أقلام وأراء
الخميس 16 مايو 2024 9:30 صباحًا - بتوقيت القدس
أصغيتُ، شاهدتُ، فتعلمت فأيقنت
تلخيص
منذ عقدين ونيّف، وأنا أعمل بهَدي "اللهم أعطنا علماً نافعاً ورزقا طيباً وعملاً متقبلاً". تلقيتُ دعوة من أحد رؤساء مجالس أولياء الأمور في إحدى مدارس القدس الخاصة والعريقة، للقاء مزيج من الطلبة المراهقين وعينة من أولياء الأمور.
دخلت المدرسة، أبهرني طاقم المدرسة في التعامل الإيجابي مع الطلبة، إذ معاملة الأب لابنه/ابنته، ما أشعرني بالسعادة كون هذا الطاقم أدرك الظروف الخاصة للمراهقين، لا سيما في هذه المرحلة الحرجة من العمر، مرحلة المراهقة وفي مثل هذه الظروف الصعبة.
كعادتي، أتجنب قدر المستطاع، البدء في إعطاء محاضرات نظرية أو إسداء النصح والإرشاد، كما لو أن من أمامي ارتكبوا أخطاء، وما أنا إلا أحد تلامذة لقمان. أعمد دوما إلى الأسلوب التشاركي التفاعلي مع الحضور فسألتهم: كيف تشعرون هذا الصباح؟
ذُهلت حين كانت الإجابات كالتالي:
- أشعر بالحزن والخوف، الخجل مما يدور من حولنا دون تحريك أي ساكن والاكتفاء بالصراخ والعويل.
- أشعر بالغضب، العصبية التي ربما ستدفعني إلى ارتكاب سلوكيات خطيرة ضارة بالغير كالتنمر على الآخرين، أو حتى الإقدام على إيذاء ذاتي.
- أشعر بعدم القدرة على التركيز والانتباه وحتى عدم القدرة على الإصغاء، وفي أحسن الأحوال أنا مستمع فقط.
- أشعر بالتوتر والقلق الدائم، ترافقه آلام جسدية (ألم في المعدة، صداع، سرعة في خفقان نبضات القلب، خاصة حين سمعت أخباراً حزينة جاءت من مختلف أصقاع الكون -قتل، تشريد، هدم، اعتقال، جرح، كساد اقتصادي-).
- أشعر بالعزلة الشديدة، لدرجة الميل للانطواء، ولم تعد لدي الدافعية في التفاعل مع أعز الأصدقاء وحتى أفراد عائلتي، ما يدفعني إلى اللجوء دوماً لوسائل التواصل الاجتماعي التي باتت بمثابة مصدر إدمان عندي.
- أشعر بالذنب والإرباك كون جميع مستلزمات الحياة عندي متوفرة لديّ، وغيري يتعطش لقطرة ماء أو لقمة طعام.
ما أن سمعت وتعرفت على هذه المشاعر، حتى تذكرت ما توصلت إليه منذ فترة جائحة كورونا، وما تبعها من حروب واقتتال وعنف مسلح، فكتبت وتحدثت عنها، ونشرتها عبر وسائل إعلام مختلفة. ملخص ذلك أننا أمام أمراض سيكولوجية مختلفة، ذات ملامح ومصادر وانعكاسات سيكولوجية، عاطفية وسلوكية مختلفة.
أما المصادر المختلفة فتبدأ من البيت، إذ تناقض أدوار الوالدين وعدم القدرة غالبا للتوصل إلى قاسم مشترك بخصوص تفسير وعلاج سلوكيات الأبناء غير الطبيعية، فلكل رؤيته التي قد يتصلب بها، نظراً للاختلافات الثقافية أوالعقائدية، أو التجارب السابقة، دون إغفال ردود الفعل أو الحالة الجسديّة، أو المعيشية للوالدين، الأمر الذي يؤدي إلى غياب أجواء حوارية تفاعلية داخل الأسرة، مما لا يسمح للطفل بالتعبير عن مشاعره منذ البداية، وما إن تتفاقم مثل تلك السلوكيات، يهب كلا الوالدين لممارسة دور المربي القامع أو دور المتصنع للديمقراطي والصابر، دون أن يدرك كل منهما أن الطفل لم يعد جاهلاً، فهو يعي تماماً كل ما يدور حوله منذ أيامه الأولى، وحتى قبل مرحلة الطفولة المبكرة.
