أقلام وأراء
الأحد 08 مايو 2022 9:25 صباحًا - بتوقيت القدس
مخاطر تديين الصراع
بقلم: نهاد أبو غوش
انتشرت في الأسابيع الماضية دعوات وأفكار تستجيب لتحويل الصراع في فلسطين إلى حرب دينية، جاء ذلك ردا على ما تقوم به حكومة الاحتلال من تشجيع لغلاة المتطرفين، وتمكينهم من اقتحام المسجد الأقصى وتدنيسه، بل وتبني حكومة بينيت – لابيد، التي يغلب عليها الطابع العلماني كسائر الحكومات الإسرائيلية، لأطروحات هؤلاء المتطرفين، وانخراطها الفعلي في تنفيذ مخططات التقسيم الزماني والمكاني للحرم القدسي الشريف، وحديثها المضلل والمخادع عن "حرية العبادة" وهو حديث لا يعني سوى حرية عبادة المتطرفين اليهود في المسجد الأقصى.
ويبدو أن تلويح بعض الأطراف الفلسطينية أو انجرارها لقبول تحويل الصراع إلى صراع ديني ينبع من عدة عوامل من بينها الخشية الجادّة من تحضير المتطرفين لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه، وضعف الثقة بجدوى أساليب النضال القائمة والمتاحة، ثم استثارة حميّة الشعوب والدول الإسلامية ودعوتها للدفاع عن ثالث أقدس المقدسات الإسلامية، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وهي معادلة تبدو للوهلة الأولى في صالحنا، كيف لا وعدد المسلمين على امتداد العالم يزيد عن المليار ونصف المليار إنسان، في مواجهة أقل من خمسة عشر مليون يهودي نصفهم في إسرائيل والباقي موزعون في مختلف أصقاع الأرض.
لطالما حذرت القيادات الفلسطينية والعربية من خطورة تحويل الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع ديني، وهذا ليس موقفا عبثيا، ولا هو زهد في دعم العالم الإسلامي للحق الفلسطيني. فتديين الصراع عدا عن كونه يخالف الحقائق التاريخية والعلمية، ويتجاهل ارتباط الصهيونية ودولة إسرائيل بالمشاريع والمخططات الاستعمارية في المنطقة، يعني أن لا حلول سياسية وواقعية ولا توجد حتى قدرة بشرية لحسم هكذا صراع يقوم على الصراع التناحري بين معتنقي الأديان والمؤمنين بقناعات وعقائد وأفكار غير قابلة للمساومة، لا حلول للصراعات الدينية إلا وفق منطق القرون الوسطى أي من خلال الغلبة والتمكين، وربما الاستئصال وفي الحد الأدنى استكانة أحد طرفي الحرب وتسليمه بسيطرة الطرف المقابل، ناهيك عن انتظار المعجزات وتدخل العناية الإلهية لحسم الصراع بمعزل عن دور البشر.
وبنظرة فاحصة للتاريخ العربي الإسلامي، وعلاقات اليهود بالمسلمين في مختلف البلاد التي عاشوا فيها معا، سوف نجد أنه على امتداد الفترة الطويلة الممتدة من النصف الأول للقرن السابع الميلادي وحتى مطلع القرن العشرين، لن نجد أية توتّرات أو حروب دينية إسلامية يهودية، بل على العكس من ذلك عاش اليهود وسط المسلمين في مختلف حواضرهم ودولهم في وئام وانسجام، بل إن ممالك الفرنجة ( وهو الاسم الأدق من تسمية الصليبيين) طردت اليهود من فلسطين وبلاد المشرق العربي خلال القرنين الأولين من الألفية الثانية، لكن السلطان صلاح الدين الأيوبي محرر القدس سمح لليهود بالعودة إلى فلسطين، مع الإشارة إلى أن طبيبه الخاص ومستشاره المقرّب كان موسى بن ميمون وهو الرابي اليهودي المعروف باسم (رمبام).
واقعة تاريخية أخرى مُهمّة تمثلت في قيام ملكي قشتالة واراغون الاسبانيتين ، إيزابيلا وفرديناند، بطرد يهود الاندلس مع من طردوهم من العرب والمسلمين اثر سقوط غرناطة، وما زال يهود شمال أفريقيا يسمون السفارديم نسبة إلى (سفاراد) التي هي اسبانيا.
والمعروف أن الحركات الدينية اليهودية المتزمتة كانت تعارض الحركة الصهيونية في البداية، على اعتبار أن الوعد الإلهي هو مشيئة ربانية وليست عملا يقوم به السياسيون العلمانيون، لكن هذه الحركات اضطرت لاحقا ولأسباب انتهازية للتعايش مع الحركة الصهيونية بعد موجات الهجرة الكثيفة من أوروبا إلى فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل التي لم تكن في يوم من الأيام دولة دينية، مع أنها استغلت الجانب الديني لاصطناع هوية قومية يهودية وتشجيع يهود العالم على الهجرة لإسرائيل.
موقف الحاخامية الكبرى بجناحيها الشرقي والغربي ما زال معارضا لدخول اليهود إلى المسجد الأقصى، ويعتبرون ذلك تدنيسا لأقدس الأمكنة، كما يعارضون مخططات هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث لقناعتهم أن مثل هذا العمل هو من اختصاص المسيح المخلص تجسيدا لإرادة الرب.
ومن بين القوى اليهودية المتدينة ما زالت حركة ناطوري كارتا تعارض بشدة مجمل السياسات العدوانية والعنصرية لدولة إسرائيل وحكوماتها المتلاحقة، وهي تؤيد النضال الوطني الفلسطيني واهدافه في العودة وقيام الدولة الفلسطينية، بل إن زعيم هذه الحركة الحاخام موشي هيرش كان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني ومقربا من الزعيم الراحل الشهيد ياسر عرفات.
