Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الخميس 08 مايو 2025 9:14 صباحًا - بتوقيت القدس

المرأة الفلسطينية.. من دور "الضحية" إلى بطلة الرواية

لطالما صورت المرأة الفلسطينية في الخطاب الإعلامي المحلي والدولي كأيقونة للمعاناة، أم ثكلى، زوجة أسير، لاجئة تحت الحصار، أو "ضحية" معركة لا ناقة لها فيها ولا جمل، ومع أن هذه الصور تعكس مآسي حقيقية، إلا أنها غالباً ما ظلت حبيسة منظور استشراقي أو عاطفي سطحي، يقدم المرأة في حالة دائمة من "العجز"، تتلقى المصائب وتتألم بصمت، دون أن تمنح صفة الفاعلة أو الناشطة السياسية والمجتمعية.

لكن واقع اليوم، لا سيما في ظل العدوان المستمر على غزة، يفرض علينا مراجعة ذلك، فالمرأة الفلسطينية لم تكن يوماً على هامش الحكاية، بل كانت دوماً في مركزها، إنها لا تمثل فقط صوت الألم، بل صورة التنظيم والتوثيق والمقاومة، تمارس "سلطة الرواية"، وتتجاوز دور موضوع الحكاية، لتصبح كاتبتها وبطلتها أيضاً.

اعتدنا أن نشاهد – مع كل عدوان إسرائيلي – مشهد المرأة الفلسطينية الباكية، تحتضن جثة طفلها، أو تصرخ وسط الركام، أو تبحث عن أحبتها في القوائم أو بين الجثث، ورغم واقعية هذه المشاهد، فإنها غالباً ما تستخدم – خاصة في الإعلام الغربي – لخلق تعاطف مؤقت لا يفضي إلى فعل سياسي، بل يرسخ صورة المرأة كرمز إنساني منزوع الفاعلية. 

في العدوان الأخير على غزة، تبدلت الصورة بشكل لافت، المرأة ذاتها باتت تحمل الكاميرا، فهي تعرف كيف توصل صوتها بذكاء، لم تكتف بالتصوير أو التوثيق، بل شاركت بفعالية في حرب الرواية، وفككت الخطاب الآخر، وفضحت تناقضاته، وكشفت صمت العالم، وقدمت تفسيراً وتحليلاً وتأطيراً للرواية الفلسطينية، فالفيديوهات، والشهادات، والمداخلات الإعلامية المكتوبة والمرئية كلها تعبر عن نساء يجدن التعبير بلغات متعددة، ويواجهن السردية الإسرائيلية والغربية بمنطق حقوقي وإنساني، وحضورهن لم يقتصر على الفضاء العربي، بل اخترق الإعلام العالمي، ما يعكس وعياً مبكراً بأن كسب المعركة يبدأ من تفكيك الرواية المضادة وتوسيع دوائر الخطاب.

في ظل تراجع دور المنظومات الرسمية وغياب الخدمات الأساسية، نشأت أنماط جديدة من القيادة النسوية المجتمعية، ظهرت نساء يدرن مراكز الإيواء، ويوزعن المساعدات، ويقدمن الدعم النفسي، ويساهمن في إدارة الأزمات في المستشفيات وغيرها، هذه القيادة لم تستند إلى تفويض رسمي، بل نبعت من شرعية الواقع، ومن الإحساس العميق بالمسؤولية، ومن تراكم الخبرات المتكررة في مواجهة الأزمات، وقد برهنت هؤلاء النساء على قدرتهن على ملء الفراغ، وابتكار حلول بديلة، وبناء شبكات دعم اجتماعي قائمة على التضامن والتكافل، وهو ما قدم نموذجاً حياً لقيادة نسوية لا تبحث عن دور رمزي، بل تمارس تأثيراً حقيقياً. 

اليوم، لا تكتب نساء غزة تاريخ الحرب فحسب، بل يكتبن أيضا ذاكرة النجاة، يروين كيف أنقذن أطفالهن، وكيف نجون من المجازر، وكيف تعلمن التنقل بين الحياة والموت لحظة بلحظة، فحتى منشوراتهن على وسائل التواصل الاجتماعي، أو مقاطعهن الصوتية والمصورة، تشكل أرشيفاً شعبياً مقاوماً للنسيان، يعيد للشهداء أسماءهم، وللحكاية جذورها، ويؤكد على صلابة الوجود الفلسطيني في وجه محاولات المحو والتهجير. 

بالمحصلة، تمارس نساء غزة مقاومة مزدوجة، في مواجهة آلة القتل من جانب، ومحاولات محو الذاكرة الجماعية من جانب آخر، وهكذا، لا يقفن فقط في وجه الاحتلال، بل أيضاً في وجه الخطاب الذي يحاول حصرهن في دور "المكون العاطفي" أو إحدى صور المأساة، وفي هذا السياق، لا يمكن فهم ما حدث أو يحدث في غزة دون الاعتراف بدور النساء، الأم، والزوجة، والمربية، وصانعة الجيل، فهي لم تخرج من "عباءة الضحية" فحسب، بل تقود، وتصنع من يقود، وتكتب التاريخ، وترسم أفقا لمستقبل لا يقوم فقط على البقاء، بل على إعادة بناء الوعي، وغرسه غضاً طرياً في قلب الجيل.

دلالات

شارك برأيك

المرأة الفلسطينية.. من دور "الضحية" إلى بطلة الرواية

المزيد في أقلام وأراء

القمة العربية ...وتشتيت الفلسطينيين

عصام أبوبكر

الجوع والنزوح ومعادلة اليأس والتفاؤل

مصطفى ابراهيم

بعد حرب الإبادة في غزة: فتح وحماس ودحلان ومأزق المشروع الوطني الفلسطيني!!

تحولات لصالح فلسطين

نريد مواقف دولية تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار

أورشليم يا أورشليم.. ولا يتركون فيك حجراً على حجر

حين تختفي غزة من العناوين.. قراءة في أجندة الإعلام العالمي

ترمب ونتنياهو خلاف حقيقي أم سحابة صيف عابرة؟

تصدّعات داخلية في جدران الغيتو الإسرائيلي، ما الدلالات!

في غزة الناس ينتظرون مصيرهم

مصطفى إبراهيم

هل ساميتهم خير من ساميتنا ؟

أمين الحاج

غزة والإبادة جوعاً

د. جبريل العبيدي

سِــفر الآلام

نبهان خريشة

القدس تحت المجهر.. معركة وعي بلا مرجعية "بين أوسلو وعدوان أكتوبر 2023".. السياسات تصوغ مواجهة...

مالك زبلح

هذا هو الفرق بيننا وبينهم

من الدولة المدللة.. إلى المنبوذة

سلاح التظاهرات دعماً لفلسطين

مواقف دولية وتصريحات واعدة

قطع الرواتب.. دعوة لإعادة النظر !

الفرصة الأوروبية.. كيف نبني على التحولات الشعبية والسياسية في الغرب؟

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1266)