أقلام وأراء
الإثنين 27 يناير 2025 10:12 صباحًا - بتوقيت القدس
تأملات حداثية في معجزتي الإسراء والمعراج
في ذكرى الإسراء والمعراج العظيمين، تأتي الحاجة اليوم لقراءة تأملية جديدة تتجاوز القراءة التقليدية، وتزداد الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى على ضوء التحديات الجسام التي يتعرض لها مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والأخطار والمحن التي تتعرض لها فلسطين خصوصا، أرضا وشعبا وتراثا، وما يهدد الأمة الإسلامية بدولها وشعوبها أيضا، إذن فإن المجال رحب نحو قراءة واعية متأنية جديدة، قراء ة تأملية لحركة فكرية حرة داخل حدود النص القرآني، والنبوي والتاريخي، لعل هذه القراءة تكون قادرة على إحداث نقلة نوعية معرفية تستجيب لأسئلة الحاضر ورهاناته وتحدياته، وتؤسس لمنطلق قوي نحو مواجهة إجرام العدو وتعرية سكوت الشقيق والصديق.
وسؤالنا الآن ماذا نعني بالقراءة الجديدة ؟ وما حدودها ؟ وما الحاجة إليها ؟
القراءة الجديدة نعني بها تجاوز الحديث المعهود والمتكرر هل تم الإسراء بالروح، أم بالجسد، ام بهما معا؟
قراءة نقديه تحليلية بتفكير عميق للنص والحدث حول دلالاته وقراءته التاريخية في ضوء النظر للمستقبل، قراءة تزرع الأمل في النفوس التي ضاقت ذرعا من حالة عجز الأمة وخنوعها .
قراءة تفجر طاقات الأمة من جديد لتعيد للأمة قيمتها ومكانتها، وللقدس والأقصى حريته.
فحين تستضيف قنوات فضائية عربية، علانية وبدون حياء أو خجل كتابا مصريين وسعوديين يشككون فيها بموقع المسرى، ويدعون بان الإسراء العظيم لم يكن للمسجد الأقصى في القدس، أمثال يوسف زيدان وأسامة يماني وغيرهما ممن يتساوقون مع طروحات مردخاي كيدار اليهودي، وقولهم إن الإسراء تم لمسجد كان في الطائف، او بين مكة والطائف أو في الجعرانة. ويتجاوز أسامة يماني حتى يصل إلى أن المسجد الأقصى لم يكن قبلة المسلمين الأولى!!! فكل هذا يوجب على الأمة الإفاقة من نوم طويل وملاحقة أمثال هذه الشرذمة التي تستفز المسلمين في أقدس ما يقدسون. ويزداد التجرؤ على المعجزة القرآنية حتى يصل الى التشكيك بحادثتي الإسراء والمعراج أصلا أمام النص القرآني الواضح، ليقول المغربي محمد سعيد المتخصص في مقارنة الأديان (ان معراج محمد أمر يتعلق برؤية صوفية، قد تكون رحله منامية كحلم، أو أسطورة معراجية كأسطورة قصة فارس قبل البعثة بـ ٤٠٠ سنة ، اي معراج ارتيوران. ففي كتاب فارسي ان "الالهة" أرسلت ارتل ويراث الى السماء، اي ارسلت روحه وبعد ان اطلع على كل شيء في السماء امره ارمزد "الاله الصالح" ان يخبر الزرادشتية بما شاهد ورأى. ويزيد فيقول: لم يكن في عصر البعثة مسجدا في بيت المقدس بل كان ركاما وحطاما لهيكل لم يبق له نبوخذ نصر اثرا قبل الميلاد بـ٥٩٧ سنة.
لننتقل الى قراءة استشراقية جديدة تقطع حبال عقيدتنا بالسماء فتقول المستشرقة البريطانية كارين : انها رحلة تصوف تشبه تصوف العرش عند اليهود.
