Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الأحد 09 مارس 2025 10:56 صباحًا - بتوقيت القدس

مشاهد دامية.. واللعبة تتواصل

مشاهد دامية.. واللعبة تتواصل

 

المتوكل طه

 

أول أيام الافطار في رمضان، هي ساعات القشعريرة والبكاء الذابح الغوليّ، ومغرب الفُقْدان الضاري! إنها أيامٌ تتجدد فيها الفجيعة، ويتذكّر الأهل مَنْ كان في رمضان الفائت، ولم يعد! ثمة نقصٌ جارح، وثمة شاهدان أو قضبان أو عيادة للمعاقين.. أو سفرٌ بعيد.

هنا صراخٌ مكتومٌ وحشيٌّ يكاد يهرس صدر الآباء والأبناء، وثمة موائد فارغة تتطاير كالمناديل السوداء على طرق المقابر.

ستهمد عيون الوالدين، وتظلُّ الجمرة! وسيكبر الصغارُ وفي حلوقهمِ مرارةٌ مغثية، يمجّون معها الصيام والعيد ومناسبات التلاقي والثياب والحلوى.. والنسيانَ الذي يُبقيهم وحيدين دون يدٍ أو نداء.

والقرى ما فتئت منكفئة تجأر بعجزها المُحبط، والأشقاء يتصايحون على جثّة المدائن التي قطعوا رؤوسها، كما قطعوا ألسنتهم، وفقأوا رجولتهم المدّعاة. ليس لغزة سوى الذي برأها من برقٍ وشجر ورجالٍ لا يموتون. فليعبث العابثون، فإن غزة تعدّ، رغم الرّدم والجوع والعتمة، حفلة البراءة والخلاص، وستخبز كعك عيدها للطيور.

*** 

البحرُ الساطعُ، وغرفُ القمر، وأغنياتُ ليلِ الأمواج، واللّمة في شهر رمضان، والسهرُ على مصاطب الرّصيف، وحليبُ العرائسِ الساخن، وأثرُ السجودِ على التراب، وموقدةُ شايِ النعناع، وضحكةُ الرضيعِ النائم، ورضى الأُمّهات، والنايُ الجارح البعيد، وألوان الحقيبةِ المدرسيّة، والقُبْلةُ المخطوفة تحت الدّرج، وصباحاتُ العيد، وانفعالُ الحمائمِ على البيدر، ومقلاةُ النارِ الحريفة، وفرحةُ النّجاحِ في الثانوية، وضجيجُ الأعراس القريبة، والزّنكُ المشطوف بعد المطر، وعناقُ الجيران، وشبكةُ الصيّاد الطافحة، والعرقُ البارد على ثوبِ الطين، وطقطقةُ الكانون، ومرآةُ المفاتنِ في الليل، والنمائمُ البريئة، وقميصُ المناسبات الوحيد، وشهقةُ المانجو على الأغصان، والهرولةُ وقتَ صلاة الجمعة، والرجوعُ المطمئنّ إلى الدار.. راحت إلى غير رجعة! ربمّا ستعود إلى غزّة، ولكن بإيقاعٍ مكسور.

***

ثمة دبيب في رَحْم الشوارع، وثمة نبض يخفق في الجدران، وثمة انفجار قادم في كل مكان، بدأ من القدس، إلى جنين وطولكرم، وتوقّف طويلاً في غزّة، لكن صداه سيكون في المرايا القريبة والبعيدة!

*** 

وقبل الإفطار؛ أوقفه الحاجز، كانوا مستنفرين كالطوفان، وبعد أن أتمّوا حفلة الذّل والتفتيش والتنبيش عن الهواء، قالوا لامرأته أن تخلع كل ملابسها، فثمة وطن سينفجر في بطنها، وارتفع الصراخ الوحشي المجنون، وانغلق العقل- سيعرّونها غـَصْباً- وبعد دقائق كان دمه يشق جداول نحو الشجر اليابس على حافة المجنزرات، وامرأة تستلقي دون ثياب! والمؤذّن يعلن دخول الليل. إنها امرأة من بلاد البلابل والقرنفل، ورذاذ البراكين، أو نثار الحصاد وأنفاس الأيْل، تأخذك إلى سلالم النيرفانا، وتعطيك مفتاح قوس قزح، وقبل أن تكمل أناقتك، تكون قد غبت في العروق المهجونية.


