أقلام وأراء
الإثنين 17 فبراير 2025 10:35 صباحًا - بتوقيت القدس
الأنظمة وتهجير غزة.. بين "التنمية بالحماية الشعبية" ومواجهة الصهيوأمريكي
قد يكون حديث ترامب عن اقتلاع الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، وتحويلها إلى ما أسماه "ريفيرا" هو أخطر حديث عن البشر بمعنى:
* إن الناس بالنسبة له قطيع، لكنه لم يفهم أو يرفض ما هي المقاومة، ومنطقه ليس حتى منطق معظم أنواع التجار.
* وأنه وضع الأنظمة العربية في أدنى درجات التبعية والإهانة والإذلال، وليس هذا حال مختلف الأنظمة التابعة في الكوكب.
وضع ترامب مختلف الأنظمة العربية، باستثناء اليمن/ صنعاء أمام تحدٍّ لا يمكنهم قبوله رغم أنه من عدو متوحش لا يعطف على توابعه، سواء كان حديثه مناورة أو قراراً أو خطة! لقد وضع كسرى الإمبراطور تابعه ملك المناذرة النعمان بن المنذر بن ماء السماء تحت سنابك الخيل، واستشهد حينها لأنه رفض تزويج حرة عربية لعدو، ونتيجة ذلك كانت تضافر العرب وهزيمة الفرس في معركة ذي قار، والتي اعتبرها بداية الثورة المحمدية التي فتك بها الفقهاء وجردوها من عروبيتها وحولوها ضد العروبة، فانتهى الإسلام إلى حالة فقهية متخشبة في الدينسياسي خانعة للإمبريالية، وله طبعات وهابية وإخوانية/ بريطانية وأمريكية وتركية وباكستانية…إلخ. وعلى من يفهم التاريخ أن يقرأ هذا وأن يفهم العبارة العبقرية لمعاوية بن أبي سفيان الذي أسس لدولة عربية حقيقية حينما قال: "إن علي أقرب إلى الله مني، وأنا أقرب إلى الشعب منه"، ولذا أقام الدولة الإمبراطورية. لكن الحكام العرب والمسلمين لا هم بطهارة علي ولا بعبقرية معاوية كرجل دولة، وهو ابن هند بنت عُتبة التي أحرجت الرسول، وابن أبي سفيان صخر بن حرب الذي يوم فتح مكة اعتبر الرسول بيت أبي سفيان مكان أمان للناس كبيت الله الحرام. أما وهذا موقف النبي، فلماذا لم يفكر معاوية سياسياً وبراغماتياً وحتى حقه في الحكم كحق علي؟
مشروع ترامب المكتوب بالعجرفة البيضاء قاتلة مئات ملايين البشر، وضعت التوابع العرب في مأزق شديد الخطورة أرغم هذه الأنظمة، وهي لا شك لديها أدوات من المثقفين الذين لديهم قدرات تحليل واستشراف ما يمكن أن يؤدي إليه ربط مصيرهم بقرار الإمبريالية، وخاصة الأمريكية، والإقرار بأن المحتل عام 1948 لم يعد للفلسطينيين والعرب، بل إن مشروع ترامب يذهب بعد غزة للضفة الغربية أيضاً مما يعدم الوجود الفلسطيني بشرياً وليس فقط سياسياً، وهذا يعني وصول خنوعهم إلى إدارة ظهورهم للأمة بالمطلق وخاصة أن الكيان يتوسع في سوريا ولبنان بوقاحة وعلانية! فهل إنقاذ غزة يجب أن يكون مقابله ضياع سوريا ولبنان وغيرهما!
وبالمقابل، يدرك الحكام بأن وصول الخنوع إلى هذا الحد لا بد أن يتبعه وضع شعبي، ولو تدريجي أو في قطر بعد آخر، إلى حالة الرد الشعبي وهذا يعني أن العروش يمكن أن تتساقط.
أي أن مواقف هذه الأنظمة ليست بناء على عروبة أو قومية أو إسلام أبداً، لأنها لو كذلك لتوقفت إبادة غزة، ولما تجرأ ترامب على مشروعه.
كما أن مواقف هذه الأنظمة لا تزال محصورة قطرياً، بمعنى أن كل قطر تابع بطريقته وبمفرده الغني والفقير على حد سواء. وكما يبدو فإن هذه الأنظمة تطبق قانون أن "المال" لا يتوازى في الأواني السياسية المستطرقة، فلو كانت بصدد "توازي" المال لتوصلت إلى أن ثروات الوطن العربي وموقعه تجعل كل العالم بحاحة لهذه الأمة وليس العكس.
يبدو أن مشروع ترامب اضطر هذه الأنظمة للتفكير ولو جزئياً كمجموع وليس فرادى، وخاصة في قضية مركزية في الوجدان والروح الشعبي العربي، وأن هذه الأنظمة تخشى تحول هذه الروح والوجدان إلى فعل، وهو ما أسميه ضرورة استعادة الشارع العربي من أيدي قوى الدينسياسي والأنظمة وطابورها الثقافي السادس الذي يأخذ مثقفين عرباً زرافات ووحداناً إلى الفتك بعروبتهم قبل تحصيلهم الأكاديمي، وليقوموا بدور الأفاعي السامة في ثقافة العروبة.
هنا قد يقول البعض أن الأداة الثورية غائبة عن المشهد، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن هذا لا يعني أن التحدي سوف يتمكن من مواصلة لجم الشعب وحتى بغياب قيادة وربما يفرزها الحدث نفسه.
هذا الاحتمال الرفضي الشعبي الذي تخشاه الأنظمة وهي مضطرة لذلك، هو ما أعتبره شكلاً من التطبيق أو الانطباق الأولي لنظريتي في "التنمية بالحماية الشعبية"، وهي موضوع رسالتي للدكتوراة في الثمانينات، وبإيجاز وصول الشعب إلى قناعة بقضية وحق مركزيين سواء في التنمية أو الوحدة القومية، أو حتى الأيديولوجيا، بحيث يتمكن الشعب من الضغط على السلطة بقبول وتلبية ما يطلبه.
إن وصول التحدي إلى درجة إصرار الشعب على الحماية الشعبية، سواء لحماية الوطن أو إنجاز التنمية هي حالة يصبح النظام/ السلطة حينها أمام إما العناد ومن ثم الانفجار الثوري، أو الرضوخ للضغط الشعبي سواء جزئياً أو كلياً.
التنمية بالحماية الشعبية هي جوهر أطروحتي للدكتوراة في ثمانينات القرن الماضي، وقد تأكدت بانتفاضة 1987 الكبرى في الأرض المحتلة، حيث تمكنت الجماهير من مواجهة الاحتلال الصهيوني مواجهة جماعية شاملة. ومن ناحية نظرية عامة، وبقراءتي لسقوط التجارب في المعسكر الاشتراكي، وعلى ضوء نظرية الرفيق سمير أمين فك الارتباط، وهي مدخل إلى التحول الاشتراكي، لكنه مدخل اعتمد على قرار الدولة أي من الأعلى، وربما لذلك سواء بالبقرطة والتمايزات الطبقية والوهن الأيديولوجي والأزمة الاقتصادية وبالطبع حرب الإمبريالية ضد الاتحاد السوفييتي عبر تسخير إمكانياتها وإمكانيات معظم بلدان المحيط ضد الكتلة الاشتراكية التي كانت أقل كثيراً حتى من حيث الإمكانيات، بل إن معظم بلدان المحيط التي كانت صديقة للسوفييت كانت قد انخرطت في السوق الرأسمالي كتوابع، ومنها الجمهوريات العربية التي كانت تتسلح من الشرق وتتاجر مع الغرب!
أصل إلى الاعتقاد بأن موقف الأنظمة العربية من مشروع ترامب الصهيوني ضد غزة هو موقف المتخوف من الرد الشعبي العربي، وهو ما أسميه الرد والضغط على طريق الثورة والتنمية بالحماية الشعبية.
وهذا يقود لسؤال آخر، إذا تم النجاح في لجم مشروع ترامب، وحتى أُقيمت دولة فلسطينية في الضفة والقطاع فإن هذا لن يكون سوى هدنة لجولة أخرى، وأعتقد أن الكيان يفهم ذلك جيداً وتماماً، وهنا مأزقه.
ولكن توقف مشروع ترامب أو تأجيله أو استخدامه فزاعة لا ينفي ولا يعفي الأنظمة العربية من الإصرار على إعادة الإعمار في غزة والضفة والضاحية، لأن هذا واجب وهو أيضاً انتزاع حق من الأعداء وبداية موقف مختلف مع الأعداء. فهل يرتقون له؟
لقد تعودنا من الأعداء على المطالبة بالأكثر، ولذا لم يرضوا بالتطبيع فذهبوا إلى التهجير، ولم يكتفوا باحتلال فلسطين، بل احتلوا سوريا وبعض لبنان، ولم يكتفوا بالاعتراف بالكيان، بل وصل نتنياهو إلى عدم اعترافه بسيادة السعودية على أرضها، حيث طلب تهجير الفلسطينيين إليها. ولم يكتف الأعداء بالصناديق السيادية العربية عندهم، وشراء سندات الخزينة الأمريكية وغيرها، ولا التبرع لهم باستثمارات هناك والتي من السهولة بمكان سرقتها، كما حصل ضد إيران بعد الشاه، وضد روسيا مؤخراً، ولم يكتفوا بأن هذه الأنظمة القطرية خدمت الأعداء الغربيين الرأسماليين بمحاربة الاشتراكية، وخلق طبعات مشوهة للإسلام لتجريده من عروبته.
إن التجريد من الإسلام هو في أعلى مخاطره اليوم، حيث تحتل تركيا سوريا علانية، ومع ذلك لا يزال كثيرون حتى فلسطينيون يغمضون الأعين عن وداعة ترامب الأفعوانية، وعن حديثه العالي ضد الكيان، وهو نفسه أسوأ من الكيان.
بقي أن نختم بأن هذه القطريات العربية إذا ما اتخذت موقفاً أفضل، فهي من جهة مضطرة، وعلينا مواصلة الضغط عليها، سواء بحراك الشارع أو بدور اليمن النموذجي ومختلف قوى المقاومة.
يجب أن يعمل تقدميو وشرفاء ويساريو وقوميو هذه الأمة على إغلاق الباب أمام بقاء الدولة القطرية، وهذا معنى استرداد الشارع العربي، ولن ينجح هؤلاء إن لم يتوحدوا في حركة كتلة تاريخية عروبية.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
"غزة وجنين جميلتان بأهلهما فقط"
حديث القدس
بعد 500 يوم .. تفجعونـ(نا) بقتل رهائنـ(كم)
حمدي فراج
أولوية إعمار غزة: إزالة الركام والعمل على البنية التحتية وإعادة تأهيل المجتمع نفسياً واقتصادياً
المهندس محمد الحلبي المدير الأسبق لمؤسسة االرؤيا العالمية
"سيكولوجية الجماهير": قوة الحشود وتأثيرها على الأفراد
سهى زيدان
أمريكا وإسرائيل عدوانية غير مسبوقة
راسم عبيدات
إسرائيل وتهديد القمة العربية
أنطوان شلحت
مأزق الانقسام الفلسطيني
حمادة فراعنة
عـمـلـيـة "الـجـدار الـحـديـدي": إنـهـم يـفـعـلـون هـنـا مـا فـعـلوه فـي غـزة
ماهر الشريف
الطريق إلى الازدهار
رادوسواف شيكورسكي، وزير خارجية بولندا
أول الغيث قَطْرُ!
حديث القدس
الانقسام الإسرائيلي
حمادة فراعنة
دوام ترديد التهديد بالتهجير وانعكاساته النفسيّة المتوقعة!
غسان عبد الله
الرسوم الجمركية الأمريكية "من أجل الفنتانيل" تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية
جي وينهوا
الوعد المشؤوم
حديث القدس
بين ابتزاز غزة بالتهجير واجتثاث مخيمات الضفة.. ما العمل؟!
جمال زقوت
الرقص على حافة الجنون
رمزي الغزوي
العناد الفلسطيني ورفض التوطين والتهجير
حمزة البشتاوي
هذه رسالتي لحركة "حماس"
محمد المصري
أزمة النظام السياسي الفلسطيني بين الشرعية الثورية والانتخابية ومعضلة الديمقراطية
مروان إميل طوباسي
أميركا وتداعيات "الدعم غير المشروط"
جيمس زغبي
الأكثر تعليقاً
نتنياهو: لا مكان لحماس أو السلطة الفلسطينية في غزة في اليوم التالي للحرب

الاحتلال يستولي على أرض لشق طريق استعماري شمال غرب نابلس

تركيا تحذر من نكوص نتنياهو على اتفاق غزة
مصر تستضيف القمة العربية الطارئة يوم 4 آذار/ مارس المقبل

واشنطن بوست: إدارة ترمب توقف جميع المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية
الأمم المتحدة: تأخير انسحاب إسرائيل من لبنان انتهاك مستمر للقرار 1701
المؤتمر الوطني الشعبي للقدس يندد بإغلاق إسرائيل مدرسة "للأونروا" بواد الجوز ومداهمة كلية التدريب المهني في قلنديا

الأكثر قراءة
طوباس: 3 شهداء في مخيم الفارعة والاحتلال يحتجز جثامينهم
اليونيسف تدين تصاعد العنف ضد الأطفال في الضفة الغربية المحتلة
إعلام عبري: إسرائيل تحجز 90 مليون دولار من أموال المقاصة الفلسطينية
بدء دخول المعدات الثقيلة إلى قطاع غزة من معبر رفح
عباس رافضا دعوات التهجير: فلسطين ليست للبيع

لازاريني: اقتحام الاحتلال مدارس للأونروا بالقدس ومعهد قلنديا انتهاك للحق في التعليم ولحصانة الأمم المتحدة

إعلام عبري يكشف هوية المحتجزين الذين ستفرج عنهم المقاومة السبت المقبل

أسعار العملات
الأربعاء 19 فبراير 2025 10:18 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.54
شراء 3.53
دينار / شيكل
بيع 5.0
شراء 4.99
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 674)
شارك برأيك
الأنظمة وتهجير غزة.. بين "التنمية بالحماية الشعبية" ومواجهة الصهيوأمريكي