ولماذا نذهب بعيدا الى فكر الاستشراق ، ونتجاوز ما يقوله من يدعون انهم على منهج السلف ويعتبرون ان الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج بدعة في الدين، ولو كانت دعوة في المسجد للحديث عن دلالات الإسراء، وان تحدثوا عنه فلا يتجاوزون الحديث العابر في اثبات او تضعيف الأحاديث المتعلقة بالإسراء والمعراج. ولا يكلفون انفسهم بالاجابة على الاسئلة الملحة والمهمة التي يفرضها النص القرآني او الحديث النبوي، مثل، لماذا كان الإسراء إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس ؟ ولم لم يكن المعراج مباشرة من المسجد الحرام؟ وماذا يعني الربط بين المسجدين؟
وما دلالة إمامة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء؟ وماذا تعني الارض المباركة في قول الله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”. وما هي الآيات المقصودة في قوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير؟
ان القراءة الجديدة تفرض علينا المقارنة بين حالة الكرب التي نعيشها في الارض المباركة، وبين المحنة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وفي القراءة التاريخية لطرد اهل الطائف للنبي صلى الله عليه وسلم وضربه حتى سالت الدماء الشريفة منه. ثم توجهه إلى السماء وكانما يقول لنا افعلو مثلي وقولوا قولي في الشدائد: اللهم اني اشكو اليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، الى من تكلني، الى عدو يتجهمني ام الى قريب ملكته أمري، ان لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، أنت ربي ورب المستضعفين.
لنلاحظ من جديد انه بعد كل محنة، تتجلى منحة ربانية : لنريه من اياتنا، اي ان قوة الله تعالى وقدرته فوق كل قوة وقدرة، لا تقاس بمادة ولا معيار الا معيارا واحدا، ان معي ربي سيهدين.
ثم يكون الإسراء إلى بيت المقدس ليحمل دلالات وقراءات وتصورات وتنبؤات.
الى اين الاسراء ؟ الي ببت المقدس. من يحكمه ؟ اقوى دولة في العالم في ذلك الوقت. وماذا يعني هذا ان المحن تتحول الى منح، فحدود دعوتكم ورسالتكم ليست مكة المكرمة فحسب، ولا الطائف، بل حدودها نهايات العالم وبدايتها انكم تنتصرون على أقوى دولة في العالم انها الروم التي تحكم الارض المقدسة.
وهي ليست اهلا لذلك بل انتم الاهل: قال تعالى وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم.
اي اختاركم لتقودوا العالم وتحكموا بالعدل وتحرروا البشرية من الظلم والقهر والجهل.
ثم تأتي الإمامة بالأنبياء، لتقول لكم كما بين الامام الغزالي قد ظلت النبوات دهورا طوالا وقفا على بني اسرائيل، وظل بيت المقدس مهبط الوحي الوطن المحبب الى بني اسرائيل، اما بعد الاسراء، فلقد تم انتقال القيادة الروحية في العالم من أمة الى أمة ومن بلد الى بلد، ومن ذرية اسراىيل الى ذرية اسماعيل عليهما السلام.
انها قيادة العالم بالرسالة الحق: قال تعالى: لقد اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا.
فقد اشتملت الامامة بالنبيين عليهم الصلاة والسلام على معان واشارات حكيمة بعيدة المدى وهي خط فاصل من الناحية المحلية المؤقتة الى الشخصية العالمية الخالدة.
وأما الربط ببن المسجدين فانه يحتاج ال تأمل وتدبر آخر. وهنا نتذكر قول كبير الخصم بن غوريون حين قال: اليوم ندخل القدس ونحن في طريقنا الى يثرب، وقول وغولدا مائير حين وقفت على خليج العقبة وقالت: انني اشم رائحة اجدادي في المدينة والحجاز، وهي بلادنا التي سوف نسترجعها "بزعمها الأثيم" فهل يُعقل ان يفهم هؤلاء دلالة الربط بين المسجدين ولا نفهمه نحن؟
ان ما يقررره فهم النص برؤية جديدة ان الله تعالى ربط بين أول مسجد بني لعبادة الله، وبين ثاني مسجد بني لعبادة الله كما ورد في الحديث الشريف كم بينهما؟ قال اربعون عاما.
ربط بين مهد رسالة الوحي ممثلا بالكعبة الشريفة وبنائها على يد آدم عليه السلام أو الملائكة لتكون مركز التوحيد وبين المسجد الأقصى، أرض الانبياء ومركز الحفاظ على رسالة التوحيد. فإذا كانت بيت المقدس تحت حكم الطغاة والظلمة، فان رسالة التوحيد ومركزها مكة المكرمة في خطر. أما بركة الأرض المقدسة فقد علمها وأحس بها نابليون فرنسا، وأللنبي بريطانيا، وأحبار وكهنة الصليب في اوروبا عندما شنوا حرب الصليب واحتلوا بلاد الشام.