 ولكن، ماذا يعني هذا؟ لا شيء سوى أن اللعبة تتواصل، ولنا أن نستمرئَ وَهْم الكلمات!

***

وفي رمضان نام الغدُ في البارحة، واستيقظ اليوم، كان شبيهاً بأمّه، التي اعتبرت نوستراداموس دجّالاً ولاعباً على الاحتمال البعيد.. الممكن.

***

وفي شوارع القدس القديمة؛ لم تتبدل عربات النحاس كثيراً، ولا الخيول أو الجنود، فلقد كانوا ينزلون بسرعة خاطفة إلى الأسواق، يبعثرون الدكك الخشبية الصغيرة، والطاولات الواطئة، فتقع عنها مِزَق الخضار والباقات وحبّات البيض والفاكهة، وكانت النساء، بثياب الحقول، يرجعن باكيات دون قطع روميّة نقدية قليلة. ومنذ سبعة وخمسين، والجنود أنفسهم يهبطون بهراواتهم، فيركلون البسطات بالبساطير، ويدعسون على إضمامات النعنع والبقدونس والبصل الأخضر والجرجير، ويتدحرج التين والبرقوق، وتعود النساء اللاطمات دون قروش إلى البيوت المنذورة للهدم والتطـّرف.. والزوال.


ولغزّة التي تتسحّر على دمها المخثّر في العراء! وأقول؛ أُحبُ وجَهكِ، وارُ يرتعشُ عليه كالفراشات المتوهجة! وأُحبُ عينيكِ المغنطيسيتين، وثوبكِ الذي بلون زبد البحر! لكني في عالم فَقَدَ رشدَه، ولا يمنحني جنّةً لرمضان أحياها معك.. لأنّ الجنّة ليست مأدبةً عظيمةً فوق الغيوم، أو مشواراً في الليل المائي، إنها الحياة بلا احتلالٍ وجنازات وجنود. 



وقبل مدفع الإفطار، يدهمُ الجنودُ حوش البيت الريفي، ويتدفقون، ويقتحمون الغُرف والمطبخ والحمامات والمخزن، ولا أحد!


كانت المرأة مع ابنتها الطفلة، وأكدت لهم أنه لم يأتِ إلى البيت منذ شهور، اذهبوا وابحثوا عنه.


لمعت الفكرة في ذهن الضابط؛ أحضَرَ الفتاة، ووضع باطن يديها على زهرات الأسلاك الشائكة، واحتضنها بكفيه، وراح يعصر على الأصابع الصغيرة، والأرضُ تصرخ.. تصرخ.. تصرخ، والعندمُ ينقط.. ينقط.. ينقط.


وما زال الحنّاءُ الناريُّ على الأسلاك.

***


المرارة والحامض الكاوي والرمل الناشف في حلوقنا، مع شهقة التلقّي لعشرة آلاف مذبحة كاملة! كأننا لم نعد ننتظر تلك الطمأنينة والسكينة من الأخبار المكرورة الصافعة، كأن اليأس قد أفنى الصبرِ على ما يمور من خراب ودم وتشريد وفرقة واقتتال وفتن وضلالات وكوارث ومفاسد وجنون، على امتداد خارطتنا الكبيرة، التي يومض كلُّ شيء فيها سريعاً نحو هاوية مرعبة!  


وها إنّي أتحسّس دبقَ الشريان المفتوح، مجّاناً، على الأصابع المضطربة، والسخونةُ تهمُّ بالتلاشي، والظمأُ عتيق.


ولا رعد فوق الخبب، يترنّح بجذعه، ليُنادي الفارس وراء دغل البلح، لأنه الغزال يتحسّس الموقدة المندلعة بشعاب الضوء، وخياله الجامح يجتاح صدره بالنار، ولا يرى زوابع الهلع التي تشلع المكانَ من مكانه!


أيّ موجة حارقة تلك المنداحة على سُكّرنا الأسود المرّ؟ وعمّتنا النخلة تكدّ جدائلها اليابسة، ليسقط عن ألواحها الحبّ المترمّد المذرور، إثر الحريق المدوّي الذي أخذ أعذاقها للعدم؟


وما للطير ببراءة الغموض، يلفّه الخوف، في غربة مجهولة، وشجرهُ يسيل على الحواف كهرماناً من النسغ المشعوط؟

ليس للبلّور المجعّد في هذا المدّ البعيد من صوت آخر، سوى ما تدفعه الأعماق إلى البيوت المُرهقة المهدّمة العطشى، وللشبكة المقطّعة التي تنوء بمخلوقات الليل المتغضّنة.


أيها المتفّرد، المُعاكس للمشهد المتشقّق، العميق الواسع الشهيّ المخيف! ستفقد ملوحتك الثقيلة إنْ وصلت الدماء إلى صفحتك، وصار لها لون غروب دميم، وسنكون أمام شواطئك المهجورة نبكي، فلا صدى، سوى ما يتهيّأ للمدّ من شراع يتهاوى في القيعان!

***

وكل عام وأنتم بخير، وأقرب إلى الله والقدس.. ورمضان كريم.  

دلالات

شارك برأيك

مشاهد دامية.. واللعبة تتواصل

المزيد في أقلام وأراء

دور المرأه المقدسية في مقاومة التهويد وتعزيز الصمود.

تهاني اللوزي

بمناسبة عيد المرأة : مستمرة بالمعاناة والنضال لنيل حقوقها عالمياً

كريستين حنا نصر

لجنة ثنائية القومية لبناء الثقة

جيرشون باسكين

لماذا استعجل العرب الترحيب بالجولاني؟ وما المخاطر القادمة ؟

مروان إميل طوباسي

"رمضان التكافل" لإغاثة غزة

ريما محمد زنادة

في اليوم العالمي للمرأة : مكانة المرأة الفلسطينية ومعاناتها في حاضرنا وفي تاريخنا وتراثنا الحضاري

تيسير خالد

هجوم خاطئ على المؤسسات الأميركية

جيمس زغبي

وحدة حركة "فتح" وحدة البيت الفلسطيني

حمادة فراعنة

المرأة الفلسطينية في الدبلوماسية والقيادة السياسية

دلال صائب عريقات

رمضان في القدس تحت مطرقة الاحتلال وسندان التضييق

عبد الله توفيق كنعان

يوم المرأة العالمي: بئساً لعالم لا يرى

المفاوضات مع حماس شر لا بد منه

حمادة فراعنة

المعرفة المُستعبَدة: عندما تصبح الحقيقة خطرًا

السيطرة على الضفة الغربية !

العائلة الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي: عائلتك لم تعد كما تعتقد.. هل تتحكم بها خوارزميات...

هل الذكاء الاصطناعي يغش؟

عبد الرحمن الخطيب

في مواجهة عملية لمشروع التهجير

علاقات حماس بالغرب: أمريكا.. المفاجأة والكواليس!!

د. أحمد يوسف

الأمن القومي العربي.. أنا "فلسطين" يا أبي

د. إياد البرغوثي

القواعد الحاكمة لسلوك الرئيس ترامب

جهاد حرب

أسعار العملات

السّبت 08 مارس 2025 11:42 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.63

شراء 3.62

يورو / شيكل

بيع 3.94

شراء 3.93

دينار / شيكل

بيع 5.11

شراء 5.1

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%53

%47

(مجموع المصوتين 796)