Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الجمعة 09 مايو 2025 10:06 صباحًا - بتوقيت القدس

أهلا بكم في الديسكو

أنا في الديسكو، صخب وموسيقى عالية وحادة، أصوات مزعجة متداخلة باللغة العبرية، تدوي في داخل رأسي، سكاكين صوتية لا تهدأ، يختلط الهواء مع الأنفاس، الرقصات مع الأشباح التي تدور حولي، أتمايل وأتموج، هناك من يسحبني للأعماق ثم يقذفني للأعلى، هناك من يدق عقلي، أرتطم بنفسي، جسدي يترنح، يتعرق، يتفسخ، أذوي جسماً ودماغاً وإحساساً، هناك من يضربني ويجلدني في داخلي، ينتزع ذاتي ويعريها فوق الحصى والرمل. أهلا بكم في الديسكو، الحفلة على وشك البدء، بهذه العبارة يرحب الجلادون الصهاينة بالأسرى الفلسطينيون في معتقل "سدي تيمان" السري والدموي والذي يقع بالقرب من بئر السبع، والذي أنشئ في قاعدة عسكرية خلال الحرب الإبادية على قطاع غزة، والديسكو هو غرفة تعذيب أو حظيرة تعذيب كما يطلق عليه الأسرى، توضع فيها سماعات كبيرة وضخمة تصدر أصواتاً وضجيجاً عنيفاً تقتحم أعماق الإنسان حتى يفقد الاتزان ويتحول إلى أنقاض. لا زلت في غرفة الديسكو، موسيقى التعذيب تجعلني أرقص ألماً، والعازفون يرقصون طرباً، أرقص حتى الموت أو الإغماء، أرقص مع نفسي وخيالي وهلوساتي، أرقص ثم أرقص حتى أتحول الى كتلة بشرية تحبو وتنبح، الدماء تنزف من الأذنين، الدماء تنزف من العينين، عارٍ ومقيد من اليدين والقدمين، وكلما ازداد القصف الجوي على قطاع غزة وانفجرت القنابل فوق رؤوس الناس ومنازلهم، ازدادت موسيقى الديسكو وانفجرت كالصواريخ ومزقتني إلى أشلاء. تحول ملهى الديسكو وهو أحد فنون أميركا المتوحشة الى أداة لتعذيب الضحايا الفلسطينيين، فاذا كان هناك للرفاهية فهو هنا للتسبب بالألم والإيذاء، هناك للمتعة والتجلي، وهنا لتقويض إنسانية الإنسان، أهلاً بالديسكو الأمريكي، ديسكو السكارى والمثليين الجنسيين والمتحولين والمخنثين، ثقافة إرهاب الديسكو والقطيع، ثقافة الإبادة وإرسال كل أنواع الأسلحة الفتاكة وأدوات القمع الداعمة لإسرائيل في حربها الوحشية على قطاع غزة، تحويل النغم الى قنبلة، والإيقاع الى وسيلة تعذيب، العدوان على الجمال والخيال والحرية وروح الإنسان، وكما وصف ميكافيللي الحرب بأنها الفن الأسمى لتحقيق الهيمنة. ديسكو التعذيب مستمد من رقصة الموت الذي ساد في العصور الوسطى للقوى الظلامية المستبدة والتي أصيبت بهوس الموت خلال وباء الموت الأسود في منتصف القرن الرابع عشر، والدمار الذي خلفته حرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا، وأصبح جزءاً من ثقافة الغرب في تصاويرهم وفنونهم البصرية وخيالاتهم، وفيها يظهر هيكل الموت المصحوب بالموسيقى وهو يفاجئ ضحاياه. أهلا بكم في الديسكو، وعليك أن تدخل الحظيرة والقفص، أن تغتسل بصابون الديسكو، أن تستسلم لماكينة الاستحواذ والسيطرة جسداً وفكراً وإدراكاً حتى الانصياع، وعليك أن تنظف رأسك وأحلامك الوطنية والقومية، وتتجوف حتى تصبح فراغاً بلا تاريخ وهوية وذاكرة. أهلاً بكم في الديسكو، أهلاً بكم في الجنون الصهيوني، في معتقلات وسجون الاحتلال، لم تتوقف الأسطوانات في بث أصواتها الشيطانية، لم تتوقف الحرب على غزة، الموسيقى كالرصاص، ألسنة الجحيم تتدلى، والموسيقى الصاخبة يعزف على أوتارها كل أركان دولة الاحتلال، الوزراء والمخابرات والجيش والقضاة، وفي الديسكو أنت لا تنام، تبقى صاحياً حتى ينشف فيك ماء الصراخ، ويجف عظمك وينكمش لحمك في قبر لا تراه. الديسكو أيديولوجيا التعذيب الصهيوني والتطهير البشري والثقافي في منظومة القمع الممنهجة بحق الأسرى الفلسطينيين، تعذيب غير مرئي ومستمر خارج حدود وقواعد القانون الدولي والمعايير الأخلاقية الإنسانية، استئصال البشر من آدميتهم وإرادتهم وكرامتهم وتذويبهم في موسيقى العنف حتى التلاشي. ‏ لم تتحدث اتفاقية مناهضة التعذيب العالمية، ولا اتفاقيات جنيف الأربعة عن ديسكو التعذيب، الذي لا يترك أثراً على الجسد ولكنه يترك دماراً أشد قسوة من الإعدام، فما لا تراه في التعذيب هو الأخطر من التعذيب. ‏أين أنت الآن؟ لا تدري، أنت في معتقل سدي تيمان في غرفة تعذيب اسمها الديسكو، جسمك يتفتت، والجنود يصفقون، وكلما انهارت قواك صفقوا أكثر، وكلما أبيدت عائلة في غزة ومسح منزلها عن وجه الأرض صفقوا وانتشوا وأرسلوا الفيديوهات والصور، يضحكون ويسخرون أمام جسدك المعذب، يقرأون من التوراة نصوصاً ويصلون ويرفسون، ويدورون حولك كما يدورون حول الذبيحة، إنها موسيقى توراتية سماوية إلهية مقدسة، وقد أعلنوا باسم إله الحرب يوم قيامتك، ويوم موتك، ويوم يصبح قبرك خواء يطفح بالدم والسعال والغثيان. أنا في غرفة الديسكو، لا ادري إن كنت تحت الأرض في قبر أم فوق الأرض في عاصفة، هذا سجن أم قذارة وحاوية، البراز والجرب والضلوع المحطمة، جثث تدخل وجثث تخرج، ولا أدري إن كنت حياً أم ميتاً، أنا في الدنيا أم في الآخرة، لم أر شمساً ولا نهاراً، رأيت ابن غفير يحمل الأقفال والعصي والمسدس، يقف علي بوابة جهنم ويطلق الرصاص على الرؤوس والنجوم والسماء والآلهة. ‏أهلاً بكم في الديسكو، أنت في المحطة الأخيرة من مراحل التعذيب، محطة اضمحلال الجسد نفسياً وجسدياً، سلخ الجلد وتشويه الأبدان، إنها دراما مثيرة دراما التدمير، الحفلة الأروع  للمحققين الساديين، السفالة والرذيلة والغواية، التهيج المشبع بالجريمة، محطة الموت الداخلي للإنسان وليس الموت الخارجي، محطة الاختناق والقهر والتآكل وانهيار الأعصاب، محطة الهلوسة، الهيستيريا وفقدان الشعور بأنك في يوم كنت إنساناً. ‏وكان عليك أن تمر في كل الحظائر قبل أن تصل إلى حظيرة ديسكو التعذيب، حظيرة الضرب والتكسير والإذلال، حظيرة التجويع والتعطيش، حظيرة الحفاظات والبامبرز، حظيرة الاغتصاب والاعتداءات الجنسية، حظيرة الكلاب البوليسية المدربة على الاغتصاب الجنسي، حظيرة شد القيود والدعس وبتر الأطراف، حظيرة الزحف وتقليد أصوات الحيوانات، حظيرة التعفن وانتشار الأمراض والديدان، حظيرة الصعق بالكهرباء، حظيرة التعرية والانبساط والتسلية، حظيرة الأناشيد العبرية وسب القيادات الوطنية، وفي كل هذه المراحل المحققون العباقرة يضربون جسدك بالهروات وبالبنادق والبساطير، يرفسون ويركلون ويشتمون حتى تتحول إلى كتل وأكداس من اللحم المعطوب. ‏أهلاً بكم في الديسكو، طنين مستمر في الأذنين، زنانة أخرى فوقك، ويبدأ القصف، تشتعل النار، فكل أسير صار هو غزة، البيوت ترقص وتهتز وتنهار، الأجساد تتطاير في كل مكان، جسدك ساحة حرب، جسدك مستباح بكل أشكال الشناعة والوساخة، جسدك مطحنة كما هي غزة. ‏أهلا بكم في الديسكو، وقد بدأت الحفلة والطقوس والشذوذ والانتقام، البهجة والانحطاط الأخلاقي والقيمي والإنساني، ما أروع هذه الحفلة، ما أروع نظريات التعذيب التي ابتكرها الكيان الصهيوني، التعذيب بالأصوات المرعبة، التعذيب بالهز، التعذيب بانحناء الظهر كالموزة، الشبح والقرفصة، الحرمان من النوم، التسخين والتبريد، البصق واللطم، التعليق، التهديد وغيرها، ما أروع هذا الإبداع الأمريكي الصهيوني، تعذيب الديسكو الذي لا يريد انتزاع اعترافات أو معلومات، وإنما للقتل والمتعة والفرجة، وهدم كيان الإنسان الفلسطيني وهويته الوطنية، وتحويله إلى مجرد وعاء بشري بلا قيمة. ‏ديسكو التعذيب في معتقل سدي تيمان، ربما يكون هو ملهى الإغراء والأغواء الذي تحدث عنه الأسير الشهيد وليد دقة، عندما يصبح التعذيب أداة لصهر الوعي والعقل والروح والإرادة، وينتشر الديسكو من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر، فنراه على الحواجز العسكرية، في الإغلاقات المستمرة، ونراه في الاقتحامات الليلية والمداهمات، ونراه في الإعدامات الميدانية، ونراه في تجريف الشوارع وهدم بيوت المخيمات، وفي هذا الديسكو الصهيوني يجتمع السجن والإبادة، ترقص تل أبيب فرحاً في ما يسمى عيد استقلالها فوق نكبتنا وجثثنا، ولا نرى سوى مزيد من الأضواء اللامعة، الغارات والعمليات العسكرية، الطبول والمستوطنات، والمتفجرات والطائرات والسحجات والرعشات والرجفات والنيران وشبكات المعسكرات المتعددة. ‏الديسكو في جنين وطولكرم ونابلس والخليل ورام الله، وقد بدأ الديسكو منذ أن دخلنا القفص، الديسكو مصيدة، الانبساط والعناق والتلوث والفساد والبلاهة والسلطنة، التطبيع العجيب بين القاتل والضحية، الرقص في النار الموقدة. أنا في الديسكو، في هذا البرزخ، مسافة طلق ناري بين شعار الدولة أو الدولتين على أرض لم تعد مشتركة، أنا غائب، لا أرقص إلا على رجل واحدة، أنا المتجمد المتبلد مكتوم النفس والكتابة، هل سأعود إلى امي عائشة؟ وأخبرها عن عالم آخر ليس فيه مخيم ولا طابون ولا دبكة شعبية، هناك شيء أخذوه مني يا أمي، قولي إلى متى أعود إلى أولي وأسترد روحي مرة ثانية. أفرج عن صديقي من غرفة الديسكو في سجن سدي تيمان، كانت عيونه غائرة ونظراته مليئة بالأسئلة المتيبسة، ولكنه كان يبتسم، وفي كلماته نوافذ لا تطل على المذابح والمجزرة، وقف أمام قضاة المحكمة الجنائية في لاهاي، لم يشتك لهم، ولكني سمعته يردد ما قاله المناضل الأممي يوليوس فوتشيك ذات يوم، وهو على مقصلة الإعدام وكأنه يقرأ بياناً أو وصية "سيأتي وقت يكون فيه هذا الحاضر ذكرى، وسيتحدث الناس عن عصر عظيم وعن أبطال مجهولين صنعوا التاريخ". أهلاً بكم في الديسكو. أهلاً بكم في دولة الخمج والأسلاك الشائكة. الخروج من التاريخ واللغة. صداع الجغرافيا والمفاصل والوقت. طغيان يرفرف تحت الأقدام. لكن ما بال هذا الموت يتحول من خراب إلى عاصفة؟