يعمد بعض الآباء إلى تغافل/ تجاهل إشارات سلوكية غير طبيعية، تظهر لدى طفلهم، باعتبار أنها عابرة أو هي مس من الشيطان، ولا داعي إلى مراجعة أخصائي نفسي كون ذلك بمثابة وصمة اجتماعية يرى فيها المجتمع عيباً أو ضررا يلحق بالعائلة وسمعتها، نظرا لغياب الوعي والثقافة اللازمة لدى الوالدين بخصوص كيفية التعامل مع الطفل في مثل هذه الحالة.
يشكل العنف المحلي والأسري أحد أخطر مسببات اضمحلال الاستقرار النفسي للفرد والعائلة، ما يهدّد بغياب فرص السلم الأهلي.
مصدر آخر لبدء تفشي مثل هذه الأمراض السلوكية، يكمن في الاقتتال لأسباب سياسية وما يوصف عادة بالحروب المدمّرة، كالتي نشهدها في واقعنا المرير. جدير بالذكر هنا أن الانعكاسات السيكولوجية على المراهق، غير محصورة، في طرف واحد من أطراف هذه الحروب، الأمر الذي يذكي شدّة التعصب الفكري والديني والقومي، وبالتالي دوام الدوران في حلقات العنف وتنامي مشاعر الكراهية والتحريض والجهل بالآخر (الذي هو مصدر كل آفة)، مما لا يفسح المجال أمام رؤية الطرف الآخر كإنسان له الحق في الوجود والحياة، أي عدم الإعتراف بإنسانية الطرف المقابل.
هكذا تتواصل وتعم مشاعر الحزن ودوام القلق والخوف من الآتي ومن الاّخر، مما يقود إلى بدء التفكير بالتخلص من الاّخر وحتى إبادته. مثل هذا النمط من البديل المتاح هو نتيجة الجهل والتحريض المفرط اللذان يتجاوزان كل القيم والأخلاق، وحتى ما ورد في الديانات الإلهية جمعاء من السعي إلى كظم الغيظ والعفو عند المقدرة والابتعاد عن النميمة والاستهزاء والتحريض.
لبدء التحلل والتخفيف من حدة هذه الاضطرابات السلوكية وتعديلها، لا بد من:
- تبني نهج البحث والحوار الهادف للخروج من دائرة التقوقع في صومعة الجهل وإنكار الآخر ودوام ترديد: أنا أعرف بضرورة الإقرار بوجود جميع الأطراف دون المس بحقوقها.
- يتأتى ذلك من خلال العودة الفعلية إلى تعاليم عقيدتنا الدينية، دون إنكار أو التجني على ما جاء في العقائد الدينية الأخرى.
- الحرص الكامل على عدم التفريق بين الفكر والممارسة الفعلية، الذي يتجلى في سلوكياتنا ونهجنا في الحياة.
- ضرورة تنمية وتوسيع مداركنا وثقافتنا حول أهمية ودور الصحة النفسية في تعزيز استقرار الفرد والسلم الأهلي، على طريق إنجاز التنمية المنشودة وتحقيق الأهداف الوطنية السامية.
- إيجاد المزيد من فرص التفاعل الاجتماعي والرياضة الروحية والذهنية والجسدية، لدى المراهقين وحتى العائلات بأجمعها، من أجل تعزيز فرص معرفة الآخر: مشاعره ومخاوفه وطموحاته، وبالتالي معرفة دوافع سلوكه.
- هناك ضرورة قصوى لعدم الهروب من الواقع، بل مواجهته بكل ما أوتينا من حكمة ودراية ومعرفة وثقافة، موظفين خبراتنا وتجاربنا وحتى خبرات وتجارب غيرنا النافعة لنا، والتي لا تتناقض مع التعاليم السمحة لعقيدتنا وتطلعاتنا، كل هذا حتى نتفهم من هم من حولنا.
