انقضى عام على حكومة المهندسين في فلسطين، وما أعلن عنه رئيسها د. محمد مصطفى عند تكليفه، من حيث عناوين الملفات الساخنة جدا التي سوف يتسلمها، والتي ستكون موضع اهتمامه، كانت كافية لإعطاء النُخب الفلسطينية استبشارا بالقادم من الزمن الفلسطيني في عهد هذه الحكومة، وأنها فرصة لكل أفكار التكامل التي تبني دولة تثأر لقطاع غزة بعد خمسة أشهر من بدء حرب الإبادة التي شنها العدو، الذي لا يعرف اية خطوط حمراء ولا أية محرمات ويُصر على وضع الحمار وليس الحصان أمام العربة.
د. محمد مصطفى :
إبن محافظة الذكاء " طولكرم" وطالب الكويت المهذب، ومهندس العراق العروبي، ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطين والإداري الكبير في البنك الدولي الذي يعلم خبايا هذه المؤسسة الدولية وأسرارها العائبة، محمد مصطفى- أبو مصعب، أعجب من يقرأ وأسرع من يكتب ويرد على الرسائل والطلبات التي ترد إليه ويحولها للتنفيذ الفوري، لكثرة ما رد علينا في نقابة المحاسبين حسبناه لآيهمل اي رسالة أبدا، على غير المعهود من باقي المسؤولين، في إحدى رسائلنا الإلكترونية إليه قبل تسلمه رئاسة الوزراء، رد علينا بعد استلامه تلك الرسالة بسبعة دقائق برسالة تحوي مائة واحدى عشرة كلمة، يوافق على طلبنا ويرسل الينا رقم الشخص الذي كلفه بالتنفيذ للتواصل معه واستلام ما طلبنا.
حكومة المهندسين في فلسطين - رأسها مهندس وضمت 7 مهندسين :
إللى جانب رئيس الوزراء المهندس عدد من المهندسين، منهم سامي حجاوي الذي يحمل الدكتوراه في الهندسة المدنية، رئيس بلدية نابلس سابقا ونقيب المهندسين في نابلس، بما يصلح أن يحمل رسالة البلديات والنقابات، التي أدارت فلسطين قبل السلطة وقبل الدولة المراقبة، والمهندس محمد العامور الذي كان وقت تكليفه رئيسا لجمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، الذي يدرك تماما شرور منافسة منتجات العدو للسوق الفلسطيني، والذي نقل مقر جمعية رجال الأعمال من شقة صغييرة مستأجرة الى مكتب ومقر عظيم تكلف ما يقارب حتى الأن من سبعمائة ألف دولار مملوك لهذه الجمعية، بتبرعات سخية جدا أكثرها منه ومن أعضاء مجلس الإدارة، ثم وائل زقوت ايضا حامل الدكتوراه في الهندسة المدنية والبيئة، الخبير في سياسة الأراضي وحقوق الملكية وصاحب فكرة تحويل الرمال الى ذهب، مستوحاة من تجربته في دبي. وغير هؤلاء من المهندسين ومعهم أمجد برهم عالم الرياضيات والقريب جدا من المهندسين، ورئيس اتحاد نقابات العاملين في الجامعات الفلسطينية، القادر على حمل رسائل طواقم وطلاب كل الجامعات الفلسطينية، في النهاية لم تحقق هذه الحكومة ما كان يصبو اليه شعب فلسطين، وطبعا ليس قصورا منهم ولكن إجراما من عدو هذه الحكومة، والعدو لكل ما هو فلسطيني، حسنا فعلوا بالإبقاء على هذه الحكومة مع ما يٌشاع عن إضافات جديدة لهذه الوزارة لثقتنا الكبيرة بأنه قادرة على تعديل مسارها وتطوير أدائها.
التجارب العربية من نماذج الحكومات،
أمامنا نموذجان من هذه الحكومات في شمال فلسطين وجنوب فلسطين : حكومة المهندسين في مصر 1978 - 1980، والتي شكلها العبقري الوسيم د. مصطفى خليل، دكتور الهندسة الشهير جدا، والتي لشديد الأسف فشلت فشلا ذريعا في تحقيق مصالح مصر وضحت بالروح المعنوية للشعب المصري الشقيق بكل شرائحه، وشوشت أفكار الناس كثيرا وعندما كان مصطفى خليل رئيسا للوزراء في مصر، كان ايضا المهندس سيد مرعي رئيسا لمجلس الشعب فأصبحت مصر حكومة وبرلمانا تحت قيادة المهندسين ذوي النوايا الطيبة والذين لا يحذرون كثيرا من عدوهم ولا يخشون من غدره، ويعتقدون أن بناء الذات أولى من تدمير العدو أو على الأقل الصدام الدائم مع العدو الدائم، والنموذج الثاني هو نموذج حكومتي المحامين التي شكلهما البطل السوري المحامي : معروف الدواليبي.