ومن أوساط القوى اليهودية العلمانية، ثمة من يؤيدون الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية من دون تحفظ، ومن هؤلاء عضو الكنيست الحالي عوفر كسيف الذي بلغت به الشجاعة إلى حد اعتبار حائط البراق منطقة محتلة ويجب أن تكون خاضعة للدولة الفلسطينية، وكسيف سبق له أن أعرب عن تأييده لحق العودة، واعتبر أن العمليات الفدائية ضد الجيش الإسرائيلي لا تعتبر إرهابا.
كما أن ثمة مناضلين كثر من أصل يهودي التحقوا بالثورة الفلسطينية ومؤسسات منظمة التحرير وبعضهم قضى سنوات في السجون بسبب نضاله ومواقفه مثل المناضل أودي أديب وشقيقه أساف، ويعقوب بن افرات، وميخال شفارتس وهداس لاهاف، وكذلك المناضل أوري ديفيس عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وقبله إيلان هليفي الذي أطلق اسمه على أحد شوارع مدينة البيرة، ولا ننسى المفكر إيلان بابيه صاحب الإسهامات النظرية المهمة في كشف جرائم التطهير العرقي في فلسطين، فهل يقترح علينا دعاة تديين الصراع التخلي عن هؤلاء مع كل الأهمية السياسية والأخلاقية لمواقفهم؟
لسنا بحاجة لسرد مواقف وأسماء "صهاينة" عرب ومسلمين يعلنون انحيازهم لإسرائيل وعدوانها، فهذه ظاهرة شاذة ومؤقتة، المهم ألا ننجرف لفكرة الصراع الديني لأنه يخدم إسرائيل ولا يفيدنا، كما أنه يطمس جوهر الصراع، بوصفه صراع بين شعب تواق للحرية والاستقلال ونظام استعماري استيطاني، وإن كان ثمة مشكلات في أدائنا العملي وسلوكنا الفعلي أو في علاقاتنا العربية والدولية، فعلينا التصدي لحلّ هذه المشكلات كما هي، لا أن نهرب منها بقفزات غير محسوبة في الهواء.
المزيد في أقلام وأراء
اعتراف من الداخل
حديث القدس
المكلومون
بهاء رحال
معركة المواجهة بين الهزيمة والانتصار
حمادة فراعنة
النموذج اللبناني.. وضوح الرؤية ووحدة القرار
د. دلال صائب عريقات
أهميـة المشـاركة في اتخاذ القـرار
أفنان نظير دروزه
غزة في خضم الحرب: إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا
ياسـر منّاع
اقتراح مقدم للأخ الرئيس محمود عباس
المحامي زياد أبو زياد
الذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل العلاقات العامة: حقبة جديدة من الاتصال الذكي
بقلم: صدقي ابوضهير
أبرز التوجهات التقنية الاستراتيجية لعام 2025: نظرة مستقبلية
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
الصورة بكل الأوجاع!
ابراهيم ملحم
حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه خيانة لمبادئ الإنسانية
حديث القدس
حول الاتفاق في لبنان وجبهة الإسناد
وسام رفيدي
فرض الوصاية علي لبنان فشل و"النصر الساحق لم يتحقق" والحزب لم يهزم
راسم عبيدات
الحكومة الإسرائيلية تقاطع "هآرتس" وتمنع الطيب من زيارة مروان البرغوثي
سماح خليفة
السياسة الاقتصادية للحكومة الأردنية الجديدة
جواد العناني
مواصفات "الترمبية الجديدة" وسؤال المستقبل؟
أسعد عبدالرحمن
دعم الصين الثابت للشعب الفلسطيني في ظل القتال والأزمة الإنسانية
بقلم السفير تسنغ جيشين مدير مكتب جمهورية الصين الشعبية لدى دولة فلسطين
غزة تبقى الوجع الأكبر
حديث القدس
اتفاق غير نهائي
حمادة فراعنة
هدأت جبهة الشمال فماذا عن الجنوب؟
بهاء رحال
الأكثر تعليقاً
في حدث تاريخي: ملك النرويج يشارك في إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
الرئاسة تطالب بعقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية
أردوغان: مبادرة بايدن الجديدة لوقف النار في غزة متأخرة لكنها مهمة
نيويورك تايمز: نتنياهو غير مهتم بتقديم تنازلات بشأن غزة
الإعلان الدستوري.. تباين الآراء بين المحللين حول "دستورية الإعلان"
المواجهة في الشمال في الميزان.. جردة حساب لحصاد الإسناد
سانتياغو: وكالة بيت مال القدس تُشارك في أسبوع المغرب بالشيلي وتُبرز دعم المملكة المتواصل للقدس وفلسطين
الأكثر قراءة
المرسوم الرئاسي.. حاجة دستورية أم مناكفة سياسية؟
الجيش اللبناني: إسرائيل خرقت اتفاق الهدنة مرات عدة
اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. بأيّ حالٍ يعود؟
مصدر مصري: القاهرة قدمت مقترحًا جديدًا لوقف إطلاق النار في غزة
هجوم هيئة تحرير الشام على حلب نسقته إدارة بايدن مع إسرائيل وتركيا
الإعلان الدستوري.. تباين الآراء بين المحللين حول "دستورية الإعلان"
"رويترز": السعودية تخلت عن التوصل إلى معاهدة دفاعية مع أميركا مقابل التطبيع مع إسرائيل
أسعار العملات
السّبت 30 نوفمبر 2024 9:53 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.63
شراء 3.62
دينار / شيكل
بيع 5.13
شراء 5.11
يورو / شيكل
بيع 3.84
شراء 3.82
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 150)
شارك برأيك
مخاطر تديين الصراع