكان،ولن تكتمل هذه العلاقة إلا بإنهاء الاحتلال. وهذا قانون حتمية كل الشعوب المناضلة. ‏مهما كانت قوة المحتل. والحقوق القومية للشعب الفلسطيني تؤكدها العلاقة التاريخية الثابتة، ‏والمقاومة المستمرة الرافضة للإحتلال والعديد من قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على حق ‏الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام دولته وحق لاجئيه في العودة. والتساؤل هنا:كيف ‏تعاملت وستتعامل إسرائيل مع هاتين الإشكاليتين؟ تعاملت مع الإشكالية الأولى من خلال إنشاء ‏سلطة حكم ذاتي تتولى إدارة شؤون ملا يين الفلسطينيين من النواحي الاقتصادية والإجتماعية ‏والأمنية . ولا مانع لدى إسرائيل من سلطات بروتوكولية لهذه السلطة بإصدار جوازات سفر، ‏لكنها تبقى محرومة من كل السلطات السيادية والأمنية التي تتحكم فيها إسرائيل.


وتتحكم إسرائيل ‏بكل الموارد الإقتصادية والمالية، هذا الخيار لم يحقق الهدف والغاية منه ، لأنه بكل المعايير لن ‏توجد سلطة فلسطينية تقبل التبعية وتكون وكيلا للإحتلال، فالنتيجة المنطقية التصادم الداخلي بين ‏السلطة وشعبها وهذا مرفوض فلسطينيا. جزئيا هذه السياسة قد تكون حققت بعض الأهداف، ‏لكنها تتعامى عن الواقع القائم وتأتي في سياق تقليص وإحتواء الصراع الذي تتبناه الحكومة ‏الإسرائيلية. وفي السياق ذاته تدعم إسرائيل خيار الإنقسام وتدفع في إتجاه تحوله لحالة سياسية ‏بتحويل الصراع من مستواه الفلسطيني- الإسرائيلي إلى مستواه الفلسطيني- الفلسطيني والحيلولة ‏دون قيام دولة فلسطينية . وأما الإشكالية الثانية وهي الأخطر من وجهة نظر إسرائيل،هي ‏إشكالية الهوية الوطنية الفلسطينية والحفاظ على رموزها الوطنية والثقافية. 


وفي هذا السياق ‏تأتي الحملة الشرسة على العلم الفلسطيني بإعتباره رمزا للهوية الوطنية ، وتجلى ذلك بالإعتداء ‏على حاملي العلم الفلسطيني في تشييع جنازة الصحفية شيرين أبو عاقلة، وبإصدار التشريعات التي تجبر فلسطينيي الداخل بالتنازل عن هويتهم الوطنية. وبتمرير مشروع قانون في الكنيست ‏يجرم ويحرم رفع العلم الفلسطيني على المؤسسات الممولة من الدولة كالجامعات. والإدعاء أنه ‏علم دولة معادية رغم أنها تعلم أنه علم السلطة الفلسطينية التي تحكمها إتفاقات معها. ولا تقف ‏الحملة عند هذا الحد، بل تسعى لمحو كل السرديات الفلسطينية كإنكار وجود النكبة، وإنكار أي ‏حق للفلسطينيين في القدس والأقصى . ومحاولة الضغط بتعديل المناهج التعليمية وربط ذلك ‏بعمليات التمويل ،ومن أبرز هذه الصور العنصرية، حجب الأموال الفلسطينية عن السلطة لدفعها ‏رواتب للأسرى والشهداء. 


هذه الحملة التي يقودها اليمين الإسرائيلي لأن وجود الهوية الوطنية ‏وتجذرها للشعب الفلسطيني تسقط كل الروايات الصهوينية. وهي معركة طويلة ومن شأنها ان ‏تشعل المنطقة بأسرها. وليس امام إسرائيل إلا ان تختار بين ديمومة الصراع وبقائها وبين ‏الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته وأرضه.


فالشعب الفلسطيني ليس مجرد قرار ولا ‏قانون يقره الكنسيت الاسرائيلي، فوجود هذا الشعب متجذر على أرضه وتاريخه ورموزه الوطنية ‏ثابته وتتداولها الأجيال من جيل لجيل وتقوى وتترسخ بمرو الزمن. 

دلالات

شارك برأيك

إسرائيل وخيار الحرب الشاملة

المزيد في أقلام وأراء

إقرار إسرائيلي بتجويع مواطني القطاع

حديث القدس

اتفاق المعارضة على إلغاء "الأونروا" ماذا يعني؟

سماح خليفة

حرب الإبادة الجماعية وواقع الدولة المأزومة

سري القدوة

لا وقف قريباً لإطلاق النار على جبهتي لبنان وقطاع غزة

راسم عبيدات

حماس بعد السنوار.. هل حان وقت التحولات الكبيرة ؟

علاء كنعان

ماذا -حقا- يريد نتنياهو..؟

د. أسعد عبد الرحمن

التحول الخليجي والعلاقات مع الأردن

جواد العناني

متى يرضخ نتنياهو؟

حديث القدس

سياسات الاحتلال وقراراته تجاه الأونروا .. جنون وحماقة

بهاء رحال

السباق الرئاسي المحتدم الى البيت الأبيض 2024

كريستين حنا نصر

الحرب على الأونروا وشطب حقوق اللاجئين

سري القدوة

المجازر والتهجير غطاء (لأوكازيون) المفاوضات

وسام رفيدي

مبادرة مروان المعشر

حمادة فراعنة

سجل الإبادة الجماعية

ترجمة بواسطة القدس دوت كوم

هيجان إسرائيلي ومجازر إبادة متواصلة

حديث القدس

المُثَقَّفُ والمُقَاوَمَة

المتوكل طه

عواقب خيارات نوفمبر

جيمس زغبي

النكبة الثانية والتوطين المقبل

سامى مشعشع

They will massacre you

ابراهيم ملحم

شطب الأونروا لشطب قضية اللاجئين

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الجمعة 01 نوفمبر 2024 7:22 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.04

هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟

%20

%80

(مجموع المصوتين 523)