وكذلك فهمها التتار. لقد فهم جميع السابقين ان قيادة العالم لا تكتمل الا بقيادة القدس، وان من يسيطر على القدس يحكم العالم، لكن ما يريده النص الحكيم ان تكون قيادة العالم قيادة وحي ورسالة نبوة لتحقق العدل وترتقي بالإنسانية، وما نفهمه من استقراء النص أنه حكم إلهي وليس بشريا، وان هذه الارض تفرض قدسيتها ان لا يعمر فيها الظلمة وانها تطوي حكمهم للأبد، فكما طوت حكم الرومان والفرس، وحكم الفراعنة والأشوريين والبابليين، واليونان والتتار والفرنسيين والانكليز وعموم الصليبيين، ستطوي حكم اليهود والامريكان من جديد.
نعم هكذا تكون قراءتنا الجديدة لحادثة الإسراء، قراءة نصر وانتصار وقوة وعزة وإرادة وقيادة من جديد للبشرية بعد تحريرها من الطواغيت.
دلالات
نصار يقين - فلسطين قبل حوالي 17 ساعة
المقال من خيرة قرأت بهذه المناسبة - تحية للكاتب والإمام والخطيب المفوه
المزيد في أقلام وأراء
جائزة الشارقة في المالية العامة: أهدافها وقِيمها، وتجربة فلسطين بالفوز بالمركز الأول
بقلم: أ. هاني أبو سنفة.
المجد يركع لكم…
حديث القدس
العودة إلى الشمال
بهاء رحال
رسالة مفتوحة للرئيس والقيادات الفلسطينية
جمال زقوت
مسيرة شارع الرشيد للعودة
حمادة فراعنة
إدارة ترمب في الشرق الأوسط ، وعود زائفة ورؤية عقائدية فاشية ودينية مشوهة
مروان إميل طوباسي
ترمب والتهجير والقادم الأسوأ!
محمد جودة
معادلة: أمام هزيمة مركبة معقدة تنخر العظم والعظمة
حمدي فراج
تشميلة بني غزة
جهاد حرب
أزمة دستورية في إسرائيل
إسماعيل مسلماني
إنه الفلسطيني يا غبي!
ابراهيم ملحم
رسالة إلى ترمب .. لن يرحل الشعب
حديث القدس
يتعاملون مع مسألة التهجير كأنها عمل خيري
د. أحمد رفيق عوض
الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين
حمادة فراعنة
الضفة الغربية بين "السور الواقي" و"السور الحديدي"
أحمد عيسى
عندما "تُحرَّم" الأرض على أهلها ؟
عطية الجبارين
الصفقة اليوسفية بعد أن حصحص الحق
وليد الهودلي
بين اتفاقين... إغراء المقارنة وغوايتها
عريب الرنتاوي
وللحرية باب
بهاء رحال
قدسية الأسرة في القدس.. بين التحديات والحلول
د. فريال رياض التميمي
الأكثر تعليقاً
دروس "الطوفان" وارتداداته (4) ..سوريا... "فرحة" اللحظة و"قلق" السياق
بين يدَي الذكرى العطرة
الاحتلال يمنع عائلة أبو حميد من السفر عبر معبر الكرامة للقاء أبنائها المبعدين إلى مصر
أزمة غزة والمصير المجهول بين التحديات الداخلية والمخطط الاستعماري لإسرائيل
نتنياهو: حماس هم النازيون الجدد ونحن ملتزمون بهزيمتهم نهائيا
مسيرة للاحتلال تقصف مخيم بلاطة خلال تشييع جثمان الشهيد حشاش
إعلام إسرائيلي: نتنياهو يغادر السبت إلى واشنطن
الأكثر قراءة
مغازلة أبو مرزوق لواشنطن استراتيجية أم تكتيك؟
الأشقاء نصر ومحمد وشريف أبو حميد يتنسمون الحرية وتم إبعادهم خارج فلسطين
وزارة الداخلية بغزة توضح بشأن عودة النازحين إلى الشمال غداً
وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوافقون على تفعيل مهمة المراقبة في معبر رفح
قائمة الأسرى الذين ستُفرج عنهم "إسرائيل" اليوم ضمن صفقة التبادل
إعلام مصري: الأسرى الفلسطينيون الـ70 المبعدون يتجهون إلى القاهرة
"أنا بخير في غزة".. سرايا القدس تبث مقطعًا مسجلًا للمحتجزة أربيل يهود
أسعار العملات
الثّلاثاء 28 يناير 2025 12:16 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.61
شراء 3.6
دينار / شيكل
بيع 5.09
شراء 5.08
يورو / شيكل
بيع 3.77
شراء 3.76
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 513)
شارك برأيك
تأملات حداثية في معجزتي الإسراء والمعراج