دلالات

شارك برأيك

أهلا بكم في الديسكو

المزيد في أقلام وأراء

الإفراج عن عيدان ألكسندر .. دلالات جديدة في السياسة الأمريكية والعلاقات الإسرائيلية

في الذكرى الـ77 للنكبة: تصعيد ضد الأونروا وتضييق على مخيمات اللاجئين في القدس

قد لا تصل هذه الرسالة أبدًا

الفرصة الأخيرة؟ الاقتصاد الفلسطيني أمام لحظة الحقيقة مع حكومة مصطفى

الدكتور سعيد صبري- مستشار اقتصادي – عضو مجلس ادارة هيئة التحول الرقمي الدولية

… ونقرأ الفاتحة على خسائرنا الفادحة!

إبراهيم ملحم

الإفراج عن عيدان..هل من انفراجة توقف الإبادة؟

جمال زقوت

الإفراج عن عيدان ألكسندر ، دلالات جديدة في السياسة الأمريكية والعلاقات الإسرائيلية

مروان إميل طوباسي

الاعتراف المزعوم والهراء المعلن

أمين الحاج

إسرائيل على مفترق طرق.. احتلال، إبادة جماعية، وموت رؤية

ألون بن - مئير

انكشاف الغرب الاستعماري وتعريته

حمادة فراعنة

الإدارة على مفترق طرق.. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل دور القادة والمؤسسات؟

د. عمر السلخي

بين خطاب فريدمان ومصالح ترامب.. فلسطين قضية تحرر وطني وليست ورقة على طاولة الصفقات

مروان إميل طوباسي

شكوك حول نوايا وجدوى خطة المساعدات الأمريكية لغزة !

نبهان خريشة

كل الجهود لوقف حرب الإبادة وإفشال مخططات التهجير والترحيل

وليد العوض

في جدلية التناقض الرئيسي والثانوي

محسن أبو رمضان

تجارة لا تبور

إسماعيل الشريف

جائحة الركود التضخمي الجديد

حسام عايش

عائلة بأكملها في قبضة الغياب... حين تُقصف السماء الذاكرة

بن معمر الحاج عيسى كاتب وباحث جزائري

رفح.. سنة في درب المعاناة وسبع محطات من الصبر الجميل المقدّس

حلمي أبو طه

الهجمة على القدس تشتد وتمتد وتتسع

راسم عبيدات

أسعار العملات

الأربعاء 07 مايو 2025 11:16 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.62

شراء 3.61

دينار / شيكل

بيع 5.11

شراء 5.1

يورو / شيكل

بيع 4.11

شراء 4.1

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1229)