يهرف بما لا يعرف، تتدحرج كلماته على لسانه دون أن تمرّ على فلاتر عقله، يقول ما يخطر ولا يخطر على بال أحد، هل تذكرونه، عندما دعا الأمريكيين إلى شرب الكلور عوضاً عن تلقي اللقاح ضد فايروس كورونا... ما الذي كان سيحيق بالأمريكيين لو أنهم صدعوا لأوامره؟
مثل فيلٍ هائجٍ يقتحم متجراً للفخار، أو كقطارٍ ينحرف عن القضبان، بدا قطب العقارات في مؤتمره الصحفي مع شريكه في الإبادة، بصخبه وغروره وافتتانه بفوزه على غريمه الديمقراطي، يضرب في أربعة أرجاء الأرض، بأوامر وفرماناتٍ وإملاءاتٍ على الأفراد والكيانات لتسييل الخرائط، وفتح الساحات والمعتقلات دون محرمات، حتى سوّلت له نفسه الأمّارة بالاستعمار استعادة أمجاد البطولات لرجل الكاوبوي، ليركب أعلى ما في خيله وخيلائه، لاحتلال غزة بعد أن يُهجّر سكانها ويُنشئ "الريفيرا" على أنقاضها.
تنمُّر ترمب وشططُه في خططه يستدعيان المثل الدارج "مجنون برمي حجر في بير...".
"المجنون".. الصفة التي ابتدعها ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر قبل عقود، خلال ولاية نيكسون، بهدف إرعاب العالم، وإطلاق يده في تنفيذ سياساته، لكي لا يُسأل عمّا يفعل.
يستعيد ترمب في ولايته الثانية الوصفة الكيسنجرية ليُنتج الترمبية المتوحشة، التي لا تلتزم بأخلاق أو قوانين، ولا يكبحها كابحٌ يلجم غرورها أويُفرمل اندفاعها.
لا يصحّ الحكم على الرجل الصاخب الذي ليس له صاحب، سوى ترمب نفسه، دون العودة إلى ولايته الأُولى التي أخرج خلالها من جيبه "صفقة القرن"، ورسا عطاؤها على صهره كوشنير، وهي الخطة التي توعّد فيها الشعب الفلسطيني بالتهجير، وطفق يعقد المؤتمرات لتحشيد المواقف والموارد لتنفيذها، ثم ما لبثت أن تبدّدت مع خروجه المذل من البيت الأبيض، وأصبحت كباقي الوشم في ظاهر اليد.
إذا ما كان من محمدةٍ يتيمةٍ في إطلالات وثرثرات الرجل غريب الأطوار، فهي الاختبار بالذخيرة الحية لثبات الدعم الدولي للقضية الفلسطينية في لحظةٍ وجوديةٍ حرجة، ذلك أن السلطة لو استعانت بـ"هوليوود" وبأكبر شركات الدعاية الأمريكية لتسليط الضوء على المظلمة الفلسطينية، لَـما فعلت ما فعله ترمب، الذي تعرّض لشلّالٍ هادرٍ من الإدانات والمواقف المؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته.
من بين المواقف العربية والعالمية الشجاعة، يتقدم الموقف السعوديّ الذي ردّ بسرعةٍ وجسارة: "لا علاقات مع إسرائيل دون إقامة الدولة الفلسطينية".
شارك برأيك
المجنون!