حكومة المهندسين في مصر - حكومة مصطفى خليل : ولد مصطفى خليل سنة 1920 اي أنه أصغر من جمال عبد الناصر بسنتين فقط، تخرج من كلية الهندسة في القاهرة سنة 1941وعند قيام الثورة في مصر سنة 1952 كان قد عاد الى مصر حاملا شهادة الدكتوراه مدرسا في جامعة عين شمس، مؤهله في ذلك الوقت جعله قريبا من رموز الثورة فعينه جمال عبد الناصر وزيرا للمواصلات سنة 1956، وبعد ذلك وزيرا في حكومتي علي صبري وزكريا محيي الدين في ستينات القرن الماضي ونائبا لرئيس الوزراء لاحقا، ثم أمينا عاما للاتحاد الاشتراكي في مصر منذ سن 1970 حتى سنة 1976الذي قاد مصر نحو الاشتراكية الإنسانية التي لا تخرج عن دين مصر بتاتا كما قالوا في الدفاع عن الاشتراكية العربية، التي تعرف أن جوهر هذه الأمة هو إسلامها، التصق بالسادات وحمل أفكار المهندسين بضروة تحقيق التنمية دون النظر كثيرا الى قيم الشعب المصري وثورة الشعب المصري، وفتت الاتحاد الاشتراكي وقسمه يمينا ويسارا ووسطا، لتكون ثلاثة أحزاب يرأسها ممدوح سالم وخالد محيي الدين وابراهيم شكري، أراد استغلال عقول مصر واعتبرها الثروة الحقيقية، ورأى أن مصر تعيش على 4% فقط من مساحتها على مجرى النيل، وتذرع بأن التنمية تحتاج الى رؤوس أموال ضخمة، وهذه إما أن تأتي بالقروض التي وصلت نسبة الفوائد عليها الى 14% وهذا ما رفضه، وآمن بالانفتاح الاقتصادي بثروة أبناء مصر من مغتربين ومقيمين وثروة العرب والأجانب الراغبين بالاستثمار في مصر، جاء بالانفتاح، ومعه تقزمت المصانع القومية ومصانع القطاع العام، واصبحت قطعة الصابون المستوردة بثلاثة وعشرين ضعف قطعة الصابون المصرية المعطرة الجميلة، والأمثلة كثيرة جدا في سلع أخرى، رافق السادات للأسف في زيارته للقدس وتقرب إليه بالأفكار المشتركة بين الرجلين، وبعدها تحول من مهندس في سكة الحديد وبرفسور الجامعة الى مهندس لإتمام اتفاقيتي كامب ديفيد ثم معاهدة السلام بعد جلسات مع كارتر نفسه، إذن تحول عبقري الهندسة من النقيض الى النقيض مما كان عليه في عهد ناصر إلى ما تحول اليه في عهد السادات، قيد مصر بحسن ظن أو بسوء ظن، وأخضعها فيما بعد عن طريق غيره الى شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذان حولا قيمة الجنيه المصري من قبضة ذهب الى قبضة غُبار.
حكومتا المحامين في سوريا – حكومتا معروف الدواليبي:
السياسي والحقوقي ورئيس البرلمان السوري ورئيس الوزراء لحقبتين، وكل ما سبق ليس أهم من شخصية هذا الرجل يوم كان طالبا شابا في أوروبا، يوم افتدى مفتي القدس في اللحظات الأخيرة لسقوط برلين وهربه إلى فرنسا، وضحك على كل فرنسا رئاسة ومطارات وموانيء وحدودا برية، عندما كانت مع باقي الحلفاء تطالب برأس المفتي الفلسطيني، ثم يتنازل عن جواز سفره السوري ويلصق عليه صورة مفتي القدس، ويهربه الى القاهرة، ليصل ليلا إلى القصر الملكي، فيُضاء ذلك القصر، ويتفضل فاروق مصر في سنة 1945 باستقبال الحاج أمين الحسيني على أعين الإنجليز الذين كانوا يهميمنون على الحكم في مصر، حتى ذلك التاريخ كان لنا بعض الكرامة ومقدارا من الشهامة. عاد معروف الدواليبي بشهادة الدكتوراه من السوربون في الحقوق والقانون، ودخل البرلمان السوري عن حلب الشرسة، في سنة 1950 تولى معروف الدواليبي وزارة الاقتصاد الوطني في سوريا وحافظ على العملة الوطنية وأخلص في الحفاظ على ثروات سوريا مما جعل كل شرفاء وأحرار سورية يتعلقون بذلك الرجل البطل، في سنة 1954 شكل وزارته الأولى التي دامت يوم واحد دامت ، قبل ان ينقلب أمين الشيشكلي على الحكم في سورية ويعتقل معروف الدواليبي الذي لم يكن يخاف الرؤساء ابدا، في كل مناصبه السابقة يوم كان نائبا ويوم كان وزيرا، في سنة 1961 شكل حكومته الثاني وبقي فيها لفترة قصيرة ايضا حتى جاء انقلاب آخر، رحم الله تعالى ذلك البطل الذي عاند الفرنسيين طالبا وضحك عيلهم في عاصمتهم، وخدم وطنه بصدق دون خوف من رئيس أو غير رئيس، هكذا كان البطل محمد معروف الدواليبي قدوة لكل من أراد يكون رئيسا للوزراء.
شارك برأيك
بعد عام على حكومة المهندسين