يشكل العنف المحلي والأسري أحد أخطر مسببات اضمحلال الاستقرار النفسي للفرد والعائلة، ما يهدّد بغياب فرص السلم الأهلي.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
Google تدعم الباحثين بالذكاء الاصطناعي: إضافة جديدة تغيّر قواعد اللعبة
بقلم :صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
التعاون بين شركة أقلمة والجامعات الفلسطينية: الجامعة العربية الأمريكية نموذجاً
بقلم: د فائق عويس.. المؤسس والمدير التنفيذي لشركة أقلمة
أهمية البيانات العربية في الذكاء الاصطناعي
بقلم: عبد الرحمن الخطيب - مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
ويسألونك...؟
ابراهيم ملحم
الحرب على غزة تدخل عامها الثاني وسط توسّع العمليات العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية
منير الغول
ترامب المُقامر بِحُلته السياسية
آمنة مضر النواتي
نعم لملاحقة مجرمي الحرب وتسليمهم للقضاء الدولي
حديث القدس
مآلات سياسة ترامب الاقتصادية أميركياً وعربياً
جواد العناني
سيناريوهات ثلاثة: أحلاها مر... ولكن
أسعد عبد الرحمن
جنوب لبنان وغزة بين جدلية وحدة الجبهات والاستقلالية التكتيكية
مروان أميل طوباسي
الضـم ليس قـدراً !!
نبهان خريشة
دور رجال الإصلاح وزعماء العشائر في تعزيز السلم الأهلي والحاجة الملحة لضرورة تشكيل مجلس للسلم الأهلي في المحافظة
معروف الرفاعي
الفيتو الأمريكي: شراكة حقيقية في حرب إبادة شعبنا
حديث القدس
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أحمد لطفي شاهين
الميدان يرد بندية على ورقة المبعوث الأمريكي الملغّمة
وسام رفيدي
تماسك أبناء المجتمع المقدسي ليس خيارًا بل ضرورة وجودية
معروف الرفاعي
المطاردون
حمادة فراعنة
فيروز أيقونَة الغِناء الشَّرقي.. وسيّدة الانتظار
سامية وديع عطا
السلم الأهلي في القدس: ركيزة لحماية المجتمع المقدسي ومواجهة الاحتلال
الصحفي عمر رجوب
إسرائيل تُفاقم الكارثة الإنسانية في غزة
حديث القدس
الأكثر تعليقاً
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
اللواء محمد الدعاجنة قائداً للحرس الرئاسي
زعيمة حركة استيطانية تدخل غزة بدون علم الجيش لإعادة الاستيطان
الأردن: قصف إسرائيل حيًّا ببيت لاهيا ومنزلا بالشيخ رضوان "جريمة حرب"
أطفال فلسطينيون تعرضوا للإعدام الميداني
الأكثر قراءة
الأردن: حكم بسجن عماد العدوان 10 سنوات بتهمة "تهريب أسلحة إلى الضفة"
ماذا يترتب على إصدار "الجنائية الدولية" مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو وغالانت؟
نتنياهو يقمع معارضيه.. "إمبراطورية اليمين" تتحكم بمستقبل إسرائيل
الكونغرس يقر قانون يفرض قيودا صارمة على المنظمات غير الربحية المؤيدة للفلسطينيين
خلال مؤتمر "مفتاح".. إنهاء الانقسام ووضوح العلاقة بين المنظمة والسلطة
بعد مرسوم بوتين.. هل يقف العالم على الحافة النووية؟
من فلسطين.. شكراً للجزائر قدوة الأحرار.. وشكرا لإعلامها
أسعار العملات
السّبت 23 نوفمبر 2024 10:34 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.7
شراء 3.69
دينار / شيكل
بيع 5.24
شراء 5.22
يورو / شيكل
بيع 3.85
شراء 3.83
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%52
%48
(مجموع المصوتين 92)
شارك برأيك
أصغيتُ، شاهدتُ، فتعلمت فأيقنت