أقلام وأراء
الثّلاثاء 18 فبراير 2025 9:13 صباحًا - بتوقيت القدس
أميركا وتداعيات "الدعم غير المشروط"

لم تكتف مجموعة من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل ولجان العمل السياسي، بما في ذلك الأصوليون اليمينيون وصقور "المحافظين الجدد" والليبراليون الضعفاء، بتمكين حملة تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، بل فعلت ما هو أكثر من ذلك. لقد أسكتت هذه الجماعات النقاش في الكونجرس حول عقود من السياسات الإسرائيلية غير القانونية تجاه الفلسطينيين.
وتقوم الجماعات المؤيدة لإسرائيل ولجان العمل السياسي بالاحتجاج بصوت عالٍ كلما أُشير إلى دورها في هذا الشأن. لكن عشرات الملايين التي أنفقتها لمعاقبة المنتقدين وخلق مناخ من الخوف - إلى جانب تفاخرها بنجاحاتها - موثقة جيداً ولا يمكن تجاهلها. ونتيجة لذلك، فقد تم إخضاع العديد من أعضاء الكونجرس للصمت أو دفعهم إلى تمرير تشريعات غريبة بشكل مفرط تمنح إسرائيل معاملة خاصة في المسائل المتعلقة بالميزانية أو للحصول على مزايا سياسية.
ولقد مارس نفس التحالف من الجماعات من اليمين واليسار في السياسة الأميركية ضغوطاً على الإدارات الأميركية المتعاقبة ليس فقط لتغض الطرف عن الأفعال الإسرائيلية التي تنتهك القوانين الأميركية، بل وأيضاً لتتخذ موقفاً عدائياً تجاه الدول الأخرى التي تنتقد إسرائيل. ولقد ساهمت هذه الأفعال في تفكيك بنية الدبلوماسية الدولية والقوانين والعهود التي نشأت في أعقاب الحربين العالميتين، وألحقت أضراراً جسيمة بمكانة الولايات المتحدة في المجتمع الدولي.
ولقد تعرض رؤساء الولايات المتحدة من فورد إلى أوباما لضغوط من رسائل الكونجرس المستوحاة من الجماعات المؤيدة لإسرائيل والتي تدعوهم إلى التراجع عن مواقفهم المنتقدة للسياسات الإسرائيلية. وعلى هذا فقد أُرغمت الإدارات المتعاقبة على الصمت في مواجهة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وغير ذلك من الانتهاكات الإسرائيلية الموثقة للقانون الدولي وحقوق الإنسان. لقد أدت هذه الضغوط إلى إدانات أميركية لتقارير الأمم المتحدة حول الانتهاكات الإسرائيلية، وسحب الولايات المتحدة للأموال من وكالات الأمم المتحدة المختلفة بسبب إجراءات انتقدت سلوك إسرائيل، وقيام الولايات المتحدة مراراً باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن - حتى عندما كانت هذه القرارات تؤكد فقط على سياسات أميركية معلنة.
ومؤخراً، شوهدت هذه الممارسة في فرض عقوبات من قبل الكونجرس والإدارة على محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك على الأفراد والدول التي شاركت في قرارات تنتقد إسرائيل. وقد ساهمت هذه الأفعال في تفكيك الضوابط الموضوعة لتعزيز السلام العالمي وإنفاذ القانون الدولي وحماية الفئات الضعيفة من الانتهاكات، مما زاد من عزلة الولايات المتحدة.ونفس هذه المجموعة من الجماعات والضغوط التي تخلقها لتشويه السياسات الأميركية ألحقت أيضاً أضراراً لا تُحصى بالفلسطينيين والإسرائيليين وآفاق السلام في الشرق الأوسط. إن وزارة الخارجية الأميركية تقدم سنوياً تقارير عن أداء سياسات حقوق الإنسان في البلدان الأخرى. ويبحث التشريع في الكونجرس هذه التقارير حتى لا يتم منح المساعدات الأميركية للدول التي تنتهك حقوق الإنسان.
ومع ذلك، يتم تجاهل تقرير وزارة الخارجية عن حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى عندما يكون دقيقاً في تقاريره. ونتيجة لذلك، تعرض عشرات الآلاف من الفلسطينيين للتعذيب أو الاحتجاز لفترات طويلة دون توجيه تهم إليهم، واستمرت انتهاكات القوانين الدولية التي تحظر مصادرة الأراضي الفلسطينية، وعمليات الإخلاء من المنازل، والنقل الجماعي للإسرائيليين إلى المستوطنات المقامة على أراضٍ فلسطينية مصادرة بشكل غير دون هوادة. من دون أي قيود على أفعالهم، يعمل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون المدنيون في ظل شعور من الإفلات من العقاب.
وبينما تم تدمير غزة خلال حرب إبادة استمرت 16 شهراً، كانت الضفة الغربية والقدس الشرقية تتعرضان لعمليات هدم جماعي للأحياء الفلسطينية وترويع القرى والأراضي الزراعية الفلسطينية. وقد تضاعف عدد الإسرائيليين الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية أكثر من أربع مرات في هذا القرن والآن تعمل المستوطنات و"الأراضي التابعة للدولة" التي تحميها إسرائيل و"المناطق العسكرية" والبنية الأساسية المحمية للمستوطنات على تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق أصغر فأصغر، مما يجعل مناقشة حل الدولتين أمراً صعباً. وقد مكّنت الولايات المتحدة كل ذلك بعدم اتخاذ أي إجراء لوقفه. ومن بين النتائج الثانوية الأخرى المترتبة على هذا الاستسلام الأميركي لسلوك إسرائيل تراجع حركة السلام الإسرائيلية. ففي الماضي كانت هذه الحركة الإسرائيلية نابضة بالحياة إلى حد ما، وكانت قادرة على إثبات أن التوسع الاستيطاني أو انتهاك الحقوق من شأنه أن يلحق الضرر بعلاقة إسرائيل بالولايات المتحدة. وبعد عقود من الأدلة على أن مثل هذه التداعيات لن تسفر عن ضرر في هذه العلاقات، تلاشت هذه الحركة وأصبحت بلا أهمية. وفي غيابها، أصبح اليمين المتشدد القوة المهيمنة في إسرائيل، ولم يتبق سوى الانقسامات الخطيرة الوحيدة في السياسة الإسرائيلية فيما يتصل بما إذا كانت الحكومة الائتلافية المقبلة ستتشكل بوجود أو من دون وجود متشددين الأرثوذكس أو نتنياهو في القيادة. أما الفلسطينيون أو مسائل السلام والعدالة فلا تدرج على جدول الأعمال. منذ السابع من أكتوبر، قامت القوى المؤيدة لإسرائيل، بقيادة الأيديولوجيين اليمينيين والجماعات الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة، بتكثيف جهودها على الجبهة الداخلية باستخدام ضغوط الكونجرس والأوامر التنفيذية الرئاسية لتفكيك حرية التعبير والحرية الأكاديمية في الجامعات.
ويتم الآن فرض تعريف موسّع لمعاداة السامية ليشمل الانتقادات المشروعة لإسرائيل، مما يهدد بقطع التمويل الفيدرالي عن الجامعات التي لا تعاقب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على ما يعتبر الآن أنشطة معادية للسامية. وقد أطلقت وزارة العدل فريق عمل لتحديد الجماعات والأفراد الذين شاركوا في أعمال معادية لإسرائيل. وتعهدت الجماعات اليمينية بتحديد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الأجانب الذين شاركوا في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين أو الذين رفع الطلاب اليهود ضدهم شكاوى بسبب تصريحات معادية لإسرائيل. وهم يبلغون عنهم للسلطات لترحيلهم، وفقًا لأمر تنفيذي آخر للرئيس ترامب. ما يبعث على القلق العميق داخل الولايات المتحدة هو أن المساواة بين "معاداة إسرائيل" و"مناصرة فلسطين" مع "معاداة السامية" قد خلقت مناخاً من الخوف في الجامعات الأميركية، مما يعيق حرية التعبير والحرية الأكاديمية والخطاب العام. وهكذا، بينما يدفع الفلسطينيون حياتهم ثمناً لهذا الضغط الذي أسكت انتقاد السياسات الإسرائيلية، فإن الأضرار الناجمة عن هذا الضغط تتفاقم. لقد أساء إلى سمعة هياكل النظام الدولي، وأربك صورة الولايات المتحدة وعزلها في نظر العالم، وهو الآن يلتهم قدراً كبيراً من حرياتنا التي نعتز بها.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
"غزة وجنين جميلتان بأهلهما فقط"
حديث القدس
بعد 500 يوم .. تفجعونـ(نا) بقتل رهائنـ(كم)
حمدي فراج
أولوية إعمار غزة: إزالة الركام والعمل على البنية التحتية وإعادة تأهيل المجتمع نفسياً واقتصادياً
المهندس محمد الحلبي المدير الأسبق لمؤسسة االرؤيا العالمية
"سيكولوجية الجماهير": قوة الحشود وتأثيرها على الأفراد
سهى زيدان
أمريكا وإسرائيل عدوانية غير مسبوقة
راسم عبيدات
إسرائيل وتهديد القمة العربية
أنطوان شلحت
مأزق الانقسام الفلسطيني
حمادة فراعنة
عـمـلـيـة "الـجـدار الـحـديـدي": إنـهـم يـفـعـلـون هـنـا مـا فـعـلوه فـي غـزة
ماهر الشريف
الطريق إلى الازدهار
رادوسواف شيكورسكي، وزير خارجية بولندا
أول الغيث قَطْرُ!
حديث القدس
الانقسام الإسرائيلي
حمادة فراعنة
دوام ترديد التهديد بالتهجير وانعكاساته النفسيّة المتوقعة!
غسان عبد الله
الرسوم الجمركية الأمريكية "من أجل الفنتانيل" تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية
جي وينهوا
الوعد المشؤوم
حديث القدس
بين ابتزاز غزة بالتهجير واجتثاث مخيمات الضفة.. ما العمل؟!
جمال زقوت
الرقص على حافة الجنون
رمزي الغزوي
العناد الفلسطيني ورفض التوطين والتهجير
حمزة البشتاوي
هذه رسالتي لحركة "حماس"
محمد المصري
أزمة النظام السياسي الفلسطيني بين الشرعية الثورية والانتخابية ومعضلة الديمقراطية
مروان إميل طوباسي
اعتذار الرئيس الأميركي
حمادة فراعنة
الأكثر تعليقاً
نتنياهو: لا مكان لحماس أو السلطة الفلسطينية في غزة في اليوم التالي للحرب

الاحتلال يستولي على أرض لشق طريق استعماري شمال غرب نابلس

تركيا تحذر من نكوص نتنياهو على اتفاق غزة
مصر تستضيف القمة العربية الطارئة يوم 4 آذار/ مارس المقبل

واشنطن بوست: إدارة ترمب توقف جميع المساعدات الأمنية للسلطة الفلسطينية
الأمم المتحدة: تأخير انسحاب إسرائيل من لبنان انتهاك مستمر للقرار 1701
المؤتمر الوطني الشعبي للقدس يندد بإغلاق إسرائيل مدرسة "للأونروا" بواد الجوز ومداهمة كلية التدريب المهني في قلنديا

الأكثر قراءة
طوباس: 3 شهداء في مخيم الفارعة والاحتلال يحتجز جثامينهم
اليونيسف تدين تصاعد العنف ضد الأطفال في الضفة الغربية المحتلة
إعلام عبري: إسرائيل تحجز 90 مليون دولار من أموال المقاصة الفلسطينية
بدء دخول المعدات الثقيلة إلى قطاع غزة من معبر رفح
عباس رافضا دعوات التهجير: فلسطين ليست للبيع

لازاريني: اقتحام الاحتلال مدارس للأونروا بالقدس ومعهد قلنديا انتهاك للحق في التعليم ولحصانة الأمم المتحدة

إعلام عبري يكشف هوية المحتجزين الذين ستفرج عنهم المقاومة السبت المقبل

أسعار العملات
الأربعاء 19 فبراير 2025 10:18 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.54
شراء 3.53
دينار / شيكل
بيع 5.0
شراء 4.99
يورو / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%54
%46
(مجموع المصوتين 674)
شارك برأيك
أميركا وتداعيات "الدعم غير